(المصدر: موقع جريدة عمان
الثلاثاء, 05 فبراير 2013)
ماذا لو أن الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر قام من قبره اليوم وشاهد بأم عينه ما تموج به منطقتنا العربية من ثورات وصراعات ؟! ..
من هذا السؤال الافتراضي تنطلق رواية الكاتب سليمان المعمري التي ستصدر قريبا في معرض مسقط الدولي للكتاب بعنوان "الذي لا يحب جمال عبدالناصر" لتقدم رؤية عامة حول الربيع العربي ما له وما عليه .
تصدر الرواية عن دار الانتشار العربي ببيروت التي سبق أن أصدرت معظم كتب المعمري من قبل، ومنها مجموعاته القصصية الثلاث "ربما لأنه رجل مهزوم"، و"الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة"، و"عبدالفتاح المنغلق لا يحب التفاصيل"، إضافة إلى كتابيه الحواريَيْن "قريبا من الشمس"، و"ليس بعيدا عن القمر" اللذين تضمنا حوارات مع كتاب ومثقفين عمانيين وشاركه إعدادهما وتحريرهما الكاتب عبدالعزيز الفارسي .
تدور أحداث الرواية في قالب ساخر في ردهات صحيفة عُمانية خاصة يسميها المعمري "المساء"، ومن خلال المواقف والصراعات والمقالب التي تحدث في الصحيفة بين محرريها وموظفيها العمانيين والعرب (مصريان وتونسي وسوداني) يضمن الكاتب موقفه من الربيع العربي ومن الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة .
صممت غلاف الرواية الفنانة بدور الريامي، وقسمها المؤلف إلى خمسة عشر فصلا: الفصلان الأول والأخير منها يسردهما راوٍ عليم، فيما توظف الرواية في الفصول الثلاثة عشرة الأخرى تقنية تعدد الأصوات التي تتيح لكل شخصية من شخصيات الرواية سرد حكايتها بنفسها والتعبير عن ذاتها بلغتها الخاصة، وقد وضع المعمري لكل فصل من هذه الفصول عنواناً جاذبا يشد القارئ، على النحو التالي:
1-الراوي العليم : زرني يا عَدُوِّي .....................
2-جار النبي بسيوني سلطان: صوّتْ لمرسي يا ولد
3-رئيس القسم الديني: هل سيد قطب أباضي ؟! .....
4-المصحح السوداني: أنته أصلاً فلول وما لكش دعوة بالثورة ......
5-رئيس القسم الثقافي: اش جاب التفاح للبصل!
6-رئيس التحرير: بالضبط كأنك تسحب السيفون
7-رئيسة القسم الاقتصادي: تاريخ أيه وجزمة أيه يا زينب !
8-رئيس قسم المحليات: غاندي يفطر بـ"سويويا" !
9-عبدالله حبيب: المشي في جنازة رجل عظيم
10-زينب العجمي: سموها "نكسة"، جاتهم وكسة !
11-بسيوني سلطان: بالعصا على مؤخرته
12-المصحح التونسي: البلد بش يبيعوها
13-عضو اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان: يخيط فمه؟! .. هل نحن في شيكاغو ؟!
14-المترجم المصري: عُمان مذكورة في القرآن؟!
15-الراوي العليم: أعرفك جيدا
شرفات يحتفي بهذه الرواية بنشره مقتطفاً من الفصل السادس منها :
كان يغيظني أحيانا ويحرق أعصابي، ولكن حين أقارن سيئاته بحسناته فان هذه الأخيرة هي التي ترجح .. أظن أنه من المناسب أن أخبركم أنه بعد هذه الرقدة الطويلة في المستشفى فاني رأيت أن اللياقة تقتضي أن يجد - حين يفيق من غيبوبته - عقده وقد جُدِّد لسنة أخرى.. سوف يرفع هذا الأمر من معنوياته في وقت هو في أمسّ الحاجة إلى معنويات.. وحتى الشهرُ المتبقي من العقد القديم سأمنحه إياه إجازة مدفوعة الأجر ليقضي فترة نقاهة في بلاده.. بسيوني على كل حال مصحح متضلع من اللغة، ولم يقصر في تدريس ابني، حتى وان كان ضربه مرة بدون وجه حق.. كما أنه رجل أمين.. أنا لن أنسى ذلك اليوم الذي دخل عليَّ مكتبي وأعطاني 56 ريالاً وقال لي إن ثمة خطأ ارتكبه المسؤول المالي في الجريدة عندما سلمه مكافأة 30 يوما في الشهر، في حين أنه لم يعمل سوى 26 يوما فقط!.. من كان سينتبه لو أنه استحل تلك الزيادة الضئيلة ؟!.. منذ ذلك اليوم وأنا أكن له احتراماً شديدا.. أما مشاكله التي يتذرع بها كل من رئيس القسم الثقافي ورئيس قسم المحليات فأظن أن هذين هما آخر من يتحدث عن المشاكل.. الأول كاد يطيح برأسي من جريدة المساء أكثر من مرة بسبب عدم انتباهه وقلة تركيزه، بعد أن صار مدمن كحول في السنوات الأخيرة.. ولولا صلته ببعض الأدباء المناكفين للحكومة المستعدين لإصدار البيانات تلو البيانات لكنتُ أقلتُه منذ مدة.. انه رجل مثقف وصحفي جيد وموهوب وطَموح ولكن عيبه الوحيد هو ما أسماه زميله سالم: "الذبابة التي في إناء العسل".. فغالباً ما يرتكب غلطة صغيرة في عمله تفسد اجتهاده وتلطخه كالبقعة السوداء في الدشداشة البيضاء، تماما كما في الأفلام البوليسية عندما يتمتع المجرم بالذكاء الشديد الذي يخوله لارتكاب أعتى الجرائم الغامضة ثم ينسى تفصيلة بسيطة لا تكاد تذكر ينفذ منها المحقق لاكتشاف لغز الجريمة برمته.. تارة ينشر نصاً لشاعر ماجن عن "أول اللذة" دون أن يكلف نفسه بقراءته قبل النشر فيتهيج المطاوعة ضدي، ومرة يعرض كتاب فيلسوف ملحد.. من كان اسمه ؟! سَبْنوزا ؟! .. ومرة يضع على واجهة الملحق الثقافي لوحة لمايكل أنجلو دون أن ينتبه للأثداء الصغيرة التي تشرئب منها، ما جعل مكتب سماحة المفتي شخصيا يتصل برئيس مجلس إدارة الجريدة ليندد بهذه الصفاقة، ليتصل بي هذا الأخير بدوره ويقرّعني تقريعاً شديداً لم أُقَرَّعْه في حياتي من قبل.. أما سالم الخنصوري فيكفيني منه صداع جمال عبدالناصر.. فلا يكاد يمضي يوم دون أن يكتب لي بسيوني رسالة شكوى فيه، مرة لأنه قال له إن عبدالناصر هو زعيم الأمة العربية، ومرة لأنه وضع له صورة عبدالناصر في درجه، ومرة لأنه وضع في هاتفه خطبة جمال عبدالناصر كنغمة وتعمد أن يطلب من أحدهم أن يتصل به وهو بالقرب من بسيوني ليسمعه النغمة!. ومرة كان يتعمد أن يعلي صوته في صالة التحرير وهو يترنم بأغنية فريد الأطرش "جميل جمال، مالوش مثال"، بل انه وضع له مرة صورة السيدة تحية كاظم زوجة جمال عبد الناصر عندما نشرنا خبراً عن صدور كتابها "أيام معه" الذي سردتْ فيه ذكرياتها مع زوجها الراحل! .. والأغرب من هذا كله شكواه من أن سالم الخنصوري يكنّي نفسه أبا جمال! .. قلتُ له: "يا شيخ انته سميت ابنك جار النبي وما أحد اعترض! " أجاب: "ده بيكايدني يا أستاذ مرهون.. أصلا ما عندوش ابن اسمه زفت! "، أذكر أنني علقتُ ضاحكا: "ويعني أبو العلاء المعري كان عنده ولد اسمه العلاء؟!!".. الجميع الآن في الجريدة يلقبون بسيوني بـ"السيفون"، بسبب تشبيه بليغ أطلقه حسن العامري عندما قال لسالم الخنصوري مازحاً : " عندما تذكر اسم جمال عبدالناصر أمام بسيوني فكأنك بالضبط تسحب السيفون: جلجلة عظيمة واختلاط للقذارة ببعضها البعض".. ومع هذا فأنا أستبعد أن يكون سالم الخنصوري هو مَنْ فَعَلَها.. ألم تفكروا للحظة أن يكون بسيوني رأى جمال عبدالناصر فعلا، وأن هذا الأخير هو الذي وضع له باقة الورد التي عليها توقيعه ؟! .. هناك احتمال كبير ألا يكون عبدالناصر قد مات بالفعل عام 1970 وإنما خطفه أحد السحرة فصار من "المغايبة" .. أنتم تعلمون أن هذا يحدث كثيراً في عُمان: يموت رجل أو امرأة أو طفل فيُدفن ويُقام عزاؤه وتمضي الأيام والسنوات، فإذا به يظهر لأهله في هذا الوادي، أو تلك الهضبة، أو يُشاهَد في المزرعة، أو أمام باب البيت، أو داخل البيت نفسه، دون أن يستطيع أن ينبس بكلمة، ويظل بعد ذلك أهله يضربون أخماساً بأسداس ممزقين بين الفرحة بظهوره مجددا وبين الخوف منه.. "المغيّب" يعود للظهور بعد أن يموت الساحر الذي خطفه.. ومن يدري فقد يكون الساحر الذي اختطف جمال عبدالناصر قد مات مؤخرا فأُتيح لعبدالناصر أن يعود للحياة من جديد.. قبل عدة سنوات تدُوولتْ لدينا في عُمان صورة لعدد من "المغايبة" قيل إنهم ظهروا فجأة في أحد كهوف مدينة فنجا وجدهم عمّال أثناء شقّهم طريق مسقط نزوى السريع.. كانوا أشبه بالإنسان البدائي الأول: وجوه متغضنة، وشعور مشعثة، وسحنات مخيفة.. اتضح فيما بعد من جريدة الشبيبة أن الصورة ليست سوى لمعرض الشمع في باريس.. آه .. كم تمنيت أن تكون جريدة المساء صاحبة هذا السبق، ولكن للأسف لم يكن لدي صحفيون أكفاء في تلك الأيام.. قد تتساءلون: إذا كان عبد الناصر من "المغايبة" بالفعل فلماذا يظهر في عُمان وليس في مصر التي وُلِد ومات فيها ؟!.. الجواب بسيط: ربما يكون الساحر الذي خطفه عمانيا. أو لعل هذا الساحر مصري ولكن وافاه الأجل خلال مؤتمر للسحرة في عُمان!..
كل شيء جائز.
لقراءة نصّ الموضوع كاملا»