01 يناير 2010

تحقيق قرائي: أتوسل إليك يا سنة 2010 أن تكوني أكثر قراءة

تحقيق قرائي: أتوسل إليك يا سنة 2010 أن تكوني أكثر قراءة..في ملحق "شرفات"










نشر ملحق شرفات الذي يصدر عن جريدة "عمان" في عدده الأخير يوم الأربعاء الماضي 30 ديسمبر 2009 ملفا كاملا عن أفضل ما قرأ الكتّاب العمانيون في عام 2009، من إعداد الصحفية والكاتبة المميزة هدى الجهوري. وأنقل إليكم هذا الملف الجميل هنا للاطلاع على الكتب التي تحدث عنها الكتّاب:

أتوسل إليك يا سنة 2010 أن تكوني أكثر قراءة
فكرة وإعداد: هدى الجهورية

هذا العدد من شرفات لا يصادف اليوم قبل الأخير من عام 2009 وحسب، وإنما يصادف أيضا اليوم قبل الأخير من دخولنا إلى السنة العاشرة من الألفية الجديدة، وهذا ليس بالزمن العادي، أو الذي يمكن تجاهله والمضي بعيدا عنه، وإنما زمن يتطلب منّا وقفة حقيقة لنسأل أنفسنا: ماذا قدمنا للثقافة العمانية؟ وماذا قدمت لنا الثقافة العمانية أيضا؟ وماذا شهد المشهد الثقافي العماني من تغيرات مهمة قبل انقضاء العقد الأول هذه الألفية في شتى مجالاته الأدبية من شعر وقصة ورواية، أو الفنية من مسرح وتصوير وفن تشكيلي، ويمكن لحلقات هذه الدائرة أن تتسع لتطال المشهد الثقافي العربي، والمشهد الأجنبي أيضا.
ولمّا كان هذا الكلام كبيرا وغير محدد، ويأخذ بنا إلى اتجاهات متعددة اقتصر سؤالنا في هذا الملف عن: أفضل ما قرأ كتابنا في عام 2009، ومن المفارقة أيضا أنه سبق وأن طرحنا استطلاعا مشابها لهذا في عام 2008، وكانت أغلب الإجابات منصبة على منطقة السرد، وكأنها المنطقة التي لا يحب أن يغادرها الكاتب العماني، فهو يتثبت بها لتبقى الأثيرة، وفي مقدمة سلم قراءاته. إلا أن هذا الملف في هذا العام جاء مختلفا ومتمايزا إذ يبدو أن الكاتب العماني تحول بشكل كبير مقارنة بالعام الماضي إلى منطقة الكتب ذات الطابع الفكري، أو الفلسفي أو كتب الحوارات، أو ذات البعد التاريخي والسياسي، وإن بقي الكاتب العماني يراوح منطقة السرد من حين لآخر..
بدأت فكرة هذا الملف من استطلاع بسيط عن القراءة إلا أنه سرعان ما تحول إلى ملف كبير ومهم أيضا، وتركنا شهادات الكتاب على عامهم المنصرم كما هي دون تدخل منّا إلا بوضع العناوين. وإن اختلفت الآراء حول فكرة الكتب الأهم أو أفعل التفضيل «أفضل» إلا أن كل كتاب حكى لنا عن الكتب التي لم تغادر ذاكرته، وبقيت متربعة على عرشها..
وقد كشفت الشهادات عن تكرار لأسماء كتب بعينها لدى أكثر من كاتب لتدلل - ربما - على أهميتها..
وثمة الكثير الكثير في هذا الملف الخاص، لذا سنترك لقارئنا فسحة القراءة.

القراءة هي التعويض الجمالي الأمثل بالنسبة لي
سيف الرحبي

القراءة هذا العام لا تختلف نوعا عن الأعوام السابقة، وإن اختلفت كمًا. فالقراءة بالنسبة لي هي العامل الجوهري في الممارسة الحياتية اليومية، وكذلك أمر الكتابة. فأنا أُغلب القراءة أكثر فيما يقاس بعدد الساعات التي أقضيها من الوقت على الكتابة، فحين أنجز هذه في ساعات الصباح ـ قاصدا الكتابة ـ يبقى الفضاء مفتوحا فيما بعد للقراءة. إذ ليس ثمة كتابة حقيقية تطمح إلى الإضافة والإبداع إلا وترتكز على قراءات مركزة ومعمقة، وبما أني قليل الالتزامات الاجتماعية، فالقراءة هي التعويض الجمالي الأمثل بالنسبة لي .. القراءة والتأمل ما أمكن.
القراءة متنوعة لا تقتصر على حقل بعينه، فإلى جانب الشعر والرواية والقصة أنا أقرأ أيضا في الفلسفة والجيولوجيا وفي الفكر السياسي.. إذ أني لست رهناً لمجال تخصصي بعينه. ثمة كتب كثيرة في هذا السياق عربيا وعمانيا وبعضها أخذتُ في قراءته والاحتفاء به عن طريق الكتابة. فهنالك كتابات ربما غير مضاءة جيدا في الصحافة والنقد العربيين. مثل الكتابات المغاربية على سبيل المثال، وأتذكر الآن رواية الكاتب الجزائري أمين الزاوي والتي حملت عنوان (شارع إبليس).. هذه الرواية الصادمة احتفيت بها وبغيرها. كما أني مؤخرا أعدت قراءة كتابات الصديق عبداللطيف اللعبي الذي فاز بجائزة (جونكور) للشعر، فقد قرأت له (مجنون الأمل) دواوين ومسرحيات الكاتب نفسه. كما قرأت كتاب المفكر المغربي عبدالله العروي حول مفهوم الدولة والاجتماع، وكذلك كتابات تندرج في الإطار نفسه للكاتب السوري عزيز العظمة، وغيرها الكثير..
وطبعا على تواصل في القراءة مع أجيال عمانية مختلفة عبر بريد مجلة نزوى الثري والكثيف الذي يتيح لي فرصة للاطلاع على المشهد الثقافي في مساحة أخرى خارج قراءة الكتب، وهو مشهد متنوع واعتقد أننا في هذه الأجواء العربية والعالمية المحتقنة بالكراهية، وسموم العصبيات الغريزية، والطائفية البغيضة التي أخذت في التمدد والانفجار في الأرض العربية مرجعة كل تنوير عقلاني وفكري إلى عصور الظلام والتوحش.. تبقى الثقافة والنتاج الإبداعي الروحي هي الضوء الجمالي والإنساني في هذا الظلام المهيمن.
وعمانيا بجانب قراءاتي طبعاً للنتاجات الثقافية بمختلف تجلياتها التعبيرية أجد حضور المساهمة الإبداعية للجيل الجديد في السرد رواية وقصة وفي البحث والشعر، وإن تراجع هذا الأخير كمًا إلا أنه يبقى رافدا أساسيا، كما ألاحظ أيضا تقلص الحدود الصارمة بين حقول التعبير والمعرفة فنجد الشاعر روائيا وناقدا وكذلك الروائي والقاص وغيره.
ومما يلفت النظر المشاركة النسائية الخلاّقة في هذا السياق فهنالك أعمال من هذا القبيل ملفتة جدا عمانيا وأتمنى أن تأخذ نصيبها من التسويق عربيا. وأن تعطي هذه الأعمال الصورة المشرفة للثقافة العمانية التي تكابد بعض المشاكل المؤسسية والبيروقراطية التي أتمنى مع الوقت أن تتبدد تدريجيا، أو تتقلص إلى حدود لا تعيق التطور والطموح الثقافيين لدى الكاتب والفنان العماني.
أنا في الفترة الأخيرة مشغول بتتبع ترجمة علمين من أعلام الثقافة العمانية الكلاسيكية هما الشيخ والشاعر والفقيه (ابن النضر). فمنذ عمر مبكر كان هذا العالم والشاعر الجليل يشغلني نتاجه وطبيعة الحياة التي عاشها حيث مات شهيد المعرفة مقتولا على يد الطاغية (خردلة بن سماعة) الذي كان يحكم سمائل، والفاجع في الأمر أن هذا الجاهل أحرق جميع كتب (ابن النضر) ومكتبته فلم يصلنا من تأليفه إلا النزر اليسير وهو كتاب (الدعائم).
ومن الجدير بي أن أذكر هنا أن شعر هذا الشاعر أصيل وقوي وفيه ذلك البعد الصوفي حتى لكأنما يدخل إلى مناطق لم يلمحها غيره في الشعرية العمانية في تلك الفترات. أما الثاني، والذي أنا بصدد تتبعه أيضا فهو أبو محمد بن عبدالله الأزدي صاحب كتاب (الماء). فهذا العالم عاش شتاتا حياتيا مرعبا من أجل المعرفة والعلم. فمن عمان إلى العراق ومن العراق إلى بلاد فارس حيث تتلمذ على يد الفيلسوف (ابن سينا) ومن ثم إلى دمشق، والمغرب العربي. وإلى الأندلس حيث عاش في تلك البيئة المعرفية العظيمة في مدينة بلنسية حيث قضى نحبه هناك.. فهذه السيرة الحياتية والمعرفية تستحق البحث والوقوف والقراءة..

الكتابة تعيد ترتيب فوضى الحياة والقراءة تؤكد ذلك
محمود الرحبي


طبعا فعل القراءة، وخاصة بالنسبة للكاتب، هو جزء من حياة موازية، وكثيرا ما أشبهها بالحياة الافتراضية ( السكند لايف)، وأعتقد أن الكاتب سبق رجال الميديا في ذلك، وهو آخر الصيحات التي بدأت تشق طريقها الآن في المجتمع الغربي. ففي عالم القراءة لا نحتاج إلى تزويد (كابور) بأي مال، ليصحو مع تناول كل وجبة إفطار وقد ازداد رصيده إلى مليوني دولار وذلك برسالة (اس ام اس) مفرحة، يزوده بها مصرفه كل صباح.
هذا العالم الذي استعذب العيش فيه، كما يفعل الكتاب منذ زمن، وقبلهم القراء المثابرون، هو عالم اختياري بطبعه، وليس محلقا إلى فراغ وهمي (كما عليه عالم السكند لايف)، عالم تكتشفه الروح العطشى كل يوم، وهو مهرب واقعي، وليس ديناميكي، من الواقع الفوضوي، فإذا كانت الكتابة تعيد ترتيب فوضى الحياة، فإن قراءة ما كتب تأكيد على ذلك، فالحياة التي نعيشها تنشغل بالفوضى والتصادم الأهوج للأفكار والقيم، لذلك لا بد من عالم مواز لتنظيم هذا الشعور ولجعل الكائن منتظما والحياة محتملة. والكتاب كفيل بإيجاد هذا التوازن.
بالنسبة لي قراءة الرواية والسير الذاتية والرحلات، تحتل الصدارة في الاهتمام، وآخر ما قرأت السيرة الذاتية للأميرة سالمة بنت سعيد في طبعة منقحة صادرة عن دار الجمل.
وفي حقل الرواية انتهيت أخيرا من قراءة رواية (أطفال منتصف الليل) وهي رواية ضخمة في جزءين كبيرين للروائي الهندي سلمان رشدي، والتي أجلت قراءتها طويلا، والرواية جاءتني كهدية من صديقي الراحل حسن باقر عبدالرب، الذي عرف عنه اقتناؤه لمطبوعات نادرة، وذلك بسبب شغفه المتواصل بالسفر إلى أماكن مهمشة في العالم، أذكر أنه قضى قرابة الستة أشهر متواصلة في منطقة عشق أباد على الحدود الروسية، كما استطاع أن يبقى طويلا في بعض القرى الهندية المهمشة، وتوفي في مدينة أصيلة المغربية، وهي قرية ساحلية صغيرة. وكان آخر حديثه لي، والذي اعتبرته بمثابة وصية، طلب مني بأن أهتم بالكتاب،( والمعنى بأن أهتم به ولا أعيره لأحد حتى أراه ثانية لأرجعه له) كما أحسست بأن قراءتي له شكلت لي نوعا من الوفاء لتلك الذكرى.
ومما قرأت كذلك المجموعة القصصية (وأخيرا استيقظ الدب) لعبدالعزيز الفارسي، أعجبتني بعوالمها المدهشة، وانصهار الكاتب الحميمي بشخصياته، وتعامله معهم بحرص روحي وكأنهم جزء من مقتنياته الأثرية النادرة.
قرأت كذلك رواية ( العصفور الأول) للقاصة والروائية أزهار أحمد الصادرة عن دار الجمل، وللكاتبة كذلك نضال جميل فيما يتعلق بتنمية مهارات الأطفال المبدعيين، عبر سلسلة طويلة من الحلقات التدريبية الممنهجة، هذه الرواية تجر قارئها بخيط خفي متقن يتزاوج فيه الذهني والواقعي، إلى جانب احتوائها على جانب توثيقي هام وشيق من حياة الهند، يقربني هذا الكتاب من كتاب آخر انتهيت من قراءته مؤخرا، رواية تحمل عنوان (حياة باي) للروائي الكندي يان مارتن، الفائز بجائزة بوكر لعام 2002 وتدور أجواؤها في الهند، التي اقتطف منها المقطع التالي: (فإذا كان الإنسان، وهو الأجرأ والأذكى بين المخلوقات، لا يحبذ الانتقال من مكان يألفه إلى آخر يكون فيه غريبا، فلماذا قد يقدم الحيوان الذي هو أكثر تحفظا بكثير على ذلك؟ لأن الحيوانات كائنات متحفظة، بل ويمكن القول رجعية. وأقل التغيرات يمكن أن تسبب لها اضطرابا، وهي لا تطلب سوى أن تبقى الأمور على حالها، يوما بعد يوم، وشهرا بعد شهر. لا تحبذ المفاجآت، مثلما يتضح جليا في علاقتها بالمكان. فالحيوان يستوطن مساحة من الأرض، ويتحرك بالطريقة نفسها التي تتحرك فيها قطعة الشطرنج على الرقعة).

لا أحب إطالة الوقوف إلا وراء طاولة الكتابة أو بإيحاء منها
عبدالله حبيب

بدايةً علي القول انه بالنسبة لي كانت سنة 2009 سنة الإيذاء والجرح بامتياز شديد؛ فقد آذيت وجرحت نفسي، وآذيت وجرحت غيري، وآذاني وجرحني غيري. انعكس هذا – بالطبع – على كافة جوانب حياتي الصغيرة بما في ذلك القراءة، وإن كنت قد حافظت على مستوى ليس سيئاً جداً (من ناحية الكم على الأقل) فيما يخص الكتابة. هذه المفارقة (القراءة/ الكتابة) جعلتني أغيِّر قناعة قديمة لدي؛ فأصبحت القناعة الجديدة هي ان القراءة تحتاج إلى صفاء ذهني أكثر من الكتابة. الأشياء نسبية دوماً بالطبع، لكن هذا هو ما شعرت به في 2009. غير ان الوجه الآخر للعملة هو ان الإخفاق في تحقيق قَدْرٍ مُرْضٍ من القراءة (بالمعنى الحرفي) جعلني – من باب التعويض ربما -- أكثر قدرة على قراءة أشياء أخرى (بالمعنى الرمزي والمجازي)؛ فمحدِّثكم شخص ملول، وسريعُ وكثير الضجر، ولا يحب إطالة الوقوف أمام الأشياء إلا وراء طاولة الكتابة أو بإيحاء منها. هذا كلام ليس دقيقاً بالضبط في هذه العجالة؛ غير ان سنة 2009 علمتني أن أتوقف وأتأمل أكثر أمام تحولات الطبيعة. على سبيل المثال، أسهر حتى الصباح حين يتأتى الأمر منذ عهد بعيد نسبياً، لكني لم أكن "أقرأ"، مثلاً، التحولات الجمالية في لون السماء (وليس في ألوان كل ما هو تحت السماء كما كنت أفعل سابقاً) منذ قبيل الفجر إلى ما بعد شروق الشمس بقليل. في سنة 2009 تعلمت ذلك، وأصبت بالسحر والانبهار.
من ناحية ثانية، أعتقد انني ضد أَفْعُلِ التفضيل فيما يخص القراءات؛ فالقراءات كما الأنبذة: كل منها يصلح لوقت معين، ومزاج معين، وحالة معينة، واحتياج معين، وبوح معين، إلخ، كما أن المرء لا يستطيع إجراء تراتبيَّة بين مجموعة شعرية وكتاب في الاقتصاد السياسي مثلاً. بالنسبة لي ليس لدي شيء اسمه "أفضل" كتاب.
مع هذا سأسارع إلى القول ان "أفضل" كتاب عماني قرأته في 2009 هو المجموعة القصصية "إعدام الفراشة" لأحمد الزبيدي من دون أن يعني هذا التقليل من شأن المجموعات القصصية العمانية الأخرى. لكن مجموعة الزبيدي تمتاز بخصوصية جمالية، وتاريخية، وميثولوجية (الأخيرة بمعنى مزدوج: الاتكاء إلى الميثولوجيا الحِمْيَريَّة من جهة، وإيجاد السرد للميثولوجيا الخاصة به نفسه بنفسه وهو يتقدم في الذاكرتين الفرديَّة والجمعيَّة من جهة أخرى). مما يميز هذه المجموعة أيضاً اتصال، وتواصل، وتلاحم شخصيات الكاتب ورموزه التي عرفناها في أعمال منشورة سابقة (مجموعته القصصية الأولى "انتحار عبيد العماني" مثلاً) كَرَايَه وسلطان الخروصي. إن الكاتب هنا يتمرأى من جديد في وجوه شخصياته التي نحتها قبل نحو ثلاثين سنة؛ وهو بهذا إنما يكافح ضد الموت، ويا لَهُ من كفاح. أظن ان هذا نادر في القصة العمانية القصيرة.
عربياً، أعجبني (ولا أقول بالضرورة انه "أفضل" كتاب عربي قرأته في 2009) كتاب "نواظر الأيك في معرفة الـ [..." للإمام جلال الدين السيوطي حول الجنسانيَّة العربية القديمة بأشعارها، ووقائعها، ووصفاتها العجيبة الغريبة، وأساطيرها، واستيهاماتها، وهذياناتها، وأكاذيبها. لم يكن السيوطي كاتباً أيروسيَّاً بل إماماً ومؤلف كتب في الفقه، والأصول، والنحو، والحديث، والتفسير، والبلاغة، والأدب، والتاريخ، والتصوف من قبيل "الإتقان في علوم القرآن" و"الدُّرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" . لكن ألا يكفي اضطراري – لأسباب رقابية -- في نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة إلى حذف إحدى كلمات عنوان الكتاب الذي أُلِّفَ قبل حوالي نصف قرن وكان يبتاعه الناس رجالاً ونساء في الأسواق للإشارة إلى مدى التخلف الحضاري الذي وصلنا إليه نحن العرب؟. لقد كَتَبَ فرويد، في أية حال: " بدأت الحضارة تنهار عندما بدأ الإنسان في الخجل من غرائزه".
أجنبياً (ولا أقول "عالمياً" لأنني لا أدري بالضبط ما سبب إطلاق نعت "عالمي" المهيب الجليل على كل ما هو مكتوب "هناك". ألسنا نحن جزءاً من هذا "العالم" أيضاً، وبالتالي فإن ما نكتبه "عالمي" كذلك؟!) أعجبت كثيراً بالكتاب الفذّ الذي حرَّره مايك وين "فهم السينما: منظورات ماركسيَّة" لأنه – ضمن أسباب أخرى – يفتح أقاليم جديدة في أراضي "السينما الثالثة" عبر فهم متحرر ومُمَشْكَلٍ للماركسيَّة.
في حالةٍ "وسطى" (تقريباً) بين الحالات التي ذكرتها آنفاً ثَمَلْتُ في 2009 بالكتاب الرقيق "أغاني حُب من المملكة الجديدة" (والمقصود هنا المملكة الفرعونية الجديدة) الذي ترجمه من الهيروغلوفيَّة إلى الإنجليزية جون فوستر. إنني أتساءل هنا: إلى متى سنظل نقرأ التراث الإبداعي الفرعوني عبر ترجمات انجليزية وفرنسية وألمانية؟. ذات ليلة سألت مثقفاً مصرياً صديقاً: "كم جامعة لديكم تُدرِّس اللغتين الهيريَّة والهيروغليفيَّة؟"، فردَّ علي: "صباح الخيييييير!". صباح الخير يا سنة 2010. وإني أتوسل إليك أن تكوني أقل إيذاء وجرحاً، وأكثر قراءة من 2009.

رحلة المسيري.. وعقل حقيقي!
أحمد بن حسن المعيني

من الناحية القرائية كان عام 2009 متطرفًا في الفقر والغنى في الوقت نفسه؛ فقراءاتي «الحرّة» كانت للأسف محدودة جدًا، وذلك لأن هذا العام هو الأول لي في برنامج «الدكتوراة» والذي يتوجب عليّ خلاله أن ألتهم كل ما يتعلق بالبحث الذي أجريه، من كتب ومقالات وأوراق بحثية ورسائل ماجستير ودكتوراة. رغم ذلك أستطيع القول بأنني قرأتُ كتبًا جميلةً جدًا هذا العام، أختار هنا واحدًا منها أتحدث عنه، هو كتاب «رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر، سيرة غير ذاتية غير موضوعية» للمفكر الكبير الراحل (عبدالوهاب المسيري).
أعتبر هذا الكتاب الأفضل من كلّ قراءاتي لعام 2009 بلا منافس، وذلك لعدة أسباب منها أنه أحد الكتب التي أثّرت كثيرًا في طريقة تفكيري ونظرتي إلى الأمور، وأنني خرجتُ منه بأسئلة فكرية ما زالت تشاغلني إلى الآن. واخترته هنا لأنه إضافة فريدة جدًا للقوالب الكتابية في الثقافة العربية؛ فكتابه هذا ليس رحلة حياة وإنما رحلة فكر. ورغم أن الكتاب ضخم (720 صفحة من القطع الكبير) إلا أنك لا تشعر بالملل أو التعب في قراءته. ومثلما يحدث في رواية تشارلز ديكنز «أنشودة عيد الميلاد» تشعر عندما تقرأ الكتاب بأن كل فصل عبارة عن شبحٍ أو روحٍ تأخذك إلى جانبٍ من ماضي المسيري الفكري، وتعرضه عليك كفيلم سينمائي تراقب فيه الأشخاص والأحداث والتفاصيل التي أدت إلى فكرةٍ أو موقفٍ ما لدى المسيري. ولا شكّ أن الفيلم «دسم» جدًا، فهذا الرجل قد تنقل بين مدارس فكرية مختلفة متضاربة، من المادية الماركسية إلى الإنسانية، بدءًا من نشأته في دمنهور والاسكندرية (البذور)، ثم دراسته في الولايات المتحدة وعودته إلى مصر (الجذور)، ثم توصله إلى النماذج التحليلية التي استخدمها في التحليل والتعبير عن أفكاره (الثمر). من أكثر ما شدّني في هذه الرحلة الالتقاطات الذكية والمقارنات الدقيقة بين نمط الحياة التقليدي والنمط المعاصر، وبين المادية والإنسانية، إضافة إلى مفهوم النموذج التحليلي كأداة تساعد في دقة الملاحظة وتنظيم الأفكار وتحليلها منطقيا والربط بين العناصر المختلفة للظواهر الاجتماعية والإنسانية. وكم كان رائعًا وملهمًا سردُ المسيري لمشواره في الكتابة والإنتاج. هو كتابٌ مهم أنصح به بشدة، لا لمن يريد أن يفكر فقط، بل لمن يريد أن يعبر عن فكره في إنتاج حقيقي.

المفاضلة بين ما نقرأ أمر لا يتجه نحو الموضوعية
خميس بن راشد العدوي


الحديث عن أفضل ما قرأ في عام 2009 بقول: يبدو لي أن المفاضلة بين المواد التي يقرأها الإنسان أمر لا يتجه نحو الموضوعية في أحسن صورها، وخاصة إن كانت المواد تختلف عن سياقات بعضها البعض، فلكل كاتب قضيته التي يطرحها، وبما أن كاتباً جذبك إلى القراءة له فقد حاز فضيلة عليك أن تعترف له بها.
ولو كانت المفاضلة جائزة ومقدورة لتحتم عليّ أن أفاضل بين 360 يوماً من العام لم أستطع أن أنفك فيها عن القراءة، حيث لا يبارح الكتاب يدي إلا إذا أفلتته ضرورات الحياة، وأفضل فضائل القراءة هي عيشي مع كتاب الله، فلا يكاد يمر يوم لا يحدث في ذهني دلالة جديدة ووعياً بحقيقة وجودي.
ومع ذلك لا أزعم أن كتباً مما قرأت لم ترب على بعضها البعض، لا من حيث التفاضل، وإنما من جهة إضافتها المعرفية لي.
يأتي في مقدمتها (سَفَر المنظومات) لـ عبدلله المعمري، فمنذ صدوره في معرض مسقط للكتاب أول هذا العام وهو يلازمني طويلاً، حتى في بعض أسفاري، تكمن أهمية هذا الكتاب بالنسبة لي أنه اشتغل على سِفْر عماني شد انتباهي منذ الصغر وهو (الجوهر المقتصر) لـ أبي بكر الكندي الفيلسوف والمتكلم العماني، كما أنه أضاف جديداً إلى منظومتي الفكرية، والأهم من ذلك أنه عرّفني على كاتب عماني مميّز لم أكن أعرفه من قبل.
ومن الكتب التي استوقفتني هذا العام ملياً مخطوط (الإخلاص بنور العلم والخلاص من الظلم) لـ ناصر بن أبي نبهان الخروصي، وهو كتاب يبحث في الفلسفة العرفانية، وتتميز إضافته في المحاولة العميقة على عقلنة العرفان، وقد عكفتُ على قراءة هذا المخطوط طيلة شهر رمضان الماضي.مما قرأتُ أيضاً، كتاب (النظرية السياسية) وهو الجزء الثاني من سلسلة (السلطة في الإسلام) لـ عبدالجواد ياسين، وقد شدني هذا الكتاب بقوة حتى أنني لم أترك قراءته إلا لأداء صلاة الفجر، فاستغرقني ليلة كاملة وشطر النهار، وأهميته أنه كتاب صادم معرفياً للعقل السياسي السلفي بمدارسه الإسلامية المختلفة، صادم بما قد يؤدي إلى قراءة جديدة للتراث الإسلامي السياسي.
كتاب لطيف ومهم استمتعت بقراءته هذا العام هو (عجائب الهند) لـ بزرك بن شهريار، ولهذا الكتاب عندي قصة جميلة، حيث كنت أتابع عنه برنامجاً في الإذاعة العمانية يقدمه الكاتب والمذيع إبراهيم اليحمدي، وكان تقديمه رائعاً، بحيث كنت أقول في نفسي: يا أستاذ إبراهيم سامحك الله، علّقت قلوبنا بكتاب لا تصل إليه أيدينا لنمتع به عقولنا. فهو كتاب لا يكاد تجده في المكتبة العمانية، وفي شهر أكتوبر المنصرم وبينما كنت في القاهرة، مررت على مسرح الكتب الدائم في سوق الأزبكية، وبينما أبحث عن كتب في تحليل القصص الشعبي وقعت على هذا الكتاب، فأخذته، ولم أغادر القاهرة نهاية الأسبوع إلا وقد انتهيت من قراءته، فقلت حينها: شكراً لك إبراهيم فقد كانت لك فضيلة لفت انتباهي نحو هذا الكتاب المهم.
بجمال بياني لذيذ قرأت لـ محمد الحضرمي مجموعته الشعرية (في السهل يشدو اليمام) ففجّرت في نفسي الكثير من الاستبطان الدلالي الذي لم يفرغ من ذاكرتي إلا بعد أن عشتُ مع المجموعة وأنشأت حولها قراءة ألقيتها في مايو الماضي بالنادي الثقافي.
المجموعة القصصية لـ هدى الجهورية (ليس بالضبط كما أريد)، أتاحت لي متابعة خط القصة العمانية، لغتها، أسلوبها، ثيمتها، ومناطات التفكير لدى الأديب العماني، من عادتي في قراءة القصص أنني أقرأ أكثر مما أفكر، أما في هذه المجموعة فكنتُ أفكر أكثر مما أقرأ.
(مساءلات سينمائية) لـ عبدلله حبيب، رغم أنني أتابع الإنتاج السينمائي منذ صغري إلا أن الكتاب أضاف لي أبعاداً فلسفية في الربط بين المنتِج والمنتَج، وهنا أقصد المخرج والفيلم، كان الكتاب دسماً بمعلوماته وسبره الوعي واللاوعي في العمل السينمائي بدرجة تفوق أحياناً قدرتي على الربط بينها من أول وهلة، فأعيد القراءة مثنى وثلاث.
أما هذه الأيام فأقرأ (نقد العقل العملي) لـ عمانويل كنط، وهو كتاب قد يدفع بي إلى مراجعة جديدة للحدود الفاصلة بين العقل المحض والعقل العملي وقيمهما الأخلاقية، على مستوى الفرد والجماعة.

لم يكن سيئا ولم يكن استثنائيا في الحقيقة
سعيد الحاتمي


القراءة لم تكن يوما ما عملا يمكن التخطيط له، وفي نفس الوقت لم تكن بالأمر الذي يمكن إهماله أو عدم الانتباه إلى وتيرته إن تناقصت.
الأمر المميز الذي أحدثته هذا العام وذو علاقة بالقراءة أنني استطعت بطريقة ما أن أغوي أحد الأصدقاء أن يصبح قارئا. كانت البداية ببعض الروايات التي كنت أعتقد أنها مناسبة لقارئ مبتدئ، ولاحظت أنه بعد كل أسبوع من أخذه مجموعة من الكتب يعيد كل ما أخذ إليّ، لم أصدق في البداية أنه كان يقرأ كل ما أعطيه، وفي كل مرة كانت الكمية أكبر من سابقتها..بعد أربعة أشهر كدت أن أصعق حين اكتشفت أنه أنهى قراءة كل ما لدي من روايات جمعتها في أكثر من خمس سنوات..الرقم يتعدى 50 رواية.. ما اقتنيته في سنتين اقتنى ضعفه من معرض مسقط للكتاب في آخر دوراته.. عام واحد كان كافيا أن يصبح لدى أحمد الجساسي - بالإضافة إلى شغفه غير الاعتيادي بالقراءة – فكرة معمقة عن أغلب الروائيين في العالم وأساليبهم السردية وأفضل أعمالهم..كنت سعيدا بهذا الأمر بالإضافة إلى كوني المستفيد الأكبر.. حيث لم أعد أخشى أن يأتي يوما ولا أجد ما يمكن قراءته.. أصبح لدي ممول مهم بالكتب.
الشهر الماضي جلس يقنعني بقراءة العمل الضخم للكاتب الروسي مكسيم غوركي (الأم).. في الحقيقة كان حجم الرواية هو ما كان يجعلني أصرف النظر عن قراءتها كل هذه السنوات..ناولني إياها وقال: اقرأها ولن تندم.. ستكتشف كم كنت مغفلا حين كنت تهرب منها.
ما حدث أنني قرأتها في أقل من شهر وأنا الذي أعرفني بطيئا في القراءة.. كنت أقرأ هذه الرواية بشكل مختلف.. ليس للأمر علاقة بالتحضير النفسي المسبق الذي كان على يد صديقي الذي أعارني الكتاب. بل كنت أشعر أن ثمة حبل قوي يجعلني مشدودا إليها.. إن كان هناك من كتاب مفضل قرأته هذا العام فسيكون رواية الأم لمكسيم غوركي. كانت تتنقل معي من مكان إلى آخر.. في السيارة وفي مكان العمل وفي كل ركن من المنزل.. كانت الأم بيلافيا شخصية ذات حضور طاغ ليس بين شخوص الرواية فحسب..بل حتى عليّ كقارئ.. يؤرخ غوركي في الرواية للعوامل المتنوعة التي ساعدت الروس في الخروج على الملكية، وبداية ظهور النبتة الاشتراكية.. الثبات على المبادئ والاستعداد المطلق للتضحية ومواصلة الكفاح هو ما كان يقود بافل وأمه وبقية المجموعة ويقود معه خيوط الحكاية حتى آخرها..
العمل السردي الآخر الذي أدهشني كان (بابا سارتر) للعراقي علي بدر.. قرأته قبل منتصف العام بعد نهاية معرض مسقط للكتاب تحديدا.. أمامي الآن عمله الآخر (صخب ونساء وكاتب مغمور).. هناك عمل آخر أنجزه علي بدر هذا العام وهو (ملوك الرمال) سيكون هدفي الأول في المعرض القادم.. أتوقع أن يصبح هذا الروائي كاتبي المفضل في الفترة القادمة..
عموما سيلفظ 2009 غدا آخر أيامه.. وكنت أتمنى لو كان هذا العام استثنائيا فيما يتعلق بالقراءة.. لكن ما يجلب العزاء أنه لم يكن سيئا بالقدر الذي يمكن أن يشعرني بالتراجع.

الأسئلة الساذجة وحدها هي الأسئلة الهامة فعلاً
سليمان المعمري

تعرفتُ على «خفة الكائن التي لا تحتمل» - حسب المترجم عفيف دمشقية - أو «كائن لا تحتمل خفته» - حسب ترجمة ماري طوق - منذ فترة طويلة لم أعد أذكرها، ولكنها لا تقل عن عشر سنوات.. أذكر أنني كنتُ أيامها أبحث بشغف عن الروائيين العالميين لألتهم رواياتهم وأغيب في حكاياتها المدهشة ولغتها الساحرة.. في ذلك الوقت لم استطع أن أمضي في هذه الرواية لأكثر من ربعها.. وعيي بالفن الروائي آنذاك لم يكن يؤهلني لأستوعب تأملات كونديرا عن فكرة «العود الأبدي» لنيتشه وأنا الباحث عن حكاية مدهشة أو لغة آسرة.. ولم تكن لتشدني عبارات من قبيل: «الحب يبدأ في اللحظة التي تسجل فيها امرأة دخولها في ذاكرتنا الشعرية من خلال عبارة»، أو «أن نحب أحداً شفقة به فهذا يعني أننا لا نحبه حقاً».. أو أن إقفالنا القبر بحجر «فهذا لأننا لا نرغب في رجوع الميت. الحجر الثقيل يقول له: «ابق حيث أنت»! .. هذه التأملات التي نفّرتني من هذه الرواية في ذلك الوقت هي ذاتها التي جعلتني أعتبرها أفضل كتاب أقرأه هذه السنة، بعد أكثر من عشر سنوات من القراءة الأولى التي لم تكتمل، وهي سنوات كافية لتغيير الكثير في وعي وقناعات أي منا.. أحببت هذه الرواية لأنها تحرضني - كما كل أعمال كونديرا الأخرى - على التأمل والسؤال، وكم تخيلتُ نفسي أحدق في المرآة كتيريزا - بطلة الرواية - وأتساءل: ما الذي سيحدث لو أنَّ أنفي امتدّ كلَّ يوم ملليمتراً واحداً؟، وبعد كم من الزمن سيصير وجهي غير معروف؟، وإذا لمْ يعد وجهي يشبهني فهل أظل أنا أنا؟ .. حرضني كونديرا على أن أطرح مثل هذه الأسئلة وألا أستنكف السؤال عن أي شيء مهما بدا السؤال ساذجا، بل إنه يؤكد في هذه الرواية أن «الأسئلة الساذجة وحدها هي الأسئلة المهمة فعلاً. تلك الأسئلة التي تبقى دون جواب، إن سؤالاً دون جواب حاجز لا طرقات بعده. وبطريقة أخرى: الأسئلة التي تبقى دون جواب هي التي تشير إلى حدود الإمكانات الإنسانية، وهي التي ترسم وجودنا» . خلال هذه الرواية لم أكن أبحث عن حكاية وأحداث بقدر ما كنتُ منذهلا من قدرة كونديرا على تحليل نفسيات أبطال رواياته من خلال بعض الكلمات البسيطة.. فتيريزا يمكن أن نفهم شخصيتها من خلال كلمات: «النفس» و«الضعف»، و«الدُوار» الذي يؤكد كونديرا أنه شيء مختلف عن الخوف من السقوط. «إنه صوت الفراغ ينادينا من الأسفل فيجذبنا ويفتننا. إنه الرغبة في السقوط التي نقاومها فيما بعد وقد أصابنا الذعر» ، أما توماس فيمكن التوصل إلى مفاتيح شخصيته من خلال كلمتَيْ «الخفة» و«الجاذبية».. إضافة إلى فرانز وسابينا اللذين يمكن فهم شخصيتيهما من خلال كلمات «المرأة»، و«الإخلاص»، و«الخيانة»، و«الموسيقى» وغيرها من الكلمات، وهذا الفهم لا يتأتى بالطبع من خلال مجرد عبارات يتفوه بها هؤلاء الأبطال أو الراوي بل من خلال أفعال ومواقف يقومون بها بشكل يبدو طبيعيا وتلقائيا.

• سلالم صوب الولع:

هناك مقولة يطيب لي أن أرددها الآن مادام الحديث عن الكتب الجميلة وهي أن أجمل الكتب هي تلك التي لم تصدر بعد.. وأنا هنا لا أتحاذق ولا أنوّع على عبارة ناظم حكمت الشهيرة، بل أعني حرفيا إن كتابين من الكتب التي أعتبرها من أجمل ما قراتُ في عام 2009 لم يصدرا بعد، أولهما «سلالم صوب الولع» لصالح العامري، الكتاب الذي جمع فيه تأملاته ونصوصه ومقالاته التي نشرها متفرقة في الصحافة المحلية.. يُقسم العامري كتابه إلى سبعة أقسام ( تماما كما أن للسلم الموسيقي سبع درجات) هي على التوالي: «سلالم صوب الولع» – القسم الذي استأثر بعنوان الكتاب-، و«ألعاب وطفولات»، و«أشواق العاري»، و«مرمى الطائر الغريب»، و«البلدة البعيدة» و«قصاصات الطريق»، و«هواء الذين أحب»، ولكأنها سبعة كتب في كتاب واحد، يضمنها صالح تأملاته في كل شيء تقريبا: الشعر، والحب، وهواء السلالم، والفقد، والوردة، والجنون، والمطر، والمرايا، إضافة إلى يومياته وأسفاره وذكريات طفولته في قريته البعيدة، وقراءاته للأعمال الأدبية والتشكيلية.. في هذا الكتاب يعلمنا شاعرٌ وطنُه اللغة «الذهاب إلى الشعر بسلم مراوغ»، حيث الغريب تكفيه روح برتقالة أو كرزة ليتحصن من الاندحار في الهواء.. يدعوك أن تبدأ يومك «بحركة صغيرة من لسانك في المرآة قبل خروجك الأخير، بتدليعة مرحة وناقمة، ينهض يومك كله بسخرية حلوة، لينتظرك البحر أمام الباب».. كتاب لا تمل قراءته، وطوبى لكتاب لا يضيرك أن تبدأه من أوله أو آخره أو وسطه.

• الأحمر والأصفر:

أما الكتاب الثاني فهو رواية «الأحمر والأصفر» لحسين العبري، هذه الرواية التي يواصل فيها حسين العبري مشروعه الروائي الذي ينضج بمنحنى تصاعدي روايةً بعد أخرى.. هذا المشروع القائم على رصد التحولات الاجتماعية في عُمان وربطها بالتغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية بشكل فني جذاب.. في هذه الرواية يقدم لنا العبري وجهاً آخر لمدينة مسقط، لم نعتد رؤيته كثيرا في الكتابات السردية العُمانية.. وجه المدينة التي تصهر كل من يدخلها - ولو زائراً فقط لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر - في بوتقتها وتفرض عليه شروطها الجمالية والأخلاقية، وذلك من خلال حكاية فتى قروي مراهق شديد الذكاء وتحولاته النفسية بدءاً بصداقته لطالب مصري وهو في مدرسة القرية ثم اضطراره لمفارقته بسبب انتقال هذا الأخير إلى مدرسة أخرى بعيدة، ومروراً بانتقال هذا الفتى العماني إلى مسقط لقضاء الإجازة الصيفية مع أخيه الأكبر الذي يعمل في العاصمة، وهنا يستغل العبري مجال تفوقه كروائي والذي ظهر في أعماله السابقة كـ«الوخز» و«المعلقة الأخيرة»، ألا وهو خبرته في التحليل النفسي ليشرّح المجتمع العُماني المعاصر وعاداته وتقاليده والتغيرات التي طرأت عليه من خلال ما يجري لهذا الفتى من أحداث.. باختصار هي رواية جميلة وفاتنة، وتستحق القراءة بامتياز.

• وأخيرا استيقظ الدب:

من الكتب التي أعجبتني هذه السنة أيضا كتاب «وأخيراً استيقظ الدب» لعبدالعزيز الفارسي، ببساطة لأن الفارسي استطاع بهذا الكتاب أن يثبت أن القصة القصيرة يمكن أن تكون شعبية وفي متناول جميع القراء، وليس فقط لنخبة بعينها. أُعجبتُ بهذا الكتاب لأنه حقق المعادلة التي لم يُفلح في تحقيقها كثيرون من كتاب القصة في عُمان وهي: البساطة والعمق.

أنا أقرأ .. إذن أنا موجود
فاطمة الشيدية

القراءة هي اللحظة التي أنهي فيها متعالقات الواقع والداخل، وأنحاز إلى عالم أكثر خفة وأكثر يقظة، عالم أجدني فيه روحا مولعة بالتمرئي في مرايا شفافة، ولامعة، وبراقة، أصلح فيها ما اعوج من حواسي، وأجمع فيها ما تناثر من وهجي في سأم الآخر، وبرودة الواقع، وأعيد التيقظ للحواس التي تغيب بفعل الركون والسكون، وأتحرر من ربقة القيد الإنساني المتعدد التسميات.
أحيانا أشعر أنني أحيى في مكتبة ما هي العالم الحقيقي، خارج عوالم القبح والشر والخراب، وأن ما دونها هامش ضيق، مكتبة قسمتها على عالمين أحيى فيهما، يتناوبان الأهمية وطول السكنى، والمكوث فيهما، حيث يصبح أحدهما فجأة أكثر امتدادا في الزمن، وأكثر حضورا في الحياة، لذا لابد من الكتب الأكثر إلحاحا وحضورا أن تصاحبني كظل أحدب ظريف يتقوس على ظله، في هذه المكتبة/الحياة أحيى، كتب على السرير، وكتب في الرف، وكتب في المكتب، وكتب في حقيبة اليد، والاختيار تحدده فكرة شيطانية تقفز كالجن.
هذا العام كان عاما جيدا للقراءة، قراءات متنوعة، ومتداخلة كنحلة مهووسة بالرحيق، الرحيق فقط! ، لذا كان فجأة يخطر ببالي أن أمشط طرقات الماضي برغبة في الوقوف على رائحة عصور خلت، فكنت أقف في سوق الوراقين بدمشق أو ببغداد، أو قرطبة، أسأل عن البيان والتبيين للجاحظ، (أفرفر صفحاته التي قرأتها كثيرا فيما مضى)، بسرعة بحثا عن معلومة ما تقفز كجني في مخيلتي حول فكرة ما، وقد أتجاهلها تماما، وأنا أغيب في صفحات أخرى، ثم أذهب لطوق الحمامة لابن حزم، وأتأمل وصفه لعشاق زمانه، لأعترف أنه لم يغرني مؤخرا كثيرا-كما حدث من زمن أولي كان يمر بلا حاسة النقد- أشعر أنه يتصنع الحكاية والخبر، ويظلم المرأة في أحكامه، ويسرد لنا حكايات الجاريات وكأنهن وحدهن من يحببن،صرخت في وجهه (مالك والعشق والعشاق أيها الفقيه؟)، ثم أقفز إلى كليلة ودمنة حيث بيدبا صديقي الحكيم يحكي لدبشليم الملك، هذا الكتاب يغريني بالمراجعة بين فينة وأخرى، وأتمتم بيني وبيني (يبدو أن علينا في هذا العصر(الضوئي المنفتح) أن ننتهج حكمتك أيها الحكيم لننجو، ونكتب عن الضفدع والحمار، بل حتى الكتابة عن الحمار أصبحت مشكلة!!)
وكثيرا ما كنت أعرج إلى عالم النقد والفلسفة وأنا أكثر هدوءا وروية، وأتخيل نظرات الفلاسفة والنقاد من خلف نظاراتهم السميكة، ووجوههم المتجهمة، فاتجه لباشلار مباشرة وأحمل كتاب «شاعرية أحلام اليقظة»، و«الماء والحلام: دراسة عن الخيال والمادة» أقرأ منها بعض الأجزاء وتبقى قريبة كقلب تعرف أنه موجود حتى لو تقترب منه لزمن، ثم أذهب لنيتشه المجنون الأحب، وأنا المتعلقة بجنونه بجنون؛ أقرأ في «ما وراء الخير والشر» و«هذا هو الإنسان» ، و«العالم الجذل» فأقرأ منها ما أقرأ ولا أرتوي، وأتذكر ما قرأته يوما في كتابة ما لعبدالله حبيب عن الترجمة البائسة أو المغلوطة لنيتشه في العربية، أحزن قليلا أنني غير قادرة على قراءته بلغته، ثم أقنع بما أقرأ وأقول هذا يكفي لمجذّفة لا تحلم بالإبحار لأوغل من الجرح كأني أحمل في اليد الأخرى «العقل واللغة والمجتمع لجون سيرل»، هذا الكتاب ممتع حتى حد عدم الارتواء منه، رغم لغته الصارمة، ثم أقرأ كتاب الموت في الفكر الغربي لجاك شوورون، أتذكر كيف اشتريت أنا وصديقتي منذ خمس سنوات تقريبا هذا الكتاب لنناقشه بعد أن ننهيه، لم نفعل بل افترقت الخطوات، كما تاهت فكرة مناقشة الموت التي زادت رسوخا في الأعمق مني حتى العظم واللغة، وتبخرت من تاريخها باحتضان الحياة، قرأت في الجرجاني وابن خفاجة، أقرأ فلا أشبع تماما، تبهرني كتب البلاغة والأسلوبية في كل الثقافات، كما قرأت كتبا لعبدالله الغذامي متعددة ، ولمحمد العباس، لأنني أحب ما ينتج هذان الناقدان ولديّ معظم كتبهما.
ثم حين كانت تتصاعد حرقة الدماء، ويعتمر القلب غمامة سوداء، أترك الفلسفة والنقد لأهادن الروح قليلا فأقرأ في كتب صناعة الذات والحياتيات، «انس مشكلتك»، و«سلسلة أسرار الشخصية وبناء الذات»، و«معالجة نقص التركيز والاكتئاب» وغيرها سلاسل كثيرة اقتنيتها على فترات متباعدة، وتستطيع من خلالها أن توهم نفسك بالقليل من الحياة والتنظيم الداخلي والثبات والتوازن، تماما كما الشعر الذي قرأت كثيرا هذا العام، حيث قرأت معظم ما كتب أو وقع تحت يدي لسركون بولص، ولسعدية مفرح، وسوزان عليوان، ونبيلة الزبير، ودخيل الحليفة، وظبية خميس، وميسون صقر، وقاسم حداد.
قرأت أيضا كتبا وصلتني بالبريد كإهداءات، وتصفحتها وأجلتها في ما مضى، أهمها ثلاثية سيرة افتراضية لحامد بن عقيل، ومجموعات شعرية لفاطمة ناعوت، ولوليد علاء الدين، ولسعد الياسري، وخلف الخلف، ورواية «المنبوذ» لعبدالله زايد. عادة هذه الكتب أقرأها بمجرد ما تصل كم أشعر معها بالامتنان، تماما كالكتب التي أهدانيها أصدقاء في بلادهم إذ زرتها؛ الجزائر الأردن والكويت والبحرين، وكلما تذكرت البلد هرعت لهذه الكتب، كي أصافح أرواحهم.
في العام الفائت جلست جلسة طويلة، مقرفصة ومحبة على أرصفة الوطن لأقرأ كل ما وقع في يدي من أعمال سردا وشعرا ونصا ونقدا، والتي معظمها كانت بتواقيع وإهداءات من أشقاء المكان واللغة، قرأت لسيف الرحبي من «نشيد الأعمى» حتى «السحرة ينادون بعضهم بأسماء مستعارة»، و«حياة على عجل»، ولسماء عيسى من «عابدات الفرفارة» حتى «غيوم» و«أبواب أغلقتها الريح» ولعبدالله حبيب من «قشة البحر» ، حتى «مساءلات سينمائية» و»تشظيات اشكال ومضامين»، وأزهار أحمد من «ممثلها» حتى «عصفورها»، و«رفرفة» و«غبار» بشرى خلفان، و«المرأة الواقفة تجلس» لزوينة خلفان، ومنامات لجوخة الحارثي، قرأت زهران القاسمي من «وعله» حتى «غناءه المشاء»، وبدرية الوهيبي في «سقوطها الجميل» وهدى الجهوري من «نميمتها المالحة» حتى «كل شيء لايبدو كما تريد»، وريم اللواتي في «بلاهتها» و«ذهولها الكوميدي»، وأكثر من كل هؤلاء، وكأنني كنت أثأر لسنوات عجاف من اللا قراءة للمشهد المتصل بالقلب!!
قرأت نصوصا ومقالات رقمية على النت، في «كيكا» و»جهة الشعر» وفي مدونات الأصدقاء، ومن خلال رسالة تصل لبريدي الالكتروني لتكون بوصلة لنص أو مقال رائع، لا يمكنني تجاهل هذه القراءات تحديدا، فهذه تشكل جزءا هاما من قراءاتي اليومية والتي أحرص عليها كي أكون ضمن الخارطة الكونية المتسعة.
ومع هذا فكانت كل هذه القراءات في زاوية وقراءة الروايات في زاوية أخرى، فلابد من الرواية وإن ضاق الوقت؛ كتنويع على مقولة أخرى عن صنعاء، الرواية صديقتي الأقرب ومتعتي الأحب، ولابد من رواية ترافق الزمن كرسغ اليد، قرأت روايات قديمة لدي وأخرى جديدة اشتريتها مؤخرا، وبعضها أهدي إليّ، «النعنع البري» الرواية التي لا أمل منها وأقرأها كل عام مرة، وأعدت قراءة «زوربا»، وقرأت «النفق» لأرنسو سابتو، و«نارة» لسميحة خريس ، و«طفل الرمال» للطاهر بن جلون، و«صوفيا» لمحمد حسن علوان، و«ثلج» لأورهان باموك، و«صورة عتيقة» لإيزابيل الليندي، والكثير من واسيني الأعرج الذي تواسيني لغته و.....الخ، قرأت الكثير من الروايات ولا يزال البعض منها يجلس على الرف معاتبا، والبعض يستحلفني إعادة قراءته، ويعرف أني أعترف بالتقصير، وأنني في غاية الشوق لعناقه، ولا شك أنني سأفعل ما أتاح لي العمر، لأنني أبحث عن حيوات أخرى، وليست هذه الحياة إلا في الكتب وفي الكتب فقط، ومع هذا فكثيرا ما يقف المزاج، وتقلبات الكائن، حائلا دون الكثير من الأمنيات، كما أن الوقت والعمر المحدود لن يسعف إلا بالقليل من الأحلام في كل شيء حتى في القراءة!!

الحب في المنفى جوع تغريدة البجعة
عبدالعزيز الفارسي


كان هذا عام قراءة الروايات بالنسبة لي، فقد طغت القراءات الروائية على كل شيء عندي في هذه السنة رغم النيّة التي بيّتها في بداية السنة بالقراءة المتزنة في شتى فروع الفكر والأدب..لكن للرواية طعم خاص يأسر الروح ويقودها إلى العوالم البهيجة. وما سأرشّحه هنا من أعمال روائية إنما أرشّحها بقلبي الذي استشعر لذتها وبقت هذه اللذة مشتعلة من لحظة الفراغ من قراءة تلك الأعمال – في أوقات متفاوتة جدا- حتى هذه اللحظة.
إنني أود أن أسطر إعجابي الشديد بالرواية الرائعة لمحمد البساطي المسماة « جوع»، التي ترشّحت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية في العام الماضي..وكم تمنّيت حقاً لو فازت هذه الرواية لأنها في رأيي أفضل بكثير من رواية «عزازيل» التي يغلب عليها التكلّف والصنعة والرغبة في التأريخ، والتي أثقلتها وجعلتها مملة بالنسبة لي. أما «جوع» محمد البساطي فهي مدرسة في البساطة... البساطة في السرد والبناء، البساطة في الابتعاد عن العقدة المحورية للنص الروائي، والبساطة في رغبتها تصوير الواقع لا أكثر بعيداً عن الأهداف الاجتماعية أو الإصلاحية..إنها رواية بطلها الجوع تصّور عائلة ريفية هدفها الأغلى في الحياة أن تسد جوعها..هذا الجوع لم يمنعها من التقاطع مع شخصيات خارجية وأسر أخرى..وفي هذا التقاطع مشاهد رائعة تحلل كل علل المجتمع وتهاوي قيمه القديمة بصورة محايدة جداً لم يحمّلها البساطي فوق طاقتها. الجميل في الرواية هذا الطرح الذي يجعل الجوع شيئاً معتاداً يأتي بتلقائية ودون افتعال. إني أنصح كل قارئ أن يحتفظ بنسخة خاصة له من هذه الرواية صغيرة الحجم، عظيمة الفائدة على المستوى الإنساني. وأن يقرأها كلما أراد أخذ جرعة من البساطة العميقة المفعول.
ومن الروايات الجميلة التي قرأتها أيضاً رائعة بهاء طائر.. رواية « الحب في المنفى «أعترف أني تأخرت كثيراً في قراءة هذه الرواية، لكن الأشياء الجميلة تستلزم في بعض الأحيان عمراً بأكمله لنكتشفها. إن سرد بهاء طاهر خلاّب دائماً، ولا يجد أي صعوبة في إدخال القارىء إلى جو الرواية من الصفحات الأولى.. وهذه الرواية البديعة التي ترصد تهاوي الأحلام، والخيبات الفردية والجماعية بنقد ذاتي صارم، وسخرية مريرة، وتسقط بظلالها على الساحة العربية، تفنّنت في رسم شخصية البطل الناصري الذي توافق النفي المقنّع مع رغباته هرباً من فشله على الصعيد العائلي والسياسي. أجمل ما يميز بهاء طاهر قدرته المتجددة على رسم الحب.. فأنا تمنيت مراراً أن أكون أحد أبطال روايته لأكون صاحب مشاعر الحب التي يرسمها بهاء طاهر باختلاف وتجدد في أعماله.. إنه شعور الامتلاء بالحب حين تقرأ ما يأخذ بتلابيب قلبك ويجعلك تتبعه دون خوف. الغريب في الرواية أنّها نبّهتني إلى نفس المشاعر العاجزة أمام العدوان الغاشم..فهذه الرواية التي تدور أحداثها في عام 1982 م، جعلت محوراً لأهم أحداثها غزو اسرائيل للبنان، ومذابح صابرا وشاتيلا..وحين كنت أقرأ وصف بهاء طاهر للتقارير الصحفية حول جرائم الحرب التي لم تكن معلنة آن ذاك – حسب الزمن الروائي – وجدتني أشاهد ما حدث لغزة بعد أكثر من عقد على صدور رواية بهاء طاهر..نفس الوحشية التي لم تعلّمنا شيئاً ينعكس على تعاملنا مع القضايا الكبيرة.. ونفس العجز الذي لم نفارقه لحظة. إني أحب في روايات بهاء طاهر هذا المنهج الفسيفسائي الذي ينهل من كل حقول المعرفة والحياة ثم يصوغ لوحة بديعة تتقاطع فيها كل تلك المعارف والأفكار حتى لتشعر أنه لا يمكن أبدا فصل هذه الرؤى عن بعضها . أعترف أني لم أقرأ لمكّاوي سعيد شيئاً قبل « تغريدة البجعة «..لكن هذا العمل الذي ترشّح أيضاً للقائمة القصيرة لجائزة البوكر في الدورة الأولى عمل بديع جداً ويستحق الإشادة. إنها رواية التحوّلات.. تتخذ من وسط القاهرة مجتمعها الروائي .. ولهذا المجتمع ميزة صهر الجميع في نفس البوتقة، وفي الداخل نجد أن لكل بطل سماته الخاصة التي تبرر انتقاله من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. إن أجمل ما في الرواية هي تلك السخرية التي تناول بها مكّاوي الكثير من المشاهد..سخرية لاذعة، ولكنها معقودة الحاجبين، تنظر إلى الواقع بجديّة، وترصد كل التحولات الخطيرة التي مرّت بها. يطل الحلم والواقع على كل شخصية كصنوين، ويتمزجان حينا فيبدأ التيه داخل الروح والوطن ولا شيء أكثر . إن الهم الأكبر في الرواية هو البحث عن الوطن أو ما تبقى منه.. وكل الرحلة بدءأ من اللامبالاة، مرورا بفورة الشباب وثوراتهم، ونضال العمل، ثم اللامبالاة مرة أخرى ما هي إلا نوبات تغريد لبجعة تائهة في المحيط ولا تدري كيف الوصول إلى وطنها من جديد. إنها حقاً رواية جميلة تستحق القراءة .

كتب توقظ عوالم المتعة
هلال البادي


لا شيء أجمل من قراءة كتاب، وقد كنت أظن أن الكتابة هي المتعة الأكبر، ولكنني كلما قرأت كتابا جميلا اكتشفت أنني مخطئ، وأن الكتب قد تمنح الواحد منا متعة لا نهائية، بلا أي حدود، خاصة في حالة التماهي مع الكتاب الذي نقرأ، في حالة أنه أثار الأسئلة، والخيال. وبرغم الانشغالات الحياتية الكثيرة، التي تقضي على وقت الإنسان وجهده، إلا أنه ينبغي للواحد منا أن يسرق بضع ساعات كي يقرأ، ويطالع عوالم جديدة من خلال الكلمات.
هذا على الأقل ما قدمه كتاب كالصندوق الأسود الذي هو عبارة عن حوارات مع أناس قد لا نصدق أنهم منا، وقد عاشوا كل تلك التجربة قريبا جدا منا، وقد نخالهم أبطالا في فيلم أمريكي عن الجاسوسية والأكشن، ولكنهم كانوا فتية آمنوا بقضيتهم وسعوا إلى أن يفعلوا المستحيل من أجلها: وديع حداد، أنيس النقاش، كارلوس، أسماء قد يكون التاريخ غمرها تحت أسماء تدعي أنها هي كل الحقيقة، فيما هؤلاء كان لهم دور أيضا، وآخرين فتح الكتاب العين عليهم.
وهذه سمة كتب لا تحاول أن ترتدي مذهبا أدبيا أو تاريخيا معينا، وإنما تختار أسلوبها الخاص، فتنقلنا عبره إلى تلك الأجواء التي تساقطت في الذاكرة الجمعية، وربما يكون الكثيرون قد لا يعرفون اليوم عنها أي شيء.
ولعل أول ما كان يجذبني أن أقرأ هذا الكتاب هو عنوانه، وغلافه الجميل، وقد تساءلت حول الاسم وما يعني؟ ثم بعد القراءة أدركت أن الطائرات هي السر، ولذلك كان لا بد من صندوق أسود كي نعرف ما حل بتلك الطائرات من عقد السبعينيات وأولئك الذين كانوا قادة السماء في تلك الآونة.
وإذا كان الصندوق الأسود يريد أن يحكي عن الناس الذين قد يكون البعض نسيهم، فإن علي بدر في روايته الركض وراء الذئاب كان يحاول أن يعثر على آخر البعثيين الفارين إلى أثيوبيا منذ السبعينيات.
هذه هي الرواية الأولى التي أقرأها للروائي علي بدر، وقد أذهلني هذا الكاتب الساخر، فقررت أن أقرأ له (بابا سارتر) التي هي الأكثر شهرة بالنسبة له، والتي قدمته بشكل جميل للقارئ.
وفعليا كانت واحدة من الروايات المذهلة، التي تماهيت معها كثيرا، لأبحث عن عمل روائي آخر له، حتى وصلت إلى روايته قبل الأخيرة (حارس التبغ) التي كانت في القائمة الطويلة لجائزة البوكر في عددها الثاني، وكم كانت ممتعة هذه الرواية وغريبة، وهذا هو سر علي بدر، الذي يعرف كيف يمازج الواقع بالخيال، ويجعل من الوثيقة نقطة انطلاق روائية آسرة، فلا تعرف كقارئ أين تقف ساعتها؟ هل فوق السحاب، أم على الأرض؟
لقد اتخذ هذا الكاتب لنفسه سلوكا كتابيا خاصا، حيث يظهر هو ككاتب وروائي في الروايات التي قرأتها حتى الآن، وبالطبع بشكل لا يخل من العمل الروائي لديه، بل يضيف إليه.
ولعلي سأجد تقاطعا وتشابها مع عمل روائي آخر استمتعت بقراءته: همس الجسور، لعلي المعمري، حيث الروائي حاضر وبقوة في هذا العمل، وحيث إنه يخلط الأوراق فلا تعرف أين التوثيقي والحقيقي من الخيالي الروائي..
وإذا كنت استحضر الرواية والسرد كأساس اعتمدت عليه قراءاتي في هذا العام الذي يمضي، فهذا ليس لأني لا أحب قراءة كتب أخرى، بل لأن مثل هذه الكتب هي ما استطاع أن يوقظ أشياء فيّ، أن يجعلني أغوص في عوالم ممتعة من الجمال.

أدلل نفسي بين التوحش والجمال
سعيد الهاشمي

القراءة هي الرئة التي أتنفس من خلالها كمية الهواء الذي يبقيني أحيا حياتي بكثافة وحب، لذا أدلل نفسي بالمتنوع، والباذخ من هذا الهواء. كما أني أؤمن بأن السنوات تقرأنا كذلك عندما تتيح لنا فرصا نادرة وصادقة لمصاحبة كتاب، أو التحليق في أفكار إنسان مر بهذه الحياة، وأرسل لنا ما يحب، وما يكره.لا أطيل العلاقة مع الكتاب الذي لا يأخذني إلى عالمه ويمنحني جزءا من حياته، على الرغم من أن هذا النوع من القراءة لا يحبذه عالم التخصص الذي التصقت به اختياريا، إلا أني أحاول أن أروض ذلك التوحش، وتلك الجدية بما علمني إياه عالم الأدب، وبخاصة فضاءات الشعر، وسماوات الرواية.
وعام 2009 كان كثيفا بهذا النوع من الجدال بين الجدي، والوجداني، بين التوحش والجمال؛ لأن المزيج الذي أسعى لاحتسائه يستحق مني الصبر، والأناة، والحلم، وإن بدا في ظاهره صعبا، متناقضا. لكنه في داخلي يحقق لي الهدف الذي أرنو إليه؛ تحرر العقل، وتفاؤل الإرادة.
من أقرب ما قرأت إلى قلبي هذا العام كتاب «لهب شمعة» لجاستون باشلار، فهذا الشاعر ، العالم الفيلسوف أوقد في خاطري لهباً يعكس أخلاق السعادة التي نفتقدها في زمن الليزر والنيون. كتاب آخر أعدت قراءته فأورق في داخلي الكثير من الخيرية، إنه « أصول فلسفة الحق» لهيجل، وهو تحليل عقلي لمؤسسات المجتمع: الأسرة، المجتمع المدني والدولة.على صعيد الرواية فقد كنت محظوظا بصحبة توفيق يوسف عواد في ملحمته«طواحين بيروت» والتي تستشرف المشهد اللبناني والعربي قبل أربعة عقود. كتاب آخر أعاد لي رسم الأشياء من جديد، إنه «فن الحب» لإرك فروم، فالحب كما يراه فروم ليس إحساسا عاطفيا يمكن للإنسان أن ينغمر فيه بسهولة، إن الحب حفرٌ في الشخصية الإنسانية لتنتج التواضع الحق، والشجاعة والإيمان والنظام. في انتظار مغامرة عام 2010 ليطوف بي في عوالم جديدة، وحيوات ملونة.

هل ستسير الأمور لصالح القراءة ؟!
عاصم الشيدي

هل علي أن أعترف الآن أنني أشعر بالخجل كثيرا عندما أقف أمام مكتبتي الصغيرة لأنني لم أستطع بعد أن أقرأ ما اقتنيته من كتب قبل عام ونيف، في نهاية الأسبوع عندما أعود إلى البلد أقول أنني سأعود بمجموعة كتب إلى مسقط لأقرأها خلال أيام الأسبوع، ولا يحدث ذلك عادة وإن حدث فإنني أكومها في غرفتي فوق سطح من سطوح مسقط. وحدث أن تجمعت مجموعة كبيرة من الكتب إلى أن أكلتها الرمة ذات غفلة من أمري. شعرت بالقلق والخوف فاحتضنت كامل مكتبتي في مسقط وبدأت بفعل القراءة التي ما زالت تبحث عن الديمومة والانقطاع لها بعد أن بدأ فعلها السلوكي بالتلاشي شيئا فشيئا.
كانت رواية " جنوب الحدود غرب الشمس" للياباني هاروكي موراكامي من أجمل الروايات الجميلة التي قرأتها هذا العام وما زالت في ذاكرتي، لا أعرف حتما لماذا رغم أنني قرأت روايات مترجمة كثيرة هذا العام. الرواية تحاول النبش في أزمة منتصف العمر، الأزمة التي نحاول فيها إعادة مسار الزمن والقفز على طبيعة الأشياء لكننا لا نحصد في النهاية سوى الألم. الألم الذي بحثنا عنه بأنفسنا حينما اكتشفنا خيباتنا وهزائمنا التي لا تزال تدمينا. ربما لكل ذلك أحببت هذه الرواية وعلقت في ذاكرتي.
ومن الكتب التي استمتعت بقراءتها خلال هذا العام كتاب " الرمال العربية" لويلفرد ثيسجر الملقب بمبارك بن لندن، ورغم أنني كنت قد قرأت الكتاب في مرحلة مبكرة إلا أن منحنى القراءة كان سطحيا جدا . فالقراءة الأخرى للكتاب يحيلك إلى عوالم لم تكتشفها من قبل، وربما هذا امر طبيعي وليس له علاقة بسطحية القراءة وربما الوعي بها لأن الكتب العظيمة دائما ما تكون قابلة للقراءات التي تتطور بتطور الوعي بها. لكني أستطيع القول بثقة أن الرمال العربية كتاب خالد يكشف الكثير من أنثربولوجيا الربع الخالي، وبالتالي الإنسان الذي عشان في تلك المرحلة من تاريخ المنطقة.
ومن الروايات العمانية التي أبهرتني كثيرا وقرأتها هذا العام رواية " همس الجسور" لعلي المعمري. ورغم أن الرواية تتماس في الكثير من جوانبها مع رواية " وردة" لصنع الله إبراهيم إلا أن علي المعمري كانت له عوالمه الخاصة التي استطاع أن يبدع من خلالها ويبهر القارئ ويمسك بحدقة عينيه منذ الصفحة الأولى في الرواية إلى الصفحة الأخيرة، رغم الكثير من المفاجآت التي حفلت بها الرواية والتي قد يخيل للقارئ أنها لم تخلو من تدخل الكتاب، إلا أن العمل يعد من الأعمال المتميزة في الرواية العمانية.
ولا أنسى الرواية المتميزة الأخرى للصديق محمد بن سيف الرحبي " الخشت" الرواية التي استطاع الرحبي فيها توظيف لعبة تقليدية معروفة في السلطنة في بنائه الروائي. أكثر ما أعجبني في رواية الخشت بناءها الروائي حينما تنظر إليه وفي ذهنك لعبة " الخشت" هذا البناء ربما هو المدخل الجمالي لقراءة الرواية من ناحية المتعة القرائية أو من ناحية فنيات وجماليات العمل الروائي.
***
أعرف أن إحراجي سيكون أكبر في العالم القادم أعرف ذلك يقينا لأن كتبي تحيط بي في غرفة نومي أراها قبل النوم وحينما استيقظ . لكن هل تصدق أيها القارئ أن ذلك فال طيب لي فقد أمسكت من أيام بكتاب أدونيس " الثابت والمتحول" وبدأت أعيد قراءته وحتما سيكون ذلك بوعي مختلف فيما تنتظرني مجموعة كتب لعلي حرب أتمنى أن أنجزها مطلع العام القادم.
لكن هل سيحدث كل ذلك ، وهل ستكون الرغبة في القراءة رغبة مستمرة مع كل ما يمكن أن يحدث خلال العام القادم. أتمنى أن يكون عام قراءة بالنسبة لي قبل أن يكون عام كتابة.

كل الأسماء.. من مفرق شعرها إلى رقبته
عبدالحكيم عبدالله


لا أتذكر تحديدا ما قرأت خلال هذا العام، وإن كان ما قرأته قليلا، ولكن لأتحدث عن أكثر ما أعجبني من قراءاتي في هذه السنة. كان الكتاب الأول هو رواية (كل الأسماء) للروائي البرتغالي جوزيه ساراماجو الحاصل على جائزة نوبل للآداب. هذه الرواية المذهلة والرائعة عشت في أجوائها متماهيا في زخمه السردي الآسر، مع الشخصية المحورية والمركزية التي تدور حولها الرواية، وهي شخصية (دون جوزيه)، إنها قصة هذا الرجل البسيط والموظف الصغير الذي يعمل في تلك المؤسسة المسماة بـ(المحفوظات العامة للسجل المدني) وهو في الخمسين من عمره، يقع في حب امرأة مجهولة ليس لها وجود سوى في بطاقة على رفوف السجل المدني في أرشيف تلك المؤسسة. إنه لا يتمكن من التخلص من سطوة الرغبة الملحة في البحث عنها ومعرفة تفاصيل حياتها. ومن هنا تبدأ رحلة البحث عن المرأة المجهولة ونستمتع نحن القراء بذلك السرد الباهر الرائع ونحن نمضي مع دون جوزيه في رحلته المضنية في البحث عن الآخر، وهو في الحقيقة كأنما يبحث عن ذاته هو.
أعجبني كثيرا الوصف الحقيقي للمكان عبر صور بصرية لم تغفل جزئيات المشهد لينتقل القارئ إلى مكان الحدث، ومعايشة الحياة الصغيرة التي يحياها دون جوزيه في مكان عمله وفي شقته الصغيرة الملحقة بتلك المؤسسة.
تأثرت انفعاليا مع شخصية الرواية في المشهد الذي ينام فيه مهدود الجسد ومصابا بالبرد مستلقيا على ظهره، متذكرا ما مر به من تعب ومعاناة، ويبكي على نفسه مشفقا على حاله، يتحدث مع سقف الغرفة حديثا مطولا وحوارا مؤثرا.
والكتاب الثاني الذي أعجبني كثيرا هو المجموعة القصصية (صبي على السطح) لجوخة الحارثية. قرأت قصص جوخة في هذه المجموعة باستمتاع بالغ ووقعت في أسر السرد البارع والسلاسة الرائقة في الحكي. أتابع كل كتابات جوخة لأتذوق جمال الكلمة عندها، وهي لا تخذلنا أبدا، ففي كل نص ترشنا بماء الدهشة. وأرى أن جوخة قد اكتسبت حكمة وحنكة الكبار مبكرا، وعملت بصبر وذكاء على تطوير أدواتها دون الوقوع في إغراءات النشر المتعجل والظهور الباهت الذي قد يقع فيه الكتاب الشباب.
وفي هذه المجموعة الجميلة (صبي على السطح)، وجدت المتعة القرائية في جميع قصصها، وأكثر ما أعجبني فيها قصة (صبي على السطح)، إنها قصة مذهلة في بساطتها ومثيرة في حدثها المتوتر وتلك الشحنة من الانفعالات. لا يمكن أن يبقى تنفسك منتظما وأنت تمضي مع الصبي في متابعة تطور المشهد. وكم كانت جوخة بارعة في إثارة الرهبة في قلب القارئ وهي تزرع الألغام في أرض تظنها آمنة، فإذا بها تطلق عليك نار المفاجأة من وراء الجدران الصامتة. كنت أقرأ مستغرقا في جو الحدث، وأتوقف أحيانا لأقرأ الجملة من جديد، فقط لأتأكد أن التوتر الذي أشعر به ليس من جراء إرهاق العمل، وإنما من جرعة الإدهاش في السرد الآسر.
يعجبني في جوخة براعتها في الحكي الهادئ والسير الصموت دون تعثر بعوائق من الإخلال في الصياغات والتداعيات المتكلفة، بل هي تمضي على رسلها دون التفات لتعجل القارئ المتلهف لمعرفة التفاصيل القادمة.
أحسدها على هدوئها المراوغ وهي تكتب لنا مثل (انساب العرق من مفرق شعرها إلى رقبته)، تصف هذا التماهي في المشهد بين الصبي وبين المرأة الراقصة، تركتنا في انبهار الصورة وهي غير مبالية ولا محتفية بمهارتها؛ لأنها تكتب بحماسة الشباب ولكن بروح الكبار من الكتاب وحكمتهم وحنكتهم.

أيها الغبي: من سيقرأ كتاباً باللغة العربية في كمبوديا؟
ناصر المنجي


بدايةً لم نعد فئران كتب كالسابق نظراً لظروف الحياة وقساوتها، أحياناً أجلس أمام مكتبتي فقط لأزيل الغبار حتى إنني تخيلت أنها قبور، ولكن ولله الحمد كان عام 2009 عودة جميلة للقراءة مجددا، رغم أنني سابقاً وخلال الأعوام المنقضية من عمري لم تخل يدي وعقلي من كتاب أقرأه أو أتمنى قراءته، خلال هذا العام قرأت كتاب كنت أقتنيته عدة مرات وكلما قرأت جزء منه فقدته أو سرقه أحدهم (لم أكن أنا) أو ربما نسيته، وهو كتاب تاريخ الملح لمؤلفه مارك كيرلانسكي، كتاب جميل وشيق ورائع لشيء لا نتبه له في حياتنا رغم أهميته، كتاب شعري بامتياز شديد، الملح صنع حضارات وليس مادة للطبخ وتاريخ العالم هو تاريخ الملح، الملح دين وليس مذهباً، والمفارقة الغريبة أنني نسيت هذا الكتاب في كمبوديا وغضبت كثيراً وبعدها ضحكت فمن أيها الغبي سيقرأ كتاباً باللغة العربية في كمبوديا ؟ ولكن هل النسيان أيها الغبي أيضاً متعمد، وكتاب آخر وهو رواية حياة باي ليان مارتل وهي رواية تريد أن تقول لك أن عليك أن تكون قارئاً بنسبة 70 بالمائة و30 بالمائة فقط هي ما يتبقى لتكون كاتباً، وكتاب شعري رائع وجميل أقرأه دائماً ولا أمل من قرائته وهو السفر الشعري (سيأتي الموت وستكون له عيناك) سيرة مائة وخمسين شاعراً انتحروا في القرن العشرين، ترجمة جمانة حداد، وسأظل أقرأه دائماً، كتب كثيرة أو قليلة ولكن دائماً ستظل المعرفة ناقصة.

كم يلزمنا من تركيز لتدمير مبرر وجودنا
سعيدة بنت خاطر الفارسي


أفضل ما قرأت عالميا هذا العام: هو كتاب مختارات من الأدب الصيني الحديث الصادر من وزارة الثقافة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، ترجمة الأديب والناقد ربيع مفتاح وأسباب تفضيلي للكتاب كونه يعرفنا على عالم طالما جهلنا إبداعاته الثقافية.. وهو بذلك يمدّ الجسور بين القارئ العربي وثقافة من أعرق الحضارات الإنسانية العالمية هي الثقافة الصينية هذا بالإضافة إلى نضج ذلك الإبداع وارتفاع الحساسية الشعرية به والقيمة الفكرية.. كما أعجبني كتاب (المياه كلها بلون الغرق /أو مقايسات المرارة) للكاتب: أميل سيوران الفيلسوف الروماني ترجمة الشاعر التونسي آدم فتحي والصادر عن منشورات الجمل، ألمانيا.. والكتاب يحتوى على خلاصة فكر سيوران وحكمته الحياتية العميقة وقد كتب بلغة جميلة آسرة كقوله (كم يلزمنا من تركيز وصناعة وحصافة لتدمير مبرر وجودنا) أما عربيا فقد أعجبتني رواية عزازيل ليوسف زيدان الصادرة من دار الشروق، القاهرة، وقد أعجبتني كثيرا وذلك لأنها عمل مبدع مكتوب بحساسية مرهفة تمتزج فيها العاطفة بالمتعة وعمل يتضمن دراسة في نشأة وتطور الصراع المذهبي بين الطوائف المسيحية في المشرق، إن الكاتب يوسف زيدان يتميز بالموهبتين موهبة المبدع وموهبة الباحث وكثيرا ما تتداخل الموهبتان في هذا المجال كما قال عن هذه الرواية المرحوم الأديب سامي خشبة. كما أعجبني الكتاب النقدي المميز(مخاضات الخطاب الشعري المعاصر، مقاربات أسلوبية، وقراءة في التقنيات والخرائط) للزميل الناقد د.حسام عقل والصادر عن دار شمس للنشر والتوزيع، القاهرة وذلك لجودة المادة العلمية وتنوعها ونظرا لسعة ثقافة الكاتب الناقد وانفتاحه على الثقافة العالمية وتأصيله لثقافته العربية النقدية ولوضوح لغة الناقد العلمية ويسرها على المتلقي مما يسم الكتاب بالمتعة الإبداعية والفائدة العميقة. وعلى المستوى المحلي استمتعتُ بقراءة حكايات جدتي حكايات شعبية من ظفار للكاتبة خديجة بنت علوي الذهب الصادر من دار الانتشار العربي، بيروت إصدارات النادي الثقافي وتأتي أهمية الكتاب في جمعه لتراث الحكي والحكايات للأطفال من تلك المنطقة، وما يحمله من مزاوجة فلكلورية أسطورية تخيلية تجذب خيال الطفل واهتمامه، ورغم أن الكتاب بحاجة إلى نظرة تربوية نوعا ما وذلك لتخليصه من بعض الهنات التي لا تتناسب مع بعض السلوك التربوي، لكنه في مجمله عمل ممتع يستحق الإشادة والقراءة.

لِمَ لم يقدر كتاب عماني على التربع طويلا بين ناظريّ؟
يونس البوسعيدي


أُحِسُّ أنّ هذا السؤال صعبٌ عليَّ جِدًّا، ليس لأني قارئٌ غير شَرِه، كما أني بطيء القراءة، وخصوصًا أني لا أتذكر أني أنهيت قراءة كتاب من الغلاف إلى الغلاف منذ دراستي المنتظمة إلى اليوم، إنما أقرأ باجتزاءٍ منه، كما أني كيف أُصنّفُ الكتاب بأنه أفضل مِنْ غيرِه، هل بمقولةِ (اللهم هذا قسمي فيما أملكُ، ولا قسَم لي فيما أملكُ) أم بأيهم أفضلية في التخصصات التي أُحبُّ عادة قراءتها، أم الكتب التي سارت بها ركبان المدح والألسن و الإنترنتِ إنها جميلة.. سأكونُ مغايرًا وأقولٌ أنني قلبٌ شديد الحنين، فالكتبُ التي تلقفْتُها أول صباي، هي الكتب التي ما فلتت بعْدُ مِن راحة يدي، فلا أظنُّ أنّ شهرًا يمضي وأنا لا أقلّبُ صفحاتٍ من كتب (في ظلال القرآنِ لسيّد قطب) أو (الجنة في وصفِ الجنة للشيخ اطفيش) أو (قناطر الخيرات للشيخ أبي طاهر إسماعيل الجيطالي) أو (تحفة الأعيان للإمام السالمي) أنا دائم الرجوع لقراءة هذه الكتب، وقضيتُ أيامًا غير معدودة من سنة 2009م وأنا أغتنم أوقات الفراغ بقراءة تلك الكتب بطريقة الحلوى، وهي الطريقة التي أنوي مغادرتها، والتي بها قرأتُ صفحاتٍ منَ الكتب التي أراها مهمّةً في حقولٍ معرفية متفرقة كالأدب والتاريخ والفكر الإسلامي وشيئ من أبجديات الفلسفة.
مع نهايات 2009م أصدر (خميس العدوي، وخالد الوهيبي وزكريا المحرمي) كتابهم «السنة الوحي والحكمة» وهو الكتاب الذي أحدَثَ صدًى طيبًا، ورواجًا لدى قرائه جذبني مغناطيسُه لقراءةِ فصولٍ عديدةٍ منه، مما يدفعني إلى اعتباره من أفضل وأجمل الكتب الفكرية الإسلامية العُمانية، لما احتواه من حداثةِ طرح، واقتراب لغته من لغة المتلقي البسيط، وجعلني أتمتمُ أن بمثل هذا الكتاب وتلك العقول التي ألّفته نستطيعُ إعادة القلم العُماني إلى الواجهة الفكرية التي اعتلى دستها ذات زمن.
أدبيًا وعُمانيًا، لم يوجد كتابٌ عماني قدَرَ على التربع لفترةٍ طويلةٍ بين ناظريّ ربما لأني في سنة 2009 كان اكتشافي المتأخر لمحمود درويش، وفي هذه السنة (غرقتُ) في أعماله الكاملة بأجزائها الثلاثة، وصاحبتُ لفترةٍ كبيرةٍ من 2009 مجموعاتِه الشعرية (سرير الغريبة، لماذا تركتَ الحصان وحيدا، لا تعتذر عما فعلت، كزهرِ اللوزِ أو أبعد، حالة حصار وجداريتِه )، عام 2009م شهد اكتشافا كبيرًا لي، وأنا أعتذر من نفسي ومن محمود درويش أولا أني اكتشفتُه متأخرًا، مجموعاتِه الشِعرية نافست على طاولتي المبعثرة ديوان أبي الطيب المتنبي. و2009 ما زلتُ أتجرع فشلي في الدخول إلى التمتع بقراءة عالم الروايات الأدبية سواء الأدبية أو العالمية، لولا بعض المجاميع القصصية العُمانية لما كان لي أي علاقةٍ قرائية قوية بهذا العالم الأدبي الذي يوصف بالساحر، في باريس التقيت بالروائي العربي الشهير محمد برّادة وتشرفتُ بإهدائي روايتِه (حيوات متجاورة) لكني إلى اليوم لم أكملها، كما أني لم أكمل سوى بعض الصفحات الأولى من رواية (واسيني الأعرج) التي نشرتها دبي الثقافية. دعوني أقول ببعض الصدق أنني وجدتُ بعض الانجذاب في (عبد الفتاح المنغلق لا يحب التفاصيل) لسليمان المعمري، وبصدقٍ أيضًا أقولُ أني أنتظر أنْ تقع بين يدي رواية هدى الجهورية، فأنا أعرف أن لهدى لغة وخيال يقدران على جذب المتلقي.
هناكَ كتب في حقول معرفية، بِتُّ أَضعُ علامة على الورقة التي أنتهي من قراءتها أو أحب العودة إليها، كتب فارقتُ معها طريقة القراءة بالحلوى، أحسستُ معها –بشكل استثنائي - أنها ستشكل لي زادًا معرفيًا، وفتحت عليّ شبابيك الأسئلة على مصراعيها، على عجلٍ أستذكر وبلا ترتيب لغة السياسة في الإسلام لبرنارد لويس والكتب الصادرة عن عالم المعرفة الكويتي (كتاب تراث الإسلام ، وكذلك كتاب مفاهيم قرآنية، والإنسان بين الجوهر والمنظر، ضرورة العِلْم، إرتقاء الإنسان،) أفول الأصنام لِنيتشة، وشيء من صفحات كتب أدوارد سعيد (الآلهة التي تفشل دائمًأ) وهذا الكتاب هو الكتاب الذي شدني أكثر من كتاب الاستشراق وهو الكتاب الشهير لإداورد سعيد، بالإضافة إلى كتب لأركون مثل (نزعة الأنسنة في الفكر العربي، وكتاب رهانات المضي وإرادات الهيمنة) وكتب د.محمد عابد الجابري وخصوصًا كتاب مدخل إلى التعريف بالقرآن الكريم، وهذا كتاب أنا أنصح جدًّا بقراءته إنه كتاب (يُنْضِجُ الفكر) .. كما أعجبني للدكتور محمد عابد الجابري كتابه (المثقفون في الحضارة العربية).
مع كل هذا أنا لا أخفي شعوري بالتحسر والأسى، لسبب بسيط، وهو ما ثمرة هذا التشتت غير المنطقي الذي أحسه في قراءةٍ غير منتظمة. هل لمجرد أنْ أغور بين أجنحةِ تلك الورق، لا أدري والله أعلم؟
لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.