مع كتاب جديد في حملة "كتب تجمعنا"، وهذه المرة قراءة في أحد الكتب الكويتية قدّمتها القارئة (مريم العدوي) من عُمان، والكتاب هو رواية "وسمية تخرج من البحر" للكاتبة الكويتية (ليلى العثمان).
ضمن مبادرة كُتب تُجمعنا في مرحلتها الأولى بين عُمان والكويت حصلتُ لحسن الطالع على رواية : وسمية تخرج من البحر للأديبة الكويتية ليلى عبدالله العثمان.
الروائية ليلى العثمان تعدّ من أبرز الكتّاب على الساحة العربية عامة والخليجية خاصة ، حيث أصدرت منذُ وقت مُبِكر العديد من الإصدارات القيّمة مُنعت بعضاً منها من التداول بدعوى أن الروائيّة وجهت بها إساءة إلى بعض قيّم المجتمع الكويتي المحافظ .
صدرت الطبعة الأولى لرواية عام 1986م عن دار شركة الربيَّعان لنشر والتوزيع أما الطبعة الثانية والثالثة فقد صدرت عن دار المدى للثقافة والنشر والتوزيع عام 1995م و عام 2000م .
تقع الرواية في 157 صفحة ولقد تُرجمت إلى الإيطالية وتعد من أفضل 150 رواية عربية ضمن تقييم عام 1996م حيثُ حصلت على المركز 55 ، كما حصلت على المركز الثالث على المستوى الخليجي وذلك ضمن قائمة أصدرها إتحاد الكتّاب العرب بدمشق لأفضل أعمال القرن العشرين .
تم تحويل الرواية إلى سهرة تلفزيونية للمخرج: عبد العزيز الحداد من بطولة الفنانة : سعاد عبدالله والفنان: خالد أمين عام 1996م وحصل هذا العمل على جائزة أفضل ممثل عن دور الفنانة : سعاد عبدالله من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون ، كما كان للمسرح كذلك نصيب من الرواية حيث قدم المسرح مسرحية تحمل ذات الاسم وسمية تخرج من البحر من إعداد وإخراج : نصّار النصّار عام 2007م ، كما أشار المخرج التونسي رضا الباهي على استئناف تعاونه مع الروائية ليلى العثمان لتحويل أحد أعمالها إلى فيلم روائي .
عندما أصبحت الرواية بين يديّ سكنني هاجس أن وسمية حورية ستخرج من البحر ، لكنَّ الأمر تبين لي في نهاية الرواية حيثُ وسمية كانت الحورية التي سيحتفظُ بها البحر للأبد.
وسمية تخرج من البحر تحكي قصة حُب عذريّ جمع بين وسمية بنت الحسب والنسب وعبدالله ابن مريوم الدلالة في إحدى القرى الساحلية للمجتمع الكويتي و البحر كان شاهد عيان على بداية القصة البريئة ونهايتها البائسة .
عبدالله ... لا يحب شيئاً في حياته مثل حبه للبحر ، رغم أن زوجته تحول كل لحضة يعود فيها من البحر برائحته التي يحب وتكره إلى جحيم إلا إنه كان وما زال يجد في البحر متسعاً لهدهدت الذاكرة/ الألم / الوجع الذي ما برحَ يراودُ أمسهُ بصورة وسمية .
كان عبدالله اليتيم الذي تصطحبه أمه مريوم الدلالة في رحلتها اليومية إلى منازلِ القرية ، تبيعُ ما تجودُ به صرتها الصغيرة ، تساعد نساء العائلات الغنية من أجل أن تجمع المال الذي تربي به عبدلله ليغدو رجلاً تُسند على قامتهِ أوجاعها التي بدأت مُبِكراً ، مُبكِراً جداً ، منذُ أن غادرها والد عبدالله تاركاً لها حمل تربية عبدالله و أن تكون الأم والأب لهذا الطفل .
كنّا صغاراً ولا ندري بَعدُّ ما الهوى؟ * ولا ما يردُ عليه القلب بالخفقان
تبدو أبيات ابن زيدون لولادّة موائمة كذلك لقصة عبدالله و وسمية ، لقد كانت أوقات جميلة تلك التي يقضيها عبدالله بصحبة وسمية بينما والدته تقوم بمساعدة أم وسمية في أعمال المنزل ، لم تكن وسمية تعامل عبدالله بفوقية كما يفعل السواد الأعظم من الأطفال الذين يملكون ما لا يملكهُ عبدالله ولكنَّ وسمية تشبههم حيثُ تملكُ ما يتيحُ لها فرصة معاملتهِ بفوقية إن أرادت .
مع الأيام كبرت وسمية وضعت الحجاب و( البوشيّه) وتوارت خلف جدران المنزل وبات من المحرم أن تلتقي بعبدالله ، لم تعد الصغيرة التي من الممكن أن تلعب مع عبدالله أو تجري خلفه لتقذفهُ برغوة الصابون .
هل شكا عبدالله كثيراً للبحر ؟
لم يصبحُ بإمكانهِ رؤية وسمية عند شاطئ البحر ، يجلسان تداعب الموجات المتمردة على الزرقة أقدامهم ، كانت وسمية تستمعُ إلى حكاياته وأغانيه الأثيرة إلى روحها .
ربما هدايا القدر أرادت ذلك وربما الشيطان هو من زرع فكرته الأفعى في رأس عبدالله ، لذا قرر عبدالله ووسمية - بعد أن طرد حبها الشديد للبحر الخوف من السلطة الذكورية- أن يلتقيا لمرة واحدة عند البحر ليعودا طفلين صغيرين لا شئ قادرُ على سلب سعادتهما وهما قبالة البحر ، تصلي أرواحهم صلاة حُبْ عذري لا يُرضي ذائقة المجتمع الذي لا يؤمن بشئ كإيمانهِ العميق بالطبقية وكل ما يعرفه المجتمع هو أن وسمية بنت الحسب والنسب بينما عبدالله ابن مريوم الدلالة ليس إلا .
التقيا بعد صلاة العشاء ، حسبهما أن سواد الليل سيكون ستاراً على الجرم الذي لم يقترفاه بعد ، لكن كل عيون المجتمع ستشهد على إنهم اقترفاه فيما لو أن أحداّ لمحهما وحيدين على شاطئ البحر !
في وقت قصير استعادا نشوة دغدغة رائحة البحر لذكرياتهم المندسة بين الأوجاع والأمنيات عديمة الأجنحة ، لكنَّ الرياح جرت بغير ما يشتهي القلبان ، مرَّ رجل من الشرطة على الشاطئ ، وكان على وسمية أن تسرع بالاختباء لحماية الجوهرة الثمينة التي سيدنسها فعلها هذا ، الشرف .
سواد السماء في الأعلى ، لون البحر المبهم في الليل ورمل مسترسل لا شئ آخر ، إذن أين تخبئ وسمية جسدها؟
كم تمنت في لحضتها لو كانت نسياً منسيا !
البحر ... جاءت من أجله ، توسلت إليه الآن كذلك ليحفظ عفتها من تدنيس العيون والعقول الواهمة بالخطأ باسم العيب والحرام والذي لا يصح .
دست جسدها النحيل بين أمواجه الباردة ، كتمت أنفاسها ، رجت بأن تكتم رئتيها لوقت قصير شهية التنفس ، وصمتت ، تحدث عبدالله مع الشرطي وأوهمه بأنه وحيداً إلا من الوجع لا ثالث لهما ، انصرف الشرطي ، وأسرع عبدالله يبحثُ عن حبيبته بين يدي من ضنه الحارس الأمين ، البحر .
لكنهُ لم يجد سوى عباءة طافية على السطح !
في الصباح سار الخبر كالنار في الهشيم ، فجراً كانت أم وسمية وأم عبدالله يغسلان شعر وسمية بعد أن خضباه بالحناء ، لكنَّ البحر كعادته غادر ، أختطف جسد وسمية على حين غفلة !
مريم العدوي
0 comments:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.