20 نوفمبر 2011
اصدارات: سحر أغرب
المصدر: الشروق بتاريخ 19 نوفمبر 2011
"سحر غريب" كتاب جديد للكاتبة مارينا وارنر، عن ألف ليلة وليلة الساحرة الخالدة فى الشرق والغرب معا، فيما تقول المؤلفة إن هذا العمل الفاتن عبر التاريخ والأجيال يثبت أن الفن قادر على رد الموت وأن السرد المبدع يعادل الحياة فى مواجهة الشرور وازهاق أرواح البشر.
وبدا الكتاب الجديد الذى يقع فى 436 صفحة وكأنه تشريح منهجى معرفى لألف ليلة وليلة، فيما تلفت مارينا وارنر إلى أن ألف ليلة وليلة هى" حكايات داخل الحكايات وحكايات عن الحكايات" بما يتجاوز التسلية البسيطة أو السطحية ومن ثم فالليالى بحاجة لقراءة واعية .
ومن أول وهلة يلحظ القارىء مدى الاتقان فى هذا الكتاب، حيث عمدت المؤلفة للشرح المضىء مع المعلومات الغزيرة والهوامش التى تخدم المتن، دون أن تشوش عليه، فضلا عن تنوع المصادر وتعدد المراجع التى استعانت بها فى حديثها عن السحر الغريب لألف ليلة وليلة.
ومع أن الروايات الشفاهية عن ألف ليلة وليلة تسربت رويدا رويدا لأوروبا عبر حقب طويلة ومنذ زمن بعيد وتجلت مؤثراتها فى أعمال عمالقة الفلسفة والفن والأدب الأوروبى مثل دانتى وشكسبير، إلا أنها باتت جزءا من التيار الرئيسى للثقافة الأدبية والشعبية الأوروبية فى القرن الثامن عشر بفضل ترجمتها للفرنسية على يد انطونيو جالاند.
وهكذا عرف الأوروبيون علاء الدين ومصباحه السحرى، وعلى بابا وال40 حرامى وراحوا يتناقلون حكايات ألف ليلة وليلة بانبهار وشغف فيما لاتستبعد مارينا وارنر أن يكون المترجم الفرنسى جالاند قد استحدث بعض التعديلات والإضافات أثناء ترجمته لهذا العمل الخالد وتبدو مستحسنة لهذا التوجه فى الترجمة.
غير أن المقولة التى قد تكون جديرة بالاستحسان والموافقة فى هذا الكتاب الجديد، أن مارينا وارنر اعتبرت الف ليلة وليلة فى رحلتها بين الشرق والغرب مثال جيد للحوار والتفاعل بين الحضارات، مؤكدة على أن الليالى بقت كقوة غامضة تفعل أفاعيلها الإبداعية فى الثقافة المعاصرة.
المفكر الراحل إدوارد سعيد
ولم تخف مارينا وارنر تأثرها بأفكار المفكر الراحل إدوارد سعيد عن أهمية التلاقح والتفاعل الثقافى بين الحضارات بدلا من الهيمنة الغربية على بقية شعوب العالم، منوهة بأن الف ليلة وليلة تثبت أنه اذا كانت السياسة تفرق بين الشعوب المنتمية لحضارات مختلفة، فان الأدب والفن والفلسفة التى لاتعرف الحدود والقيود قادرة على تحقيق التواصل الإيجابى بين الشرق والغرب.
وفى مقابل الأفكار الإنسانية للراحل والأستاذ المرموق فى جامعة كولومبيا ادوارد سعيد، كان هناك جيل من المستشرقين فى الغرب لم يكف عن محاولة فهم الشرق ليس من اجل تعزيز الحوار والتفاعل الانسانى، وانما من أجل تكريس الهيمنة الغربية، كما تلاحظ مؤلفة الكتاب وبحيث تتحول ثقافة مثل الثقافة العربية الى ساحة تغزوها الثقافة الغربية أو تتحول فى أفضل الأحوال الى مادة غرائبية لتسلية الأوروبيين.
وتعيد مارينا وارنر للأذهان فى كتابها "سحر غريب" أن الف ليلة وليلة ترجمت من العربية للفرنسية فى عصر التنوير او الأنوار الأوروبى، موضحة أن الاستنارة شرط للحوار والتفاعل الايجابى بين الحضارات والثقافات المختلفة.
ومن طرائف الاكتشافات فى هذا الكتاب الجديد ماتؤكده المؤلفة من أن بعض المناطق فى المشرق العربى كانت تسلم فى القرن الرابع عشر بمسألة زواج الانس والجان، بل إن الأمر وصل لحد تقنين هذه الزيجات.
وخصصت مارينا وارنر حيزا فى كتابها لمناقشة قضية علاقة الانسان بالجماد، كما تضمنتها الف ليلة وليلة من بساط الريح الى مصباح علاء الدين وهى قضية راسخة فى الذهن الانسانى ولعلها تتجلى بوضوح فى الرسوم المتحركة كفن معاصر، بل إن النظرة المتمعنة تكشف عن تأثير كبير لألف ليلة وليلة على هذا الفن المعاصر.
وإذا كانت شهرزاد قد اختارت ان تحكى كل ليلة حكاية لشهريار فداء لروحها المعلقة بكلمة منه فانها اهدت البشرية كلها فنا خالدا وحكايات مازالت تبهر الشرق والغرب معا.
لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 comments:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.