(جريدة عمان، 3 أبريل 2012)
مكتبة الشيخ محسن بن زهران العبري وقف لأجيال العلم والمعرفة في ولاية الحمراء
تضم أكثر من 3500 عنوان تؤول لعامة الناس في مشروع قريب
كتب: سيف بن زاهر العبري
نبغ العمانيون في بحر العلوم الواسعة من الفقه والأدب والتاريخ والفلك وغيرها منذ أمد طويل أينما كانوا وأينما رحلوا، مما مكنهم من الإسهام في الحضارة العربية والإسلامية على مر التاريخ، كما اشتهر العمانيون بتجربة الوقف الذي يعود ريعه لصالح الكتب وجعلوا المكتبات وقفا عاما ينتفع من فيض علومها عامة الناس من القراء والدارسين والباحثين وغيرهم.
نقف اليوم مع تجربة حديثة للمكتبات الوقفية في عمان حين أوصى الشيخ محسن بن زهران بن محمد العبري قبل فترة من وفاته بجعل مكتبته الخاصة مكتبة وقف يكون مقرها في منطقة المنيزف بولاية الحمراء، على أمل أن يتحقق المشروع بجهود أبنائه القائمين على تنفيذ الوصية المكتوبة.
نفتح صفحات من مكتبة المرحوم الشيخ محسن بن زهران العبري بإطلالة صحفية نستلهم من ذكريات ابنه الأكبر الشيخ حمود ابن محسن العبري ارتباط والده بالكتب والمكتبات وولعه بهذا الجانب حيث كانت لنا زيارة إلى مقر المكتبة الحالي في إحدى جنبات المجلس الخاص للمرحوم الشيخ محسن في المنيزف بولاية الحمراء حيث يصف لنا الشيخ حمود ذلك بالقول:
لقد كان الشيخ الوالد شغوفا بسائر العلوم وكان لديه ميول أكثر بالأدب والشعر تحديدا، ومن ذلك التمس منابع العلم منذ صغره حين قدم لزيارة بلدة الحمراء وعمره الخامسة عشرة تقريبا قادما من الباطنة برفقة المرحوم الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري، بيد أنه استأذن في الذهاب مع سماحته، فوجد في الحمراء انتعاشا علميا غير موجود في البلدان الأخرى، حينها قرر أن يطيب به المقام في بيت الأدماني بالحمراء، لتتضافر جهوده وجهود زملاء الدراسة عنده بفتح مدرسة لتعليم للقرآن الكريم وعلوم الدين والنحو وغيرها، حيث يتعلمون على يد الشيخ إبراهيم سائر العلوم الدينية والفقهية والأدبية حتى حفظ ملحة الأعراب وألفية ابن مالك وكثير من الشعر، وحفظ جوهر النظام في الأدب والأحكام . وتكون تلك المدرسة مفتوحة بوجوده أو عند عدم وجود الشيخ إبراهيم، والذي ينتدبه أحيانا للتدريس نيابة عنه خاصة عندما تولى الشيخ إبراهيم مهمة القضاء في صحار ، وكانت صحبته للشيخ إبراهيم بن سعيد مكسبا علميا وفقهيا كبيرا له حتى جعله الشيخ إبراهيم نائبا عنه في بلدة عبري وعندما تعقد البرزة في حصن عبري كان يفصل في الأمور المحلية والفقهية بحكمة ودراية مع الاستعانة بقاض متخصص كلما استدعى الأمر ذلك. أما جده الشيخ محمد بن سالم بن بدر العبري فقد تولى القضاء في صحم والخابورة وبركاء والسيب .
دواوين العرب والمعاجم
وعن فترة وجود المكتبة في بيت الأدماني ونقلها إلى المنيزف قال الشيخ حمود بن محسن العبري: ظلت مكتبة الوالد منارة علم في بيت الأدماني حتى انتقال العائلة وقد اتخدت المنيزف سكنا لها منذ عام 1981م حيث قام الوالد بتأسيس المكتبة وتوسعتها بإضافة كتب ومخطوطات وموسوعات علمية متنوعة ووضعها منتظمة في أرفف معدة لذلك وفق الإمكانيات المتاحة وقتها حتى وصل ما تحويه الآن ما بين 3500 إلى 4000 عنوان في شتى العلوم، ونتيجة شغفه بالشعر فقد حرص على اقتناء وشراء أكثر دواوين العرب منذ القدم. وتضم المكتبة علوم القرآن وتفسيره والحديث الشريف والفقه والعقيدة واللغة والأدب والمعاجم والدواوين الشعرية بما يقارب 51 ديوانا وكذلك التاريخ والسير والكتب والصحف والمجلات والمنشورات المنوعة. واستقر به المقام بالحمراء مع أفراد أسرته في الخمسينات من القرن الماضي ومن بينهم جده الشيخ محمد بن سالم بن بدر العبري، وفي العصر الحديث عمل نائبا للوالي في كل من بركة الموز وجعلان وإزكي كانت مدة عمله في بركة الموز على فترتين كل فترة مدتها ثلاث سنوات وكانت الفترة الأخيرة من عام 1981م وحتى إحالته للتقاعد في شهر أغسطس عام 1983م ، ثم عين في عام 1987م عضوا بمجلس الدولة.
زياراته لسائر البلدان
وأضاف في حديثه بأن والده ظل ملازما للعلم بشتى صنوفه حيث رحل بل وكانت لديه رغبة في السفر إلى سائر البلدان في عمان وغيرها حيث زار المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، كما قام بزيارة إلى الجزائر ومكث لأيام في وادي ميزاب الذي يعتنق أهله المذهب الإباضي فحظي بالترحيب وحفاوة الاستقبال، وخلال زيارته إلى تايلند قضى مع المسلمين يوما كاملا متعرفا على عاداتهم وتقاليدهم وكيف أنهم متمسكون بالدين الحنيف في دولة أغلب سكانها لا يدينون بالإسلام، ومكث لدى زيارته الأردن قرابة شهر زار فيها عددا من الأماكن وتعرف على المعالم الحضارية والتاريخية القديمة، كذلك زار لبنان وأعجب بحدائق العنب في سوريا حتى أنه نقل تجربتهم في كيفية زراعة العنب في مزرعة العائلة بالمنيزف، وأتيحت له زيارة ألمانيا متعرفا على الحياة الطبيعية والبشرية في أوروبا.
وكان شغفه كما ذكرنا آنفا بالشعر حتى صدحت قريحة التباري والإلقاء لديه أمام محبي الشعر حتى وإن كان مستمعا لما يقدمه الشعراء بين حضرة الناس المجتمعين في مناسبة سنوية يقيمها لمحبيه وأصدقائه ومعارفه في مزرعته بولاية بركاء حتى أنه كان عاقدا العزم على تأصيل اللقاء السنوي بجلسة جديدة في شهر فبراير الماضي إلا أن المنية عاجلته عن عمر ناهز الرابعة والثمانين إثر مرض ألم به ليومين فقط لم يمهله طويلا ليشاع خبر وفاته لدى أهالي ولاية الحمراء وبلدة العراقي وسائر ولايات السلطنة الذين تقاطروا لحضور مراسم الجنازة والعزاء متذكرين مناقبه ومآثره الطيبة طيلة حياته الحافلة بالعطاء.
الحاضر في شتى البلدان
كما يصف لنا ابنه الشيخ حمد بن محسن بن زهران العبري بأن والده كان حاضرا على المستوى المحلي داخل ولاية الحمراء وخارجها دون انقطاع لأي مناسبة أفراح أو أتراح، ولا يكاد ترحاله بين ولايات السلطنة يخفت يوما متنقلا بين القرى والبلدان في السهل والجبل دون كلل حيث كان يتمتع بصحة جيدة حتى قبل وفاته بثلاثة أيام فقط في مستشفى نزوى، لتفقد ولاية الحمراء أحد رجالاتها المشهود لهم بالحضور في السراء والضراء . وقال: بأن خطوات تنفيذ الوصية تأخذ مجراها، حيث تم البدء في إعداد خطة تحويل مكتبة الوالد المرحوم إلى مكتبة وقف عامة ولكن بطريقة أفضل ربما يتطلب الأمر معها فترة ليست بقصيرة حتى نتمكن من إيلاء الموضوع أهمية قصوى ترتقي بالمكتبة بشكل أفضل إلى حيث يتطلع القارئ والدارس والباحث في سائر العلوم قديما وحديثا، سواء من حيث ترتيب المكتبة وتصنيف الكتب وتبويبها واستخدام النظام الرقمي الحديث وكافة الوسائل المعاصرة الحديثة، بحيث تكون المكتبة ذات ألق جميل تفي بحاجة الجميع ورغباتهم في القراءة والاطلاع لشتى العلوم الواسعة.
0 comments:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.