(جريدة الدستور الأردنية، 14 مارس 2012)
صدور الجزء الأول من «الرسائل الكاملة» لهمنغواي
عمان ـ الدستور
بعد طول انتظار صدر الجزء الأول من مجموعة الرسائل الكاملة للكاتب الأميركي أرنست همنغواي لتشمل الفترة من عام 1907 وحتى 1922 في كتاب من تحرير ساندرا سباينر وروبرت تورجدون، وتتكون المجموعة من 12 جزءا لرسائل صاحب نوبل للآداب عام 1954، وأحد أعظم الكتاب الذين أنجبتهم الإنسانية.
ويقدر عدد الرسائل التى كتبها همنغواي بسبعة آلاف رسالة على مدى حياته، التى انتهت بإطلاق النار على نفسه يوم 2 تموز 1961. وتتدفق كلمات الرسائل بعفوية وعنفوان عبر الكتاب الأول ناطقة بعبقرية وحضور ومرح صاحب «العجوز والبحر» وغضبه أيضا، بلا تحفظات أو محاولات لكبح جماح النفس والرقابة على الذات.
وتكشف الرسائل بهذا الجزء عن مشاعر الروائي الأميركي المبدع حيال فقد بعض مخطوطاته عام 1922، غير أن الطريف ما تضمنه الكتاب من رسائل كتبها وهو طفل لوالده، ومن بينها رسالة كتبها وهو في الثامنة عن «بطة» فضلا عن رسائل لزوجته الأولى هادلي.
وتمضى الرسائل لتفصح عن مشاعر همنغواي أثناء الحرب العالمية الأولى التي أصيب فيها، وعلاقته مع الممرضة أجنيز فون كوروسكي، التي تزوجها خريف 1921 وصور ملامحها في عمله الروائي الشهير «وداعا للسلاح».
إنها رسائل ممتعة حقا، وحافلة بالتفاصيل الدالة، فبعضها يقدم الطفل المطيع همنغواي المولود عام 1899 في بيت منضبط إلى حد التزمت بالغرب الأوسط الأميركي، وهو يناشد أمه أن تسمح له بارتداء البنطلون الطويل مثل بقية رفاقه بالمدرسة، وبعضها ينطق بكرم وأريحية همنغواي، ومدى تقديره لقيمة الصداقة في الحياة.
وبقدر ما تكشف الرسائل الكاملة لكاتب رائعة «لمن تدق الأجراس» عن شخصية جذابة وظريفة، فإنها تشير أحيانا إلى الشعور الكبير للكاتب بذاته، بما قد يراه البعض تفخيما للذات وإطراء للنفس مبالغا فيه من صاحب «العجوز والبحر».
وإذا كان البعض قد لاحظ منذ وقت طويل أن الكاتب الأميركي سكوت فيتزجيرالد تمتع بالقدرة على التجدد فإن «صديقه اللدود» همنغواي، كما ذهب بعض مؤرخي الأدب، كان يتميز غيظا بسبب هذه القدرة المستمرة على الانبعاث والتجدد والتي تجعل شمس فيتزجيرالد تشرق دوما، بينما يمر همنغواي بفترات كسوف وتراجع.
غير أن النظرة الأكثر إنصافا التي تبناها الآن فريق من نقاد الغرب، تؤكد أن همنغواي لم يعدم بدوره القدرة على التجدد، وأنه كلما توارى كانت شمسه تشرق من جديد، والأكثر أهمية أن حضوره الإبداعي كان عملاقا ولا يمكن لفيتزجيرالد أو غيره أن ينحيه جانبا ويدفعه لمنطقة الظل.
ومن هنا فعندما شعر همنغواي، عاشق المغامرات وكوبا وباريس، بشكوك حيال قدرته على الاستمرار فى توهجه الإبداعي، كان لابد لكاتب عملاق مثله أن ينتحر مثلما انتحر والده الطبيب من قبل والمولع بالصيد مثله.
وكانت بعض رسائل همنغواي بالفترة ما بين عامى 1917 و1961 قد ظهرت من قبل فى كتاب من ألف صفحة لكارلوس بيكر، غير أنه لابد وأن يوصف بالتواضع البالغ بالمقارنة مع هذا الصرح الجديد الذى ظهر مجلده الأول ضمن مجموعة من 12 مجلدا لكاتب «روابي أفريقيا الخضراء».
إنه همنغواي الذى جسد معنى البسالة في الكلمة والحياة، وعمد لتمجيد قوة الإنسان وقدراته الفذة، وهذه رسائل صاحب «لمن تدق الأجراس؟» تشهد على أن أجراس المجد في تاريخ الأدب لابد وأن تدق دائما لكاتب «ثم تشرق الشمس».
0 comments:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.