(الجزيرة نت، 16 فبراير 2012)
"سودان بوك شوب" تصارع للبقاء
على رفوف مكتبة سودان بوك شوب بالخرطوم، يغطي الغبار عددا من الكتب المنسية منذ نحو خمسين عاما، تلك المكتبة العريقة التي فتحت أبوابها قبل 110 أعوام تصارع التحولات ونمو الثقافة الاستهلاكية، وقد تمر ثلاثة أسابيع دون بيع كتاب واحد منها، على ما يقول مدير المكتبة العام الطيب محمد عبد الرحمن الذي يزاول هذه المهنة منذ عقود.
وتقع "سودان بوك شوب" في شارع صغير وسط الخرطوم، وتعكس "ثقافة الكتب" التي نشأت في ظل الاستعمار البريطاني والوجود المصري، في السنوات التي تلت الاستقلال أي بعد عام 1956، على ما يقول المؤرخ عبد الله علي إبراهيم الذي يؤكد أن "من المحزن جدا" رؤية المكتبة تتداعى مع تداعي دور الكتاب في المجتمع السوداني.
والتنزه داخل المكتبة أشبه بالتنزه داخل متحف، فبالقرب من المدخل الرئيسي نجد الكتب الإنجليزية ومنها نسختان من كتاب "بتر كريكت فور بويز"، الذي صدر سنة 1965، ويحوي صورا بالأبيض والأسود عن تقنيات لعب الكريكت.
ومن بين هذه الكتب أيضا كتاب "مشكلة الاتحاد السوفياتي في العالم العربي" ونسخ من "ذي جنغل بوك" ونسختان من الكتاب الطبي "بروكتولوجي". ولكن الكتب ليست كلها قديمة، على ما يؤكد عبد الرحمن، الذي يبيع أيضا دراسات أكاديمية جامعية صدرت في العقد الأخير وقواميس حديثة.
أما الكتب العربية فعددها أكبر، وهي مكدسة على رفوف معنونة "كتب إنجليزية"، وإلى يسار الباب الرئيسي نجد القرطاسية، التي تضم مفكرات حمر مغطاة بالغبار تعود إلى العام 1988، ووسائل لتنظيف آلات الطباعة وأشرطة لاصقة.
محاولات للصمود
لكن إقفال المكتبة التي تعود إلى 110 أعوام -ويعتقد عبد الرحمن البالغ من العمر 62 عاما أنها الأقدم في السودان "وفي أفريقيا ربما"- ليس واردا، ويقول "إنه مكان شهير، والكثيرون يقولون له: أرجوك افعل ما في وسعك للحؤول دون إقفال المكتبة".
ويتابع "كانت المكتبة واجهة هذه المدينة. أما اليوم فهناك مطاعم ومراكز تجارية مكتظة جدا". ويؤكد صاحب سودان بوك شوب أنه رأى وثائق تؤكد أن المكتبة فتحت أبوابها سنة 1902. وقد تولى ثلاثة من رجال الأعمال البريطانيين إدارتها في بداياتها، قبل أن تنتقل ملكيتها إلى الحكومة السودانية في أواخر الستينيات ثم إليه.
ويؤكد عبد الرحمن -الذي مرض أخيرا فاضطر إلى إقفال المكتبة مؤقتا- على الأقل "كان القادة في تلك الحقبة يأتون إلى هنا لقراءة الكتب وشرائها". مشيرا إلى أن كتب اللغة الإنجليزية والقرطاسية كانت تأتي من لندن، فيما كانت المجلدات العربية تأتي من لبنان ومصر، وكانت كتب سودانية عدة تطلب من أوروبا وبلدان أفريقية أخرى.
ويشك المؤرخ إبراهيم في أن تكون "سودان بوك شوب" الأقدم في القارة الأفريقية، لكنه يرجح أن تكون أول مكتبة أنشئت في السودان، وقد تكون أيضا أول مكتبة باعت كتبا عربية، والتي انتشرت في الأربعينيات مع بروز الحركة القومية السودانية.
ويقول "كان المفكرون في الثلاثينيات يحبون الاختلاط بالبريطانيين وقراءة وشراء الكتب نفسها التي يقرؤها ويشتريها هؤلاء"، وبحلول الستينيات نشأت أربع مكتبات بريطانية مهمة في وسط المدينة قرب نهر النيل، لكن بعضها زال وبعضها الآخر يتداعى مثل "سودان بوك شوب".
وحسب عبد الرحمن فقد زاد من معاناة المكتبة قلة الإقبال، حيث "لم يعد الكثيرون اليوم يبحثون عن كتب أو قرطاسية كما في الماضي". ويعزي السبب إلى بروز التكنولوجيات الحديثة والإنترنت وإلى الوضع الاقتصادي الصعب في السودان.
ويؤكد أن المداخيل انخفضت بشكل ملحوظ، فيما ارتفعت تكاليف إدارة المكتبة، التي لا يكفي مدخولها ليغطي فاتورتي الهاتف والكهرباء والإيجار الشهري البالغ 1800 دولار تقريبا.
ثقافة القراءة
أما المؤرخ عبد الله علي إبراهيم -الذي تابع دراسته في الولايات المتحدة وترشح للانتخابات الرئاسية في السودان عام 2010- فيقول إن "المكتبة تدهورت بشكل كبير، وهي تبدو مهجورة"، مشيرا إلى أن الشعور القومي الذي برز بعد الاستقلال أدى إلى تراجع دور اللغة الإنجليزية في النظام التعليمي المحلي.
وبحسب الأمم المتحدة، تبلغ نسبة من يعرفون القراءة والكتابة في السودان 61% فقط. ويقول إبراهيم "كان الأدب الإنجليزي مرغوبا جدا هنا، لكن الوضع مختلف اليوم، فقد زالت أفكار القومية والاشتراكية والماركسية، التي ساهمت حتى الستينيات في ازدهار مبيعات الكتب.
ويبدي إبراهيم أسفا بالغا لزوال ثقافة القراءة من المجتمع السوداني، أما صاحب سودان بوك شوب فلا يفقد إيمانه بالكتب على الرغم من التقلبات التي يشهدها عمله كمدير للمكتبة ويقول "أنا، الطيب عبد الرحمن، أعتقد أن لا شيء أهم من الكتاب".
0 comments:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.