أنهيتُ قبل قليل قراءة الكتاب الشائق "اليهود في الخليج" للباحث الكويتي يوسف علي المطيري، والصادر عن دار مدارك عام 2011 في 321 صفحة من القطع المتوسط.
الكتاب في الأصل أطروحة نال عليها الباحث شهادة الماجستير، ويتناول موضوعًا قد يكون طُرح من قبل، ولكن في مقالات متفرقة وحدود جغرافية معيّنة، إلا أنها المرة الأولى على حد علمي التي يُنشر فيها بحث متكامل عن اليهود في الخليج العربي ككل.
يتعرّض الباحث لأوضاع اليهود في الخليج من حيث بداية استقرارهم، والعوامل التي شجعتهم على الاستقرار في الخليج، وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وعلاقاتهم بالسلطات المحلية والأجنبية وعلاقتهم بالحركة الصهيونية، وأخيرًا هجرتهم نهائيًا من الخليج (ما عدا مملكة البحرين التي ما يزال فيها بعض اليهود البحرينيين). ويتضح من خلال الكتاب أنهم استقروا في عُمان والكويت والبحرين والإحساء.
بطبيعة الحال من الصعب تلخيص دراسة تاريخية هنا، ولكن سأكتفي ببعض الملاحظات. لا بدّ أولا من توجيه الشكر للباحث على جهده الواضح في تتبع المعلومات من مصادر عديدة، وهذا يُحسب له. وكنتُ شخصيًا أتمنى لو أورد الباحث بعض السطور عن منهجية البحث والمصاعب التي واجهها [في تواصل شخصي مع المؤلف ذكر لي بأنه ينوي كتابة ذلك في مقدمة الطبعة الثانية]. وعند ذكر طرق البحث تتبادر إلى الذهن أسئلة كثيرة، قد يكون أهمها التالي: لماذا لا توجد سوى مقابلةٍ شخصية واحدة مع أحد اليهود الذين عاشوا في الخليج؟ هذا ليس تشكيكًا في مصداقية البحث وإنما تساؤل مشروع لا بدّ أنّ الباحث أجاب عنه في أطروحته [التي تختلف بالطبع عن الكتاب]، إضافة إلى أنّ نشر أو استخدام المقابلات البحثية يعتمد على مدى أهمية المعلومات التي أنتجتها. والسؤال الأهمّ: هل فكّر الباحث في زيارة إسرائيل للقاء بعض اليهود الذين عاشوا في الخليج؟ ربما تكون هناك محاذير أمنية/سياسية ولكن يحقّ لنا أن نتساءل كيف كان يُمكن أن يؤثر ذلك في البحث. لا شكّ في أنّ لدى هؤلاء الكثير مما يُقال. ماذا عن جيران اليهود في البحرين والكويت [لأن اليهود في عمان والإحساء هاجروا منذ زمن بعيد]؟ ما الذي يُمكن أن يضيفه هؤلاء من قيمة إلى المحتوى المتعلق بالاوضاع الاجتماعية لليهود في الخليج؟ مرة أخرى، ليست هذه محاولة انتقاص من البحث، لكنها تساؤلات أثارها هذا البحث الجميل. إضافة إلى ذلك فإنّ اليهودي الذي قابله الباحث في أميركا واحد من أهم الشخصيات اليهودية التي عاشت في الخليج، ومن الواضح أنّ الباحث استفاد كثيرًا من مقابلته [ولذلك أتساءل عن كمية المعلومات التي يمكن الحصول عليها من يهود آخرين في إسرائيل مثلا].
من النقاط الإيجابية التي تُحسب للمؤلف موضوعيته الشديدة في التحليل وإثبات الأحداث، فمهما كانت تحيزاته السياسية والقومية إلا أنه استطاع تغييبها في كتابة البحث. فمثلا، لا يحاول كثيرًا تبرير الاعتداءات التي وقعت على اليهود بُعيد قرار تقسيم فلسطين وقيام إسرائيل، ولا يتردد في ذكر التحريضات التي كانت تنشرها بعض المجلات العربية ضد اليهود في الكويت والبحرين.
ختامًا أقول بأنه بحث ممتاز يستحق القراءة لتسليطه الضوء على موضوعٍ مثير للاهتمام وسدّه فراغًا معرفيًا فيما يتعلق بأوضاع الأقليات اليهودية في الخليج.
1 comments:
قراءة جميلة صديقي أحمد ..
أتمنى أن أقرأهُ قريباً.
كل الشكر.
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.