31 مايو 2010

زيارات مكتبية/مبادرات: بائع الكتب في الأردن

قبل أيام كنت في زيارة عمل إلى الأردن الجميل لأول مرة، وحاولتُ أن أسرق بعض الوقت لأستكشف معالم عمّان، ولم أوفق كثيرًا، إلا أنني استطعت التجول في وسط البلد لساعتين تقريبًا.

كثيرة هي الأشياء التي راقتني في عمّان، إلا أنني وددتُ أن أسجّل ملاحظتي عن بائعي الكتب في سوق البخارية في وسط البلد. هناك الكثير منهم على الأرصفة وفي أكشاك صغيرة، والكتب تتفاوت ما بين القديمة النادرة والجديدة جدًا، وبأسعارٍ معقولة، رخيصة أحيانًا إن لم تكن سائحًا.

ولكنّ الذي شدّني أكثر من غيره بائع الكتب الظاهر في الصورة أعلاه. لديه كشك صغير ممتلئ بالكتب في شتى المجالات، وإن أنت جاذبته أطراف الحديث سيخبرك بأن لديه في مخزنه كتبًا نادرة قديمة من المكتبة البريطانية القديمة التي أغلقت بعد الاستقلال.

هناك مبادرة رائعة يقوم بها هذا البائع الذي يريد الربح ولكنه يريد نشر القراءة أيضًا. سألته عن كتاب لعبدالوهاب المسيري فأحضره لي وقال بأن سعره 8 دنانير أردنية. وجدتُ السعر أكبر مما توقعت، فقال لي: "إن لم ترغب في شرائه بهذا الثمن يمكنك أخذه وقراءته وإرجاعه إليّ بعد شهر" فسألته: "وبكم؟"، فقال" دينار واحد".

هل يمكن أن تجد في مكتباتنا من يقوم بذلك؟؟
شكرًا لك يا بائع الكتب الأردني البدوي الذي نسيتُ اسمه للأسف، وكم أتمنى أن نجد مثلك في بلادنا.

لقراءة نصّ الموضوع كاملا»

حفل توقيع للكاتبة (هدى الجهوري)


تقيم الكاتبة العمانية (هدى الجهوري) في مساء الغد الثلاثاء 1 يونيو 2010 حفل توقيع للطبعة الثانية من روايتها "الأشياء ليست في أماكنها"، وذلك في الساعة السابعة والنصف مساء بمركز سيتي سنتر "الحيل"، وذلك إلى جانب "صالون سبلة عمان الثقافي" الذي يقيمه موقع سبلة عمان مرة كل شهر.

جدير بالذكر أن هذه الرواية فازت بالمركز الأول في جائزة الشارقة للإبداع العربي في دورتها الماضية، كما فازت أيضًا بجائزة أفضل إصدار روائي لعام 2009 في جائزة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، وقد نفدت نسخ الطبعة الأولى في معرض الكتاب الماضي.

لقراءة نصّ الموضوع كاملا»

22 مايو 2010

إهداءاتكم: ستة كتب لمن يطلبها أولا

أجمل ما في الخير أنه يجرّ بعضه بعضًا، وأنا هنا أعطي الحق لنفسي في أن أسمي إهداء الكتب خيرًا.

في مبادرة رائعة كريمة أسعدتني كثيرًا كثيرًا، أرسل إليّ أحد الأصدقاء رسالة يخبرني فيها بأنه يريد تقديم إهداءات لقرّاء مدوّنة "أكثر من حياة"، ثم ما لبث أن أرسل إلي بقائمة الكتب التي يودّ إهداءها.

كم رائعٌ أن تجد كرمًا من هذا النوع، لا يريد صاحبه من ورائه جزاءً ولا شكورًا. له موقع إلكتروني ولكنه لم يقدّم الإهداءات من هناك، بل اختار أن تظلّ شخصيته غير معروفة.

إذن فقد بدأت الإهداءات منكم الآن، ولم تعد مقتصرة على صاحب المدونة. شكرًا أيها الصديق الكريم، وعسى أن تكون هذه سنة حسنة يُحسب لك أجر من اتبعها.


ستذهب الإهداءات (نسخة من كل عنوان) إلى من يأتي أولا. الرجاء كتابة تعليق بالكتاب المرغوب مع ذكر الاسم الحقيقي أو المستعار، ثم بعد ذلك مباشرة إرسال رسالة إلكترونية إلى amueini@gmail.com فيها الاسم والعنوان البريدي كاملا.

إليكم قائمة الكتب:


1- مجموعة قصصية بعنوان "غبار" للقاصة العمانية بشرى خلفان


2- رواية "الأحمر والأصفر" للقاص والروائي العماني حسين العبري


3- كتاب "يا عزيزي كلنا ضفادع" للقاص العماني سليمان المعمري


4- مجموعة قصصية بعنوان "المجنون" للقاص العماني ناصر الرواحي


5- مجموعة قصصية بعنوان "رائحة لم ينتبه لها أحد" للقاص العماني سعيد الحاتمي


6-كتاب بعنوان "قصص من الواقع" لمحمد صالح إسحاق



لقراءة نصّ الموضوع كاملا»

18 مايو 2010

إصدارات: كتاب "حال الأمة العربية 2009-2010"


صدر مؤخرًا عن مركز دراسات الوحدة العربية كتاب "حال الأمة العربية 2009-2010: النهضة أو السقوط" لمجموعة من الباحثين، وإليكم نبذة عنه جاءت في موقع المركز:

يتناول هذا الكتاب - التقرير حال الأمة العربية 2009-2010 النهضة أو السقوط، فقد بدأ بأوائل العام 2009 من حيث انتهى التقرير السابق عليه، وامتد بتحليلاته إلى نهاية الربع الأول من عام 2010.
ووفاقاً للمنهج المتّبع في إعداد هذا النسق التقريري منذ سنوات، فإنه ليس عملاً مَسْحيّاً، وإنما يتّبع نهجاً رصدياً، تحليلياً، لمفاصل الأحداث، ويركز على أهم القضايا من وجهة نظر فريق إعداد التقرير.
وعليه، فإن هذا الكتاب – التقرير يقع في اثني عشر قسماً، تغطي الإطارين الدولي والإقليمي، وقضايا النظام العربي، والصراع العربي – الإسرائيلي، والدراسات القطرية، فضلاً على تطور الاقتصادات العربية.
ما يذكر في هذا التقرير، أنه استعاد هذا العام تقليد المعالجة المستقلة لقضايا التطور الديمقراطي في الوطن العربي، وأضيف إليه قسم عن اليمن لما استجدّ به من تطورات، وقسم ثانٍ عن المشهد الفكري العربي ، رُؤي أنه ضرورة لاستكمال النظرة الشاملة لحال الأمة.
وقد أظهر رصد القضايا وتحليلها لهذا العام (2009-2010) أن حال الأمة ونظامها الرسمي في أسوأ حال. حيث لم يكن في مقدور النظام العربي أن يرتفع إلى مستوى التحدي باستجابات جديدة فاعلة يملك أوراقها، وهو ما زال عاجزاً، حتى الآن، عن التوظيف الأمثل للتطورات الإيجابية في بيئته الإقليمية، كما بدا في موقف المتفرج من كل ما يحدث له، وما يدور حوله، بل إن آليات التفكيك لم تعد قاصرة على مجمل العلاقات بين الدول العربية الأعضاء في النظام العربي فحسب، وإنما امتدت إلى داخل هذه الدول ذاتها لتهدد الدولة القطرية.
في هذا الجو القاتم الذي ينذر بالسقوط والانهيار، يسطع المشروع النهضوي العربي، الذي أطلقه مركز دراسات الوحدة العربية، حديثاً، على أمل أن تضيء أفكاره الطريق لانعتاق الأمة من الهوان الذي وضعها فيه نظامها الرسمي، والرجاء أن تسهم كافة القوى الحية في الأمة في مناقشة هذا المشروع، وأن تعطي هذا الحدث حقه الواجب من اهتمامها، من أجل مستقبل عربي أفضل.



لقراءة نصّ الموضوع كاملا»

16 مايو 2010

إصدارات: كتاب عماني جديد بطريقة برايل


قرأتُ خبرًا جميلا اليوم في جريدة "الشبيبة" العمانية حول إصدار كتابٍ عماني بطريقة برايل للمكفوفين، وهي بادرة رائعة أتمنى أن تتكرر كثيرًا في بلادنا العربية. من حق إخوتنا المكفوفين أن يستمتعوا بالكتب أيضًا. يمكنكم قراءة الخبر كاملا أدناه:

أكد رئيس جمعية النور للمكفوفين بمحافظة ظفار عوض بن محمد شروبه أن الجمعية تستعد حاليا لإقامة حفل خاص لتوقيع كتاب بطريقة برايل ويضيف عوض أنه تم التنسيق مع الكاتب هلال بن عبدالله العريمي والجمعية الخيرية للمكفوفين بالمملكة العربية السعودية لطباعته حيث سيتم توزيعه على جمعيات المكفوفين الموجودة بالسلطنة وأيضا جمعيات دول مجلس التعاون الخليجي.

تستعد جمعية النور للمكفوفين بمحافظة ظفار لإقامة حفل توقيع أول إصدار أدبي لكاتب عماني يطبع بطريقة برايل ليتمكن الكفيف من قراءته باللمس وحمل عنوان الكتاب "سوالف دنيا ودين" للكاتب والمؤلف المسرحي هلال بن عبدالله العريمي ويحتوي الكتاب على خواطر ومقالات أدبية دينية.

جدير بالذكر أن هذا الكتاب يعتبر بادرة أولى من البوادر الطيبة للكتاب والمثقفين العمانيين في طباعة مثل هذه الكتب والتي تهم شريحة مهمة في المجتمع وفي انتظار الإصدارات القادمة.

يذكر أن في عمان 600 كفيف وأمثال هذه الكتب تختلف عن الكتب العادية حجما وتكلفة وتعتبر مرجعا في مكتبات فروع جمعيات المكفوفين بواقع 2 أو 3 كتب في كل مكتبة.

لقراءة نصّ الموضوع كاملا»

15 مايو 2010

قراءات: كتاب "مسألة الهوية" لـ(محمد عابد الجابري)



(نُشر هذا العرض في ملحق شرفات بتاريخ 10 مايو 2010)

بين زيف الهُوِيّة وقلق المستقبل
عرضٌ لكتاب "مسألة الهوية"


أحمد حسن المعيني


رحل (محمد عابد الجابري)!
وهكذا خسرنا واحدًا من ألمع المفكرين العرب وأكثرهم ممارسة وإنتاجًا للفكر العقلاني والمنهجية البحثية الرصينة، ذلك المفكر صاحب السلسلة المهمة الشهيرة "نقد العقل العربي" وغير ذلك من الدراسات الكثيرة في التراث الإسلامي وفلسفة ابن رشد والفكر العربي والإسلامي المعاصر. من يقرأ للجابري يعرف أنه بصحبة رجلٍ يُتقن ترويض الفكرة والجملة، يقدّم لك أعتى الأفكار وأكثرها عمقًا في جملٍ بسيطةٍ واضحة. أعترف للقارئ الكريم بأنّ هذا المقال لا يرقى –كمًا ونوعًا- للحديث عن مفكر حقيقي مثل الجابري، ولكن ما أصبو إليه في حقيقة الأمر هو تقديم جانبٍ آخر من كتابات الجابري. المثقفون وأفراد النخبة من الوطن العربي يعرفون كتابات الجابري بوصفها إنتاجًا فكريًا فلسفيًا نقديًا ذا محتوى عميقٍ ثقيل بعض الشيء، ولذلك لا تنتشر كتبه كثيرًا بين العامة. بيد أنّ الجابري له بعض الكتب التي كتبها لـ"سلسلة الثقافة القومية" التي أصدرها (مركز دراسات الوحدة العربية)، وهي سلسلة من الكتب الموجّهة أساسًا للقارئ العام غير المتخصص، والشباب الجامعي الذي يحتاج إلى استيعاب القضايا الكبرى المتعلقة بالوطن العربي ككل. هي كتبٌ صغيرة بحجم الجيب، مكتوبة بأسلوبٍ بسيط واضح يسهّل استيعاب الفكرة تناقش قضايا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والوحدة والهوية والتقانة والتنمية والتعريب والصراع العربي-الإسرائيلي إلى غير ذلك من قضايا الأمة العربية. شخصيًا أرى أنّ كل مكتبةٍ عامةٍ وجامعيةٍ في الوطن العربي ستقدّم خدمة كبيرة للشباب العربي بتوفيرها هذه السلسلة. اليوم نستعرض كتابًا من الكتب الأربعة التي كتبها الدكتور الجابري في هذه السلسلة، وهو كتاب "مسألة الهوية: العروبة والإسلام..والغرب" الصادر في طبعته الأولى عام 1995 وفي طبعته الثالثة التي بين يديّ عام 2006 في 197 صفحة.

يحتوي الكتاب على مدخلٍ وثلاثة أقسام يتضمن كل منها مباحث قصيرة في موضوع معين. أما المدخل فهو تقديم مميز وضروري للوقوف على أهداف الكتاب ومبررات البحث في مواضيعه. ويبدأ الجابري بالسؤال "ما العربي؟" فيبيّن أن هُوية العربي ليست واحدة، بل هي صورة تتحدد بحسب وعي الشخص والموضع الذي يرى تلك الصورة فيه، فالأوروبي الذي تتشكل معرفته من وسائل الإعلام الغربي يربط العربي بالنفط والإرهاب والعمالة المهاجرة، في حين ينظر العربي المقيم في الغرب للعمل أو الهجرة أو اللجوء السياسي إلى "العربي" بوصفه شخصًا مضطهدًا، أما العربي المشرقي فقد يعرّفه بأنه جزء من الأمة العربية التي تسبب الغرب وإسرائيل في تقسيمها وإضعافها، وأما العربي المغربي فقد يعتبر العربي مسلمًا يستغله الأوروبيون المسيحيون ويحاربونه في دينه. وبعد التحليل يتوصل الجابري إلى أنّ العربي هو أن يكون الإنسان "عروبيا" أي مهتمًا بالوحدة العربية وقضاياها ومستقبلها.

في القسم الأول من الكتاب يعرض المؤلف المشكلة الموجودة في الفكر العربي وهي تلك الأصوات التي تضع في إطروحاتها عن الهوية ثنائية العروبة/الإسلام بحيث يبدو أحدهما في مواجهة الآخر، وأنه يجب اختيار أحدهما ليكون المحدد الأساسي لهويتنا. ولا ينكر الجابري أن هناك أطروحات معتدلة تبرز التكامل بين الاثنين ونفي تناقضهما، من قبيل "العرب مادة الإسلام"، إلا أن ذلك في رأي الجابري لا يصل إلى عمق المسألة بل في الحقيقة ينحاز إلى العروبة ويمنحها الأولوية على الإسلام. ويناقش المؤلف إطروحات القائلين بعروبة الإسلام والأطروحات المضادة القائلة بعدم عروبته رغم عروبة القرآن والرسول، ويتبين أن هناك طرفًا يقدّم القومية، وطرفًا يقدّم الدين، وبأن ثنائية العروبة/الإسلام لا يمكن إيجاد حل وسط لها بسبب تكافؤ أدلة الطرفين. ولكن القضية الأساسية في رأي الجابري لا يجب أن تكون ترجيح طرف على طرف، بل إعادة النظر في جميع الآراء ومساءلتها.

بعد ذلك ينفذ الجابري إلى أصل المشكلة بقوله إن سوء التفاهم الحادث بين أصحاب الأطروحتين هو في حقيقته نتيجة لاختلاف المرجعية المعرفية لدى كل طرف؛ فأصبح كل منهما يرى العروبة والإسلام بشكل مختلف. في المرجعية التراثية يتحدد مفهوم "العربي" بالتعاريف اللغوية القديمة التي تجعل فصاحة اللسان هي المحدد للعروبة، وبالنسب التاريخي، وهكذا فإن من يفكر في مفهوم "العربي" من هذه المرجعية لا يستحضر "الإسلام" بالضرورة، فالإسلام شيء آخر أتى محلّ العروبة (الإسلام يجبّ ما قبله). والإسلام في هذه المرجعية دينٌ لا يمكن أن يوضع في ثنائية مقابل العروبة، لأن ما يوضع مقابل الإسلام لا بد أن يكون دينًا أو فلسفة منافسة. أما في المرجعية النهضوية في المشرق العربي فمفهوم "العربي" مرتبط بالعلاقة مع الآخر: التركي الذي يهدد العروبة بسياسة التتريك، والمستعمر الإمبريالي المسيحي الذي يهدد الإسلام، وهكذا لم يكن هناك تضاد بين العروبة والإسلام وإنما اجتهاد في تقرير أيهما يجب الذود عنه أولا. أما في المغرب العربي فكان الآخر واحدًا هو المستعمر الأوروبي المسيحي الذي يهدد الإسلام بعمليات التنصير والعروبة بتفريق البربر عن العرب، فأصبحت العروبة والإسلام شيئا واحدًا هو الهوية الوطنية التي يجب الحفاظ عليها. والإسلام تبعًا لهذه المرجعية يتخذ ثلاثة أشكال: الإسلام كنموذج مثالي، والإسلام التاريخي كما مارسه السلف، والحضارة الإسلامية، وجميع هذه الأشكال لا تصلح حقيقة لأن توضع في تقابل وتضاد مع العروبة. وبذلك يخلص الجابري إلى أن ثنائية العروبة/الإسلام لم تكن سوى قضية سياسية زالت وأصبحت الآن "قضية أيديولوجية مزيفة" (ص50)، وإذن لا معنى أبدًا لأن يُوضع الاختيار بين العروبة والإسلام.

وفي المباحث التالية يناقش الجابري أطروحات القومية والوحدة العربية مستنتجًا أنّ الدولة القطرية (المجزئة) أصبحت واقعًا دوليًا واجتماعيًا واقتصاديًا ونفسيًا لا يمكن معه الاستمرار في حلم الوحدة العربية الشاملة، كما يؤكد المؤلف على ضرورة ربط الديمقراطية بالفكر القومي، ثم ينقض الأطروحة القائلة بضرورة وجود دولة تكون قاعدة للوحدة العربية تتبعها جميع الدول الأخرى. بيد أنّ الجابري يعود ليؤكد على ضرورة الوحدة الجزئية التي تُبنى على أساس التعاون والتكامل وتحقيق المصالح والحاجات.

أما القسم الثاني فيتحدث عن المستقبل العربي، ويبدأ بتحديد أساسيات التفكير في المستقبل، حيث لا بد أولا من معرفة أن "كل تفكير مستقبلي هو في جزء منه، على الأقل، عبارة عن بناء علاقة جديدة مع ‘الآخر’، أعني الطرف المزاحم في الماضي والحاضر، أحدهما أو كليهما، فضلا عن كونه المنافس في المستقبل" (ص91)، وبأن تفكير العرب في المستقبل يستحضر دومًا صورًا من ماضيهم الحضاري، إلا أنّ هذا الاستحضار لا بد أن يرافقه استحضار لماضي الآخر (إسرائيل والغرب) أيضًا لمعرفة طريقة تفكيره في المستقبل ومزاحمتنا عليه. بعد ذلك يستعرض المؤلف نظرة إسرائيل (اليهود) إلى المستقبل حيث هو بالنسبة إليها مصير جماعي يتحقق بخلاص بني إسرائيل، في حين يعتقد الفكر المسيحي البابوي أن تجسد الإله في شخص عيسى (عليه السلام) بداية لتاريخ جديد ومستقبل جديد للبشرية كلها يتحقق بدولةٍ عالمية ذات سلطة مركزية تحكم جميع البشر. وينبّه المؤلف على أنّ توجه الغرب إلى العلمانية لم يكن في حقيقته سوى إحلالا لـ"الغرب" مكان الكنيسة، حيث إن الفكر الأوروبي الذي عبّر عنه فلاسفته (مثل كانط وهيغل ومونتسيكو) ينظر إلى أوروبا على أنها مركز التاريخ وتمام نضجه وأوج تقدمه (قارن ذلك بمقولة نهاية التاريخ لفوكوياما). ويشير الجابري إلى أنّ "الوعي بالذات-في الثقافة الأوروبية خاصة- إنما يتم عبر ‘الآخر’" (ص127)، وهكذا كان لا بدّ من تحديد هذا الآخر وتفكيكه وإقصائه وتحويله إلى تابع، وهذا ما فعله الاستشراق حين أقصى الشرق جغرافيًا وعرقيًا وعقليًا وحضاريًا.

لذلك يرى الجابري أنّ تفكير العرب في مستقبلهم وعلاقتهم بالآخر يجب أن يستحضر الخلفية الثقافية الدينية للغرب العلماني الذي –في لا وعيه على الأقل- يرى الإسلام ذلك المنافس التاريخي في الماضي، وأكثر المرشحين ليكون عدوًا في المستقبل. بعد ذلك يقول الجابري أن تفكير العرب يجب أن يبتعد عن السذاجة التي تصوّر لهم أن الغرب سيكون حليفًا وصديقًا، فهذا الغرب مهتم بالشرق الأوسط لسببين أولهما الموقع الاستراتيجي "الذي يجعل منه ممرا ضروريا للغرب إلى كل من آسيا وافريقيا يجعل مصلحته الأكيدة في امتلاك هذا الممر، في الهيمنة عليه، في إضعاف أهله، في تشتيت صفوفهم، في تجزئة وطنهم، في منعهم من الأخذ بأسباب القوة والمنعة، في مراقبته لهم مراقبة مستمرة" (ص144)، وثانيهما كونه أكبر مخزون في العالم للنفط الذي يرى الغرب ضرورة استمرار تدفقه إليه لتستمر حضارته، ويرى بأن هذا النفط من حقه لأنه اكتشفه وصنعه، وهكذا يجب أن يحصل عليه دائمًا و"‘بسعر معقول’ للحفاظ على ‘نمط الحياة الغربية’" (ص145).

أما القسم الثالث فيركز على صورة العرب والمسلمين كما تشكلها وسائل الإعلام الغربية، ويرى الجابري أن صورة الإسلام تتشكل في (أو ترتبط بـ) ثلاثة أبعاد هي العرب والهجرة والإرهاب. وهكذا فالإسلام هنا مرتبط بفئة محددة من المسلمين هم تارة العرب وتارة المهاجرين وتارة الإرهابيين. في البعد الأول نلاحظ أن الإعلام الغربي في تصويره للإسلام لا يتحدث عن نيجيريا وإندونيسيا مثلا، بل العرب وإيران، كما لا يتحدث عن المسيحيين والأقليات العرقية والدينية الأخرى. إذن فكما يقول الجابري "ما يجمع بين العرب والإسلام في الصورة التي تقدمها عنهما وسائل الإعلام الغربية هو شيء آخر يقع خارج المعنى الديني لـ‘الإسلام’ والمفهوم العرقي لـ ‘العرب’، شيء يجمع إيران إلى العرب ويفصل عنهما باقي المسلمين. إنه نفط الشرق الأوسط" (ص170). وفي البعد الثاني نلاحظ أن الإعلام الغربي ينظر إلى المهاجرين على أنهم خطر يهدد فرص العمل والهوية من ناحية، وأنهم ضرورة لحل مشكلات العمل والتوازن السكاني من ناحية أخرى. وفي البعد الثالث نلاحظ خطاب الخوف من الإسلام وربطه بالإرهاب رغم أن الإرهاب ظاهرة عالمية لا تُربط أفعالها بديانات مرتكبيها في الحالات الأخرى. وبعد التحليل يخلص المؤلف إلى أن الترابط بين الإسلام من جهة وبين العرب والمهاجرين والإرهاب من جهة هو ارتباط زائف غير مبرر. بعد ذلك يتحدث الجابري عن آليات العقل الأوروبي فيبين أن هذا العقل "لا يعرف الإثبات إلا من خلال النفي، وبالتالي لا يتعرف إلى الأنا إلى عبر الآخر" (ص183)، فالمسيحية تعرفت إلى أناها في القرون الوسطى بوضع الإسلام موضع الآخر الخصم، وفي العصر الحديث وضع الغربُ الشرقَ في مكان الآخر، ثم الاتحاد السوفييتي النقيض الاقتصادي الاجتماعي للغرب. ومن جهةٍ أخرى يوضح الجابري أن العقل الأوروبي يحبّ وضع التصورات أو السيناريوهات للمستقبل ثم يأخذ أرجحها، وهكذا فما إن انهار الاتحاد السوفييتي حتى بحث "صانعو السيناريوهات" عن الآخر العدو المحتمل الجديد، فلم يكن هناك مرشح أكبر من الإسلام لأنه الخصم التاريخي ولاحتواء منطقته على النفط، ولقضايا المهاجرين والإرهاب.

كان ذلك عرضًا سريعًا جدًا لا يغنى عن قراءة الكتاب، وهو كتابٌ شديد المتعة والفائدة رغم أنّ جزءًا مما جاء فيه يُعتبر الآن غير جديد وتحفل به الصحف ووسائل الإعلام العربية في كل وقت، إلا أنّ أسلوب الجابري في التحليل والاستنتاج يبقى فريدًا من نوعه. أنصح الشباب الجامعي باقتناء هذا الكتاب وقراءته جيدًا لتشكيل وعي بما جرى ويجري حولهم فيما يتعلق بهويتنا ومستقبلنا في مقابل "الآخر".


لقراءة نصّ الموضوع كاملا»

12 مايو 2010

حلقة خاصة عن الراحل محمود السعدني في "عصير الكتب"


خصص الكاتب والإعلامي بلال فضل حلقة هذا الأسبوع من برنامجه الممتع "عصير الكتب" للكاتب الراحل محمود السعدني.

يمكنكم تحميل هذه الحلقة (والحلقات السابقة أيضًا) من منتدى روايات 2 بالضغط هنا


ألف شكر للعضوة مروة أحمد التي تحمّل هذه الحلقات أولا بأول.



لقراءة نصّ الموضوع كاملا»

مبادرات قرائية: كتاب واحد..مجمع كليات تقنية واحد


قرأتُ قبل قليل عن مبادرة قرائية جميلة جدًا في مجمع كليات التقنية العليا في الإمارات العربية المتحدة، وهي مستلهمة من مبادرة أمريكية ذائعة الصيت اسمها "One Book One City". المبادرة عبارة عن إطلاق حملة "كتاب واحد..مجمع كليات تقنية عليا واحد" في الكليات التابعة للمجمع لمدة شهر، بحيث يتم تشجيع جميع الطلاب على الحصول على نسخة من كتاب "80 يومًا حول العالم" وقراءته.

وهكذا فنظريًا قد يقرأ هذا الكتاب في الوقت نفسه حوالي 18 ألف طالب وطالبة. خطوة رائعة لتشجيع ثقافة القراءة أتمنى للأشقاء في الإمارات النجاح فيها. يمكنكم قراءة الخبر كاملا من هنا.

جدير بالذكر أن مدونة أكثر من حياة تعدّ لإطلاق حملة شبيهة في الشهور المقبلة.


لقراءة نصّ الموضوع كاملا»

10 مايو 2010

أفضل 3: ما أفضل 3 كتب لعبدالرحمن منيف؟




اعتدنا في وسائل الإعلام المختلفة على سباقات الأغاني، حيث يُصوّت المستمعون أو المشاهدون لأغنيتهم المفضلة للخروج بقائمة الأغاني الأفضل.

الفكرة هنا مختلفة بعض الشيء، إذ ستطرح المدوّنة سلسلة من المواضيع تحتوي على تصويت لأفضل ثلاثة كتب، ولكنها ستكون جميعًا لكاتبٍ واحد. الهدف من ذلك هو معرفة الكتب التي لاقت القبول الأكبر لدى القراء من إنتاج كاتبٍ ما. إن وجد هذا الموضوع قبولا، سيتكرر كثيرًا كي نغطي أكبر عددٍ من الكتّاب في الوطن العربي والعالم.

ونفتتح هذه السلسلة بالسؤال عن أفضل 3 كتب أعجبتكم للروائي الراحل عبدالرحمن منيف. وهنا قائمة للتذكير بأشهر كتبه:
- مدن الملح
- أرض السواد
- الأشجار واغتيال مرزوق
- حين تركنا الجسر
- سباق المسافات الطويلة
- شرق المتوسط
- النهايات
- الآن هنا..أو شرق المتوسط مرة أخرى
- قصة حب مجوسية
- عالم بلا خرائط
- أم النذور
- أسماء مستعارة
- الباب المفتوح
- لوعة الغياب
- الكاتب والمنفى وآفاق الرواية العربية
- سيرة مدينة عمّان
- الديمقراطية أولا..الديمقراطية دائمًا
- عروة الزمان الباهي



الرجاء اختيار 3 كتب وترقيمها تنازليًا بحيث يكون رقم 1 للكتاب الأفضل.

تحياتي
أحمد

لقراءة نصّ الموضوع كاملا»

إصدارات: كتاب جديد للأطفال للملكة رانيا يحقق أعلى المبيعات


أصدرت الملكة رانيا قبل أسابيع قليلة كتابًا للأطفال باللغة الإنجليزية بعنوان "تبادل الشطائر The Sandwich Swap" بالتعاون مع الكاتبة الأمريكية كيلي ديبوشيو.

تقول الملكة رانيا أن القصة حقيقية، حدثت لها في طفولتها حيث كانت تتناول في المدرسة شطيرة حمّص، بينما زميلتها تأكل شطيرة زبدة الفستق و"جيلي" فكانت دومًا تتقزز منها وتشفق على الطفلة الأخرى التي تأكل هذه الشطيرة. وذات يوم دعتها زميلتا لتذوق الشطيرة، فوجدتها لذيذة للغاية.

الشطيرة في القصة ليست سوى استعارة ورمزًا للاختلافات الثقافية، وما تريد الملكة رانيا قوله هو أننا يجب أن نعلم أبناءنا كيف ينظرون للآخر ويتسامحون مع ثقافته، وبأن الآخر ليس بالضرورة سيئًا. رسالة رائعة تودّ الملكة رانيا إيصالها من خلال هذا الكتاب الذي سيذهب ريعه لمشروع "مدرستي" الذي تشرف الملكة عليه.

لقي الكتاب حتى الآن شعبية كبيرة، ويحتلّ حاليًا المرتبة الأولى في قائمة أفضل كتب الأطفال مبيعًا في صحيفة النيويورك تايمز. هذا وقد أعلنت وسائل الإعلام أن الكتاب ستتم ترجمته إلى العربية قريبًا ويصدر عن دار الشروق بعنوان "سلمى وليلي".

أترككم مع مقطع فيديو للملكة رانيا عن الكتاب (بالإنجليزية):








لقراءة نصّ الموضوع كاملا»

08 مايو 2010

قراءات: كتاب "النهوض الماليزي"


(نُشر هذا العرض في ملحق شرفات بجريدة عمان بتاريخ 3 مايو 2010)

في مديح النظر شرقًا
عرض كتاب "النهوض الماليزي"

أحمد حسن المعيني


قبل أسابيع قليلة كنتُ في مكتبةٍ في إمارة العين الإماراتية أبحثُ عن بعض الكتب، فوقعتُ على اكتشافٍ (شخصي بالطبع) أذهلني أنني لم أعرف عنه شيئًا، وأنّ هذه الكتب لا تصلنا في عُمان. هي مجموعة كتبٍ يصدرها "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" على شكل سلاسل مميزة هي "دراسات إستراتيجية" و "دراسات عالمية" و "سلسلة محاضرات الإمارات" إضافة إلى كتبٍ أخرى منفردة باللغتين العربية والإنجليزية. وبعد النظر في هذه الدراسات تبيّن لي أنها دراسات رصينة هامة، ذات أحجامٍ صغيرة، ولغةٍ يسيرة، وأسعارٍ زهيدة. من بين العناوين اللافتة للنظر في سلسلة دراسات إستراتيجية ما يلي: "التحقيق الجنائي في جرائم تقنية المعلومات" و "الإدارة المتكاملة والتنمية المستدامة للموارد المائية لدى دول مجلس التعاون" و "قضية الصحراء ومفهوم الحكم الذاتي" و "مشروع الشرق الأوسط الكبير" و "أسلحة حروب المستقبل بين الخيال والواقع" و "اليهود الشرقيون في إسرائيل: جدل الضحية والجلاد" و "الرؤية العمانية للتعاون الخليجي" وغيرها الكثير جدًا. كم نتمنى من مكتباتنا في عُمان أن تلتفت إلى هذه الإصدارات وتوفرها للقراء. ونختار في هذا المقال إحدى الدراسات الإستراتيجية الممتعة بعنوان "النهوض الماليزي: قراءة في الخلفيات ومعالم التطور الاقتصادي" لـ(محسن محمد صالح)، الصادرة عن المركز المذكور أعلاه عام 2008.

كثيرًا ما نشير في أحاديثنا في التنمية البشرية والتطور الاقتصادي والصناعي إلى "النمور الآسيوية"، ومنها ماليزيا التي شكّلت تجربتها نموذجًا فريدًا من نوعه يستحق النظرة المتأملة الفاحصة، وهذا ما يسعى المؤلف إلى تحقيقه من خلال سردٍ تاريخي لتشكّل الدولة الماليزية، وتحليلٍ للملامح السياسية والاجتماعية والتعليمية والاقتصادية التي وضعتها في قمة العالم الإسلامي، وأخيرًا صياغة توصيات للدول العربية والإسلامية من وحي التجربة الماليزية. وما يضفي على الكتاب موثوقية ومصداقية كون المؤلف متخصصًا في التاريخ الحديث، ومهتمًا بماليزيا وجنوب شرق آسيا حيث كان يقيم ويدرّس لسنواتٍ عديدة. تُرى كيف
استطاعت ماليزيا أن تقلل نسبة الفقر من حوالي 50% عام 1970 إلى 5.1% عام 2002؟

ما تكشفه لنا هذه الدراسة هو أنّ أحد أسباب تقدم ماليزيا ونجاحها هو تحقيق معادلة التعايش العرقي والديني، فماليزيا تتكون من الملايو (أبناء البلد الأصليين) والصينيين والهنود، ومنهم المسلمون والبوذيون والهندوسيون والمسيحيون والسيخ والطاويون والكونفوشيون. وتشير الدراسة إلى أنه في بدايات الدولة كان الصينيون هم المسيطرون على الاقتصاد والتجارة، بينما يعيش الملايو في فقرٍ وجهل، فما كان من دولة ماليزيا إلا أن عملت على تمكين الملايو ومنحهم المزايا والحوافز الاقتصادية والتعليمية لتأهيلهم تأهيلا يضمن مشاركتهم في ثروات بلادهم. وفي الوقت نفسه حرصت الدولة على عدم ظلم الصينيين والهنود، فمنحتهم المواطنة الكاملة وسمحت لهم بالحفاظ على عاداتهم ولغاتهم. ومن السياسات الذكية التي طبقتها ماليزيا العمل على إنعاش الاقتصاد حتى تتزايد الثروة فيزيد نصيب كل شريحة من المجتمع، بدلا من تقسيم ما هو موجود وتصغير الحصص. إذن فقد فهمت ماليزيا أنه من أجل تحقيق التنمية والازدهار لا بد من الاستقرار الاجتماعي، إلا أن هذا الاستقرار لا بدّ أن يدعمه نظام حكمٍ وقيادة سياسية واعية وهذا ما نجده في تجربة ماليزيا الملكية الدستورية التي تتبع نظامًا فيدراليًا مركزيًا يرأسه رئيس الوزراء الذي يتمتع بصلاحيات واسعة أكبر من الملك نفسه. والملك الماليزي حقيقة مثل ملكة بريطانيا، يملك ولا يحكم، بل إنه في ماليزيا لا توجد للملك حصانة ويُمكن أن يُقدم للمحاكمة.

ومن أكثر أقسام الدراسة إثارة للانتباه حديث المؤلف عن قطاع التعليم والتدريب في ماليزيا، مشيرًا إلى كونه أحد أهمّ الأسباب التي مكّنت ماليزيا من النهوض، وسيجد القارئ أرقامًا ومعلومات مذهلة في هذا الشأن؛ فيكفي أن نعرف بأن ماليزيا تخصص 20-25% من ميزانيتها السنوية للتعليم والتدريب، وهذه النسبة من أكبر النسب على مستوى العالم. كما يذكر لنا المؤلف كيف عملت ماليزيا على تحويل الملايو من شعبٍ زراعي محدود التعليم إلى شعبٍ مدني متقدم، وذلك بمحو الأمية والاهتمام بالتعليم والإنفاق السخي على التدريب والبعثات الدراسية. وقد يُدهشك عزيزي القارئ كما أدهشني جدًا أنّ ماليزيا تُنفق على التعليم ثلاثة أضعاف ما تنفقه على الجيش والدفاع-نعم، ثلاثة أضعاف!

وفي قسمٍ آخر يتحدث المؤلف عن جهاز الخدمة المدنية في ماليزيا، والذي يتميز بوجود "دليل الإجراءات" الذي يحدد بدقة "مجموعة من الإجراءات التي يجب اتخاذها لتنفيذ أي عمل، والزمن الذي يستغرقه ذلك، وصلاحيات الموظفين. فإذا لم يقم الموظف بما حدد له بدقة وضمن الزمن المحدد يُستنتج أنه فاسد، وبالتالي سيحاسب" (ص50). إضافة إلى ذلك فقد عملت ماليزيا على تقليل الإجراءات الإدراية إلى أدنى حد، وذلك باستخدام نظام "إنهاء المعاملة بإجراء واحد" سعيًا إلى قتل الروتين الإداري، كما اهتمت الدولة بالانضباط الإداري المتمثل في توقيع الموظفين في وقت دخولهم وخروجهم من العمل، ولا يُستثنى من ذلك أحد حتى رئيس الوزراء. وفوق ذلك كله توجد وكالة مخصصة لمكافحة الفساد الإداري، وقد مضت ماليزيا في هذا الاتجاه إلى حدّ افتتاح "أكاديمية مكافحة الفساد" عام 2005 لتأهيل الموظفين في هذه الوكالة وتدريبهم على تقصي الحقائق والمراقبة والتحقيق. وتجدر بنا الإشارة إلى أنّ المؤلف لا يبالغ في مدح التجربة الماليزية، بل يورد أمثلة على الثغرات الموجودة في النظام الإداري، وبعض التجاوزات الشهيرة التي حدثت في ماليزيا.

ومن الإشارات الذكية في الدراسة ما قاله المؤلف عن عاملٍ مهم ساعد ماليزيا على تحقيق التنمية والازدهار، ألا وهو وجودها "بعيدة عن بؤر الصراع الساخنة" (ص54)، فهي بعيدة عن المنطقة النفطية التي اجتذبت مختلف أنواع النزاعات والأطماع، وبعيدة عن الصراع العربي-الإسرائيلي. وإلى جانب ذلك تنتهج ماليزيا سياسية داخلية ديمقراطية معتدلة، وسياسة خارجية تحرص على إبقاء العلاقات مع دول الجوار في أفضل حال. ويشير المؤلف إلى الرؤية البراجماتية لماليزيا حيث توجّه علاقاتها بما يتفق مع صالح الدولة اقتصاديًا، ولذلك نجد ماليزيا قد تحالفت مع الولايات المتحدة بقوة في حربها على الإرهاب، فأمريكا هي الشريك التجاري الأكبر لماليزيا.

أما أفضل أجزاء الكتاب فذلك الذي يتحدث بالتفصيل عن ملامح التطور الاقتصادي الماليزي، فيذهلك بالإحصائيات والأرقام التي تكشف ذكاء القيادة السياسية والاقتصادية في ماليزيا (مثلا، تقل نسبة الفقر عن 5.1% ونسبة البطالة عن 3.5%). يذكر لنا المؤلف كيف أن ماليزيا كانت الدولة الأولى في العالم الإسلامي بأكمله عام 2005 فيما يتعلق بحجم الصادرات والواردات، إضافة إلى عدم اعتمادها على مصدر واحد، بل راحت تستثمر في الصناعة والسياحة والأخشاب والتعدين والنفط والزراعة. كل ذلك لم يأتِ من فراغ بطبيعة الحال، فهناك خطط تنموية كبرى سارت عليها ماليزيا منذ عام 1971، فالخطة التنموية الأولى (1971-1990) كانت تهدف إلى خفض معدل الفقر تدريجيا حتى القضاء عليه، وذلك بزيادة معدل الدخل وإيجاد فرص عمل أكثر لجميع الماليزيين، كما هدفت إلى إحلال التوازن الاقتصادي في المجتمع كي يسود الاستقرار. ويقول المؤلف أن ماليزيا ما كانت لتحقق ذلك "لولا إعادة هيكلة السياسة التعليمية بحيث تعطى أولوية خاصة للملايو" (ص70). أما الخطة التنموية الثانية (1991-2000) فكانت استمرارًا للخطة الأولى في القضاء على الفقر وإعادة بناء المجتمع بحيث يستفيد الجميع من ثروة البلد بشكل عادل، إلا أنها هذه المرة ركزت كثيرًا على التنمية البشرية وخلق ثقافة عمل تتميز بالمهارة والانضباط. وأما الخطة الثالثة (2000-2010) فزادت من التركيز على التنمية البشرية والبحث العلمي.

ومن المثير أن نعرف بأنّ هناك سياسات عامة للبلد-إضافة إلى الخطط التنموية- ضمنت سير عملية التنمية بثبات، فهناك مثلا "سياسة النظر شرقًا" والتي قدّمها (مهاتير محمد) عام 1982 حين حثّ على الاحتذاء بثقافة العمل اليابانية والكورية. وأطلق مهاتير محمد أيضًا حملتي "نظيف وفعال وموثوق" و "القيادة من خلال القدوة" اللتين تركزان على نماذج في القيم الإيجابية والأخلاق العملية العالية يجب أن يُحتذى بها. وهناك سياسة التوجه إلى الأسواق الخارجية "سوجوشوشا ماليزيا" و سياسة "ماليزيا المتحدة" التي قدّمها مهاتير محمد أيضًا وتحث على أن يشترك القطاعان العام والخاص في التنمية بوصفهما شريكين لا متنافسين، وهناك سياسة الخصخصة، و "الخطة الصناعية الكبرى" التي هدفت إلى تحويل ماليزيا إلى بلدٍ صناعي من خلال الاهتمام بصناعة المطاط والأخشاب والمعادن والإلكترونيات ومعدات النقل والأقمشة والمواد الكيماوية وغيرها، وأخيرًا "رؤية 2020" التي اقترحها مهاتير محمد بهدف تحويل ماليزيا إلى دولة صناعية متقدمة لا نامية بحلول عام 2020. وعندما ننظر في تفاصيل المقترح الذي قدّمه مهاتير محمد نجده مقترحًا ذكيًا يركز على وضع أساس متين لا تسير التنمية من دونه، وذلك ببناء مجتمع مستقر موحّد ديمقراطي، متمسك بالقيم والأخلاق، منفتح ومتسامح مع الثقافات الأخرى، علمي متقدم، متراحم متكافل وعادل.

أختتم مقالي بثلاث دعوات: أدعوك عزيزي القارئ إلى قراءة هذا الكتاب الممتع المفيد للاطلاع على مظاهر التجربة الماليزية بحسناتها الكثيرة وعثراتها التي لا بدّ منها (مع العلم أنها دراسة قصيرة لن تغنيك عن التعمق أكثر في مصادر أخرى)، وأدعوك أيضًا إلى قراءة الدراسات المميزة الأخرى في نفس السلسلة، وأدعو "القارئ المسؤول" في هذا البلد إلى النظر جديًا في زيادة الاهتمام بالتعليم والتدريب، فكلما سألنا عن بلدٍ كيف نهضتم قالوا: بالاهتمام بالتعليم.

ملحوظة: الموقع الإلكتروني لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية (www.ecssr.ae)


لقراءة نصّ الموضوع كاملا»

04 مايو 2010

إهداءات: 8 نسخ من كتب محمد عابد الجابري (نفدت الإهداءات)


(توضيح: يبدو أن بعض الزوار اعتقدوا أننا نقدم نسخًا ورقية من الكتب، والحقيقة أننا قدّمنا ثماني نسخ مطبوعة ونفدت جميعًا)


من حديثي مع الكثير من الشباب في الكليات والجامعات وجدتُ أن الغالبية العظمى منهم لم يسمعوا بـ(محمد عابد الجابري)ولم يقرؤوا له شيئًا. ربما لا ألومهم هم كثيرًا، فالجابري يُحسب من كتّاب النخبة، وكتبه ثقيلة عميقة، فضلا عن أنها تُنشر في "مركز دراسات الوحدة العربية" الذي لا تجتذب كتبه فئة الناشئة والشباب الجامعيين، فهي غالبًا دراسات ثقيلة وإطروحات دكتوراة وما إلى ذلك.

ولكن ما يجهله كثيرون هو أن هذا المركز قد أصدر سلسلة وجهها للقارئ العادي غير المتخصص، وخاصة الشباب الجامعيين، وهي كتب صغيرة بحجم الجيب، يسيرة، لا تخلو من فائدة وفكر عميق، ولا تحتوي على تقعير ورطانة أكاديمية لا يحتملها إلا الأكاديميون. هذه السلسلة هي "سلسلة الثقافة القومية"، وقد كتب (محمد عابد الجابري) أربعة كتب فيها.

رغبة في المساهمة بتعريف القراء غير المتخصصين، والقراء من فئة الشباب الجامعيين بهذا المفكر الكبير، تقدّم مدوّنة "أكثر من حياة" إهداءات عبارة عن نسخةٍ من إحدى الكتب الأربعة التالية:
1- حفريات في الذاكرة من بعيد
وهي سيرة ذاتية
2- المسألة الثقافية في الوطن العربي
من سلسلة الثقافة القومية
3- مسألة الهوية: العروبة والإسلام والغرب
من سلسلة الثقافة القومية
4- الديمقراطية وحقوق الإنسان
من سلسلة الثقافة القومية

وهكذا فهناك 8 إهداءات سيحصل عليها من يأتِ ويطلبها أولا، لكل زائر كتاب واحد فقط بالطبع.
أتمنى منكم ترك تعليق باسم الكتاب الذي تريدونه من العناوين الأربعة أعلاه، ثم إرسال رسالة بريدية إلكترونية إلى amueini@gmail.com تحتوي على عنوانكم البريدي كاملا مع الاسم كي يصلكم الكتاب بالبريد.

ولكم مني أصدق الأمنيات بالفائدة والمتعة مع كتابات الجابري. وكلي ثقة بأنكم ستستفيدون من عقلية هذا الرجل ومنهجيته ووضوح فكرته.

أحمد حسن المعيني

لقراءة نصّ الموضوع كاملا»

عقل جميل..باقٍ وإن ذهب


أحزنني كثيرًا خبر وفاة المفكر العربي الكبير (محمد عابد الجابري) بالأمس، وشعرتُ بأنني فقدتُ أستاذًا عزيزًا، قريبًا مني، أتعلّم منه وأستجدي نصحه وتوجيهه، مع أني لم أره أو أسمع صوته في حياتي ولا حتى على التلفاز.

لا أدعي أنني قرأتُ جميع كتبه أو حتى معظمها، ولكنني عشتُ مع الكتب القليلة التي قرأتها له تجربة فريدة جدًا. عندما قرأتُ له لأول مرة أصابني إحساس جارف بأنّ هذا هو الباحث والكاتب الذي أفتقده، هذا هو العقل الحقيقي الذي كنت أبحث عنه. قرأتُ له الجزأين الأول والثاني من سلسلة نقد العقل العربي ومقتطفات من الجزء الثالث، وأذهلني جدًا جدًا. حاولتُ وما زلتُ أحاول أن أتعلم منه كيف أقدّم الفكرة وأوضحها وأمثّل عليها بكل سلاسة ويسر. وأعترف أنني أحيانًا أقلب في كتبه أقرأ مقطعًا من هنا أو هناك فقط لأدرس كيف يتحدث هذا الإنسان بعقله بهذه الطريقة!! محمد عابد الجابري إنسان أتمنى أن أكون صادقًا حين أقول بأنه واحد من أهم الذين أثروا في تفكيري. كنتُ أتمنى أن يعيش أكثر ليكمل كتابة سيرته الذاتية التي بدأها بكتاب "حفريات في الذاكرة من بعيد"، ولكن قدّر الله وما شاء فعل.

رحمك الله وجزاك بعملك وفكرك كل الخير

إضافة: وجدتُ هذا المقطع في اليوتيوب، وهي المرة الأولى التي أشاهد فيها الجابري (عدا الصور) وأسمع صوته:



لقراءة نصّ الموضوع كاملا»

03 مايو 2010

مبادرات قرائية: الكتب بدلا من المجوهرات والورود


(شكرًا للأخت الكريمة أفنان المحيسن على إرسال هذا الخبر الجميل)

رائعٌ أن يبدأ الناس في مجتمعاتنا باختيار الكتب كي تكون هدية ثمينة بدلا من المجوهرات والعطور والهدايا الجميلة الأخرى. خبرٌ رائع قرأته وسعدت به جدًا، وأتمنى مشاهدته كثيرًا كثيرًا في الواقع. يذكرني ذلك بصديقٍ لي أعرته بُعَيد زواجه كتابًا حول العلاقة الزوجية السعيدة، ولم أرَ الكتاب حتى الآن! (سأعتبره هدية إذن). أترككم مع هذا الخبر المنشور في جريدة "طيبة اليوم" الإلكترونية:

نساء يستبدلن الذهب بالكتب في هدايا المناسبات
طيبة اليوم-خالد الجهني-المدينة المنورة:

لم يعد ارتفاع أسعار الذهب والمجوهرات يثير قلق أو اهتمام السيدات اللواتي يرغبن بتقديم هدية إلى عروس أو إلى مولود جديد، خلال الزيارات والمناسبات الاجتماعية المختلفة، حيث تؤكد الكثير من السيدات تسجيل تحول في السلوك لدى الكثير من الأسر يثبت مدى تزايد الاهتمام لدى الأسر السعودية بشراء الكتب الهادفة وتغليفها كهدايا.

فالمولود الجديد أصبح يقدم لأمه بمجرد وصوله كتبا من قبيل: كيف تتعاملين مع طفلك أما العروس فتقدم لها كتب من بين عناوينها: كيف تكسبين رضا زوجك، ونحو علاقة زوجية رائعة، وغير ذلك من العناوين الشيقة، التي تكشف عن مواد متخصصة.

تقول أم هند إنها تلقت هدية من صديقة لمولودها الأول عبارة عن كتاب يوضح كيفيه التعامل مع الأطفال بالأشهر الأولى، مشيرة إلى أنها استفادت كثيراً من الكتاب الذي يحتوي على معلومات جميلة حول أم تنجب مولودا للمرة الأولى.

وتقول هدى التي تزوجت في العام الماضي إنها وجدت ضمن الهدايا التي قدمت لها بمناسبة زواجها كتابا يتضمن طريقة التعامل مع الزوج. وتضيف أنها بالفعل طبقت بعض النصائح ووجدت تجاوبا سريعا من زوجها، مضيفة أن هدية الكتاب أجمل وأكثر فائدة من الذهب أو الورود.

وتقول أم فهد إنها مكثت بالمستشفي نحو شهر تلقت أكثر من 32 كتابا من أحفادها وكذلك الأصدقاء تتضمن بعض النصائح الطبية وطريقة التداوي بالأعشاب وكيفية الصبر وغيرها. وترى أم فهد عطفا على تلك التجربة أن تلك الكتب أفضل من الورود التي تقدم للمرضى وينتهي مفعولها خلال ساعات أما الكتاب فهو يدوم ويمكن أن يهدى للآخرين.

هاني الحربي والذي عاش تجربة تلقي الكتب بدلا من الذهب والحلوى وغيرها أنه تلقى ذات يوم كتاب عند مباشرته للوظيفة الجديدة يتحدث عن طريقة التعامل مع الرؤساء بالعمل وكذلك كيفية التعامل مع المراجعين حيث إن عملة يتطلب التعامل معهم كاشفا عن مدى استفادته من التجارب التي أوردها الكتاب في هذا السياق.

وقال مصطفى، البائع في محل متخصص ببيع الهدايا بالمدينة أنه لاحظ زيادة الإقبال على تغليف الكتب وتقديمها كهدايا من قبل العملاء إلى بعض الأمهات أو الفتيات المتزوجات حديثاً، أو في العديد من المناسبات الاجتماعية الأخرى، موضحاً أن الإقبال يأتي من قبل السيدات حيث بدأت تنتشر تلك الموضة حسب تعبيره.

وبين مصطفى أنه يجهز في بعض الأحيان من 5 إلى 8 كتب يوميا وتزاد نهاية الأسبوع وأن كتب كيف تتعاملين مع طفلك الأول وكذلك الزوج هي الأكثر طلبا للتغليف وتقديمها كهدية.

إلى ذلك قالت الأخصائية الاجتماعية وافته الحبريتي إن طبيعة الهدية عموما تعود لثقافة مقدم الهدية ومستقبلها وربما تتوافق ثقافتهما على تبادل الكتب كمثال أو غيرها.

مشيرة إلى أن عادة تقديم الكتب ترمز إلى ثقافة المجتمع ووعيه ومدى تقدمه بالتفكير وفيها تشجيع للقراءة بدلا من تقديم هدايا ربما لا يستفاد منها فمن الممكن تقديم كتاب لأم وضعت مولودا يرشدها لطريقة التعامل معه أفضل من تقديم بعض الورود التي تنتهي بعد سويعات من تقديمها.


لقراءة نصّ الموضوع كاملا»

01 مايو 2010

مبادرات قرائية: مجموعة "هيا نقرأ" في مسقط


(شكرًا لصديقة المدوّنة الصحفية وردة اللواتي على تزويدي بمعلومات هذه المبادرة)

كتبتُ قبل أسبوعٍ تقريبًا في ملحق (نون) مقالا يحثّ على إطلاق سراح الكتب بدلا من حبسها في المكتبات المنزلية، سواء أكان ذلك بإهدائها أو التبرع بها أو بيعها، فجاءني عدد من الردود والتعليقات، ومنها رسالة الصحفية وردة اللواتي منبهة إياي على هذه المبادرة المميزة.

هي مبادرة تقوم بها مجموعة "هيا نقرأ" ضمن "جمعية دار العطاء التطوعية"، وهي مجموعة تعمل على تشجيع عادة القراءة في المجتمع بطرقٍ وأفكار مختلفة. أما المبادرة التي نحن بصددها فتجسدت في وضع صندوق لجمع الكتب المستخدمة في مركز "جوهرة الشاطئ" بشاطئ القرم، ويمكن لأي أحد التبرع بكتبه بوضعها في ذلك الصندوق في أي وقت. وفي نهاية كل شهر تقوم مجموعة "هيا نقرأ" بإخراج هذه الكتب وبيعها بأسعار زهيدة جدًا.

أما ريع هذا المعرض الشهري فيُخصص في مبادرات قرائية تطوعية أخرى، حيث تعمل المجموعة على إنشاء مكتبات في مدارس حكومية، وقامت فعلا بإنشاء مكتبة في قسم الأطفال بالمستشفى السلطاني ومستشفى جامعة السلطان قابوس، إضافة إلى توفير عربة كتب للمرور على الأطفال "المنوّمين" هناك. هذا وتنظم المجموعة مسابقات كتابة قصص للأطفال، وفعاليات قراءة القصص للأطفال في المدارس، ونشر القصص الفائزة في كتاب.

راقتني كثيرًا هذه المبادرة، وأودّ أن ألتقي بمنظميها كي أشكرهم جزيل الشكر على جهدهم واهتمامهم. حاليًا تتكون الغالبية العظمى من الكتب المتبرع بها من الكتب الإنجليزية، وهناك حاجة كبيرة إلى كتب عربية. أتمنى أن تصل هذه الرسالة من خلال هذه المدونة إلى الجميع ليتبرعوا ببعض كتبهم العربية.



موعد بيع الكتب
الخميس الأخير من كل شهر
من الساعة العاشرة صباحًا حتى الواحدة ظهرًا
مركز جوهرة الشاطئ

لقراءة نصّ الموضوع كاملا»

قراءات: رواية "أبناء الجبلاوي" لـ(إبراهيم فرغلي)


(نُشر هذا العرض في ملحق شرفات بجريدة عمان بتاريخ 28 أبريل 2010)

إحياء التراث الأدبي..وتجاوزه معًا
عرض لرواية "أبناء الجبلاوي"


أحمد حسن المعيني



أرأيتَ لو أنّ جزءًا كبيرًا من الأدب العماني، ولنقل المجموعات القصصية مثلا قد اختفت فجأة دون مقدّمات من كلّ المكتبات وكل مكانٍ آخر حتى رفّ مكتبتك وكأن فيروس حاسوب هجم عليها كلها والتهمها مرة واحدة، فماذا سيحدث؟ تخيّل أن يتبع ذلك هرجٌ ومرجٌ كبير ومبادرات لاستعادة ما فُقد، وشائعات لا آخر لها، وأشخاصٌ يدّعون أنهم رأوا شخصيات من تلك القصص على أرض الواقع. وتخيّل أن تظهر فعلا تلك الشخصيات ثائرة على ما يحدث، فتجد في أنحاء مسقط (عبدالفتاح المنغلق) و (عارف البرذول) [من قصص سليمان المعمري]، و (الكابتن حمدان) [من قصة لمازن حبيب]، و العمّة الثرثارة التي لا تعرف نجيب محفوظ [من قصص عبدالعزيز الفارسي]. فكرة فانتازية مُدهشة، أليس كذلك؟ هذا ما استخدمه بصورةٍ رائعة الروائي (إبراهيم فرغلي) في روايته الأخيرة "أبناء الجبلاوي" التي صدرت عام 2009 عن دار العين للنشر في مصر في 470 صفحة. قيل الكثير عن الرواية وتقبلها النقاد والقراء قبولا حسنًا، حتى دعا الدكتور جابر عصفور إلى عقد ندوات خاصة لتحليلها وقراءتها على أكثر من مستوى، وأيده في ذلك الناقد الدكتور خالد عزب. جدير بالذكر أنّ أمسية كاملة خُصصت في الكويت في يناير الماضي لمناقشة أوراق نقدية حول الرواية. باختصار، نحن أمام عملٍ فريد جريء يستحق وقفة تأمل ودراسة.

المؤلف (إبراهيم فرغلي) صحفيٌ وقاص وروائي مصري، صدرت له سابقًا مجموعتان قصصيتان هما "باتجاه المآقي" عام 1997، و "أشباح الحواس" عام 2001، كما صدرت له ثلاث روايات هي "كهف الفراشات" عام 1998، و "ابتسامات القديسين" عام 2004، و"جنية في قارورة" عام 2007، بالإضافة إلى كتاب يحتوي على يوميات سجّلها في رحلةٍ له إلى ألمانيا. ومن المعروف عن هذا الروائي حبّه للتجريب والتجديد، وآراؤه الصريحة الجريئة فيما يتعلق بحال الثقافة والنقد الأدبي في مصر، وهذا ما نراه حاضرًا بقوة في الرواية التي نحن بصدد الحديث عنها.

في الحقيقة يصعب جدًا استعراض هذه الرواية دون "حرقها" على القارئ وإفساد متعته، لذا سنكتفي بذكر إشاراتٍ بسيطة إلى قصتها. تنقسم الرواية إلى أربعة أجزاء يحتوي بعضها على أكثر من قسم. أما الجزء الأول فيسرده البطل (كبرياء) ليحدثنا عن علاقته الغرامية بـ(نجوى) الفتاة ذات الشخصية المركبة الفريدة جدًا، وعلاقته بـ(رفيق فهمي) العجوز في دار المسنين، والذي يقوم (كبرياء) بتدوين مذكراته. ومنذ الصفحات الأولى نعرف الحدث الكبير الذي تدور حوله أحداث الرواية، وهو اختفاء كتب نجيب محفوظ من جميع المكتبات التجارية والعامة والشخصية، مما يسبب بلبلة هائلة في البلد، وتشكيل لجان وهيئات رسمية وشعبية لإحياء تراث محفوظ والبحث في قضية اختفاء كتبه. وفي أجزاءٍ لاحقة نكتشف ظهور الشخصيات المحفوظية إلى الواقع، فنجد (عاشور الناجي) [من رواية الحرافيش]، و (الجبلاوي) [من أولاد حارتنا]، و (السيد أحمد عبد الجواد) [من الثلاثية]، وتعاون (كبرياء) معها في مهمةٍ خطيرة ربما لاستعادة كتب محفوظ. من ناحيةٍ أخرى تتحدث الرواية عن طبيعة العلاقات بين شخوص الرواية وتطورها وتعقيداتها الاجتماعية والنفسية.

ما يميّز "أبناء الجبلاوي" ويجعلها في مصافّ الروايات المهمّة هو بناؤها الروائي الجديد المبدع الثائر على الأشكال التقليدية في كتابة الرواية. وإن شئنا التصنيف فهي رواية تنتمي إلى أدب ما بعد الحداثة، ذلك الأدب المتمرد على الأشكال والموضوعات التقليدية التي سار بها وتناولها الأدب الحداثي. فمن ناحية البناء الروائي، لن تجد في هذه الرواية بداية وحبكة ونهاية خطية كما هو المعتاد، بل رواية داخل رواية تتداخل أحداثهما، وتتقاطعان أيضًا مع عددٍ من الروايات والشخوص من روايات أخرى، فبعد أن تعيش مع شخصيات الجزء الأول، يفاجئك المؤلف بأن هذه مجرد رواية غير مكتملة كتبها مؤلف آخر، ثم يكتشف هذا المؤلف أن ما كتبه ظهر حقيقة على الواقع! هذا وقد يستمتع القارئ بذلك التداخل السردي بين الرواية وروايات نجيب محفوظ، حيث نجد مقاطع كاملة من روايات محفوظ استُخدمت لصالح الرواية وسير أحداثها. أما السرد فجاء مختلفًا أيضًا، يعتمد على تعدد الأصوات، ولكن ليس بالطريقة التقليدية، فالساردون أحيانًا بشر وأحيانًا كائنات أخرى. ويبدو في الرواية تأثرٌ كبير بروايات ما بعد الحداثة والواقعية السحرية لدى كبار ممثلي هذا التيّار مثل ماركيز وبورخيس وأورهان باموق وبول أوستر. ومما تجدر الإشارة إليه نجاح المؤلف في إحياء شخصيات محفوظ وتقديمها بصورةٍ تتماشى مع وظيفتها في النصوص المحفوظية، ولكنها تؤدي دورًا خاصًا لهذه الرواية، فنجد مثلا الحرافيش وهم يحرسون الحارة، ونجد الجبلاوي زعيمًا وأبًا روحيًا، وعاشور الناجي رئيسًا منفذًا، وزينات لعوبًا مثل ما ظهرت في رواية "الحرافيش".

ومع قراءة الرواية يكتشف القارئ أنّ هذا العمل عبارة عن نقد ساخر لاذع للأوضاع الثقافية والأدبية والسياسية في مصر، يأخذ أسلوب الرمز والإسقاط أحيانًا، والمباشرة في أحيان أخرى. أكثر ما ينتقده ويثور عليه المؤلف في هذا العمل هو الوضع الحالي للأدب السردي في مصر، فالرواية برمتها احتجاج على الرواية التقليدية. أما موضوع الرواية نفسه (اختفاء كتب محفوظ) فانتقاد واضح للمشهد الروائي المصري، فمن ناحية يرى المؤلف أنّ الجيل الروائي الحالي ضيّع تاريخ روائي عملاق ولم يستطع أن يُكمل مسيرة روائية عظيمة كان يجب أن يستفيد منها. ونرى في الرواية أنه بعد تضييع هذا التراث يُصاب المجتمع بوباء العمى، دلالة على التخبط الأدبي وغياب الرؤية الإبداعية. ومن ناحية أخرى يريد المؤلف أن يقول بأنّه رُغم روعة نجيب محفوظ لا يجب أن يقف أمر الرواية عنده، بل يجب تجاوزه، ولكن للأسف لا يوجد غير "كتاب يكتبون نصوصًا تدور في أفق مخنوق...لا يسببون دهشة، ولا يقدمون جديدًا" (ص197). وعندما يُصدم (كاتب الكاشف) بوجود شخصية من شخصيات روايته في الواقع يُصاب بالذعر مخافة أن تكون روايته مجرد "نص واقعي يرصد جانبًا من وقائع حياة أشخاص موجودين في الحياة، ويصبح ما كتبه مجرد نقل أمين لوقائع، بإمكان أي مدرس لغة أو "باش كاتب" أن ينقلها بلغته الركيكة العتيقة" (ص230). هذا ويستخدم إبراهيم فرغلي شخصية (كاتب الكاشف) لتقريع النقد الأدبي في مصر، والتعبير عن فشله في القيام بدوره على أكمل وجه، كما يعبّر عن وجهة نظره حول أهمية تناول الجنس أدبيًا، ويسخر من النقاد الذين يمتعضون منه ويصفونه بأنه "غير موظف فنيًا"، ولذلك نجد في الرواية قدرًا كبيرًا من الجنس الذي يعتبره المؤلف أساسيًا ومعبرًا عن الحياة الطبيعية. ومن جانبٍ آخر نجد الكثير من الرسائل الانتقادية، منها غياب الشفافية والمهنية لدى الجهات الحكومية في التعامل مع المصائب، ومنها جهل الناس بأدب محفوظ رغم التشدق بحبه. هذا و نجد نقدًا للواقع السياسي والاجتماعي عبر شخصية (زينب دياب) التي تظهر في الواقع من رواية "الكرنك" لنجيب محفوظ، ونقدًا آخر من شخصية (رادوبيس) الفرعونية التي تنتقد غياب حضارة "العلم، المعرفة، الحكمة، الفلسفة، الطب، التحنيط، وحتى قوة الأفكار والفنون" والتحول إلى مجتمع جاف فارغ حتى أنّ أفضل أهل البلد الآن "لا يرقى لأن يكون في قدر عامل من عمال حضارتنا، ألا تشعرون بالخجل من تفاهتكم وسخافتكم؟" (ص414).

من وجهة نظري أعتقد بأنّ المؤلف قد استهلك عددًا من المقوّمات وقذف بها في عملٍ أدبي واحد يحتاج إلى ترابط وتماسك أكبر يقاوم التشتيت الذي خلقه المؤلف، بينما كان بإمكانه استغلالها في أكثر من عمل. فمثلا قضية محفوظ والإرث الأدبي تصلح لرواية مستقلة بذاتها أيًا كان بناؤها السردي، والعلاقات العاطفية والاجتماعية بين كبرياء ونجوى ورفيق وكاتب الكاشف وجيسيكا وما يعتورها من عقد نفسية وقضايا تتعلق بالهوية والحرية تصلح بامتياز كي تكون مادة روائية منفردة. هذا وهناك فنّ الخط العربي الذي يتقنه "كبرياء" وتحدث عن أنواعه وأساليبه واستخداماته، كان من الممكن أن يتعمق فيه المؤلف ويتبحر حتى يُخرج لنا رواية تستخدم هذه الثيمة الجميلة كما استخدم أورهان باموق فن المنمنمات في رواية "إسمي أحمر". ومن الملاحظات التي نأخذها على هذه الرواية أيضًا كثرة الأخطاء اللغوية المزعجة التي لا تليق بكاتب رواية، وأتمنى أن يتداركها المؤلف في الطبعات اللاحقة، ولكن يجب أن نشهد للمؤلف بدقة الوصف وسلاسة اللغة ومناسبتها للشخصيات. من ناحيةٍ أخرى نعترف بأن الرواية مبدعة غير تقليدية، إلا أن اللعبة السردية التي اختارها المؤلف تُدخل القارئ في متاهات سردية ليست دائمًا ممتعة.

أخيرًا نقول بأن الرواية لا يكفيها هذا العرض، فهناك الكثير جدًا ليُقال عن تقنيات السرد، والثيمات التي تتناولها الرواية، وعن مدى نجاح التوظيف الجنسي والفني فيها. وأعتقد شخصيًا أن قراءة واحدة للرواية لن تكفي لالتقاط جميع الرموز والإسقاطات والرسائل التي تضجّ بها. هناك مواضيع عديدة لم أتطرق إليها بالتفصيل هنا، كشخصية نجوى وما ترمز إليه من قيم التحرر والانطلاق من قيد المجتمع، وعلاقة كبرياء وكاتب بأبويهما كرمزٍ للبحث عن الذات والهوية. هي رواية جميلة يتضح فيها المجهود الكبير الذي بذله إبراهيم فرغلي، تستحق القراءة ولكن بشرط أن يكون لك عقل متفتح متسامح مع التجريب الروائي والمتاهات السردية.


لقراءة نصّ الموضوع كاملا»