قبل فترة قصيرة صدر في بريطانيا أحدث كتب العالم البريطاني الشهير ريتشارد دوكنز بعنوان "أعظم عرض على الأرض: الدليل على نظرية التطور The Greatest Show on Earth: The Evidence for Evolution"، ويحاول فيه المؤلف تقديم الدليل على صحة نظرية التطور التي أتى بها داروين. وريتشارد دوكنز من أشهر المتحمسين لهذه النظرية وأشهر المتعصبين للإلحاد. فور رؤيتي الكتاب قررتُ أن أقرأه، ولكنني فكرتُ قليلا ثم عزمتُ على أن أخصص شهرًا أو اثنين أقرأ فيهما الكثير عن داروين ونظرية التطور وكتب ريتشارد دوكنز قبل أن اقرأ الكتاب. وضعتُ لنفسي خطة على أن أبدأ بكتاب خفيف يقدّم نظرية التطور، ثم شاهدتُ فيلما جديدًا في السينما بعنوان Creation يحكي قصة داروين في إنجاز كتابه. وأعكف حاليًا على قراءة كتاب داروين الشهير "أصل الأنواع" لأنتقل منه بعدها إلى عدة كتب عن الجوانب الفلسفية والأخلاقية لنظرية التطور، وبعض الكتب التي ألفها ريتشارد دوكنز، وبعض الأفلام الوثائقية. باختصار، هو تطبيق لمفهوم القراءة المركزة الذي تحدثت عنه سابقًا في المدونة.
وهكذا قرأت الكتاب الأول في يومٍ ونصف، وهو كتاب خفيف سلس من سلسلة معروفة تقدّم للقارئ أشهر النظريات والشخصيات والمفاهيم، بطريقة الكاريكاتير المدعوم بالتعليقات الجانبية ولقد تُرجمت عدة أجزاء من هذه السلسة إلى العربية.
يبدأ الكتاب بمقدمة عن كتاب "أصل الأنواع" والسياق الذي جاء فيه، ويبيّن بعض الحقائق الهامة حوله، وأن فكرة التطور كانت بادئة في الانتشار في الأوساط العلمية قبل داروين، وكانت مسألة وقت فقط حتى يأتي أحد بالنظرية. وحتى كثير من الحقائق التي تدعم النظرية كانت موجودة قبل داروين، ولكنه هو الذي سلط عليها الضوء واستخدمها لدعم النظرية. ومن الأشياء الطريفة الخطيرة التي لا يعرفها الكثيرون أن داروين تردد في نشر كتابه عشرين عامًا، ثم نشره بسرعة لأنه استلم رسالة من باحث يخبره فيها عن بحثٍ جديد أنجزه. وهذا البحث يتوصل تقريبًا إلى نفس النتائج التي وصل إليها داروين!
ثم يبين الكتاب الأسباب التي منعت الآخرين من رؤية ما رآه داروين، كفكرة الخلق التي زرعها الدين في العقول، والفكرة الفلسفية اليونانية القائلة بوجود أشكال مثالية في عالمٍ آخر، وكل الكائنات عبارة عن ظلال منعكسة لها. ورغم أن الاكتشافات الجيولوجية أثبتت وجود عدة طبقات من الحياة المنقرضة، إلا أن العلماء قالوا بأنه من الممكن أن الرب قد دمر الكائنات -مثل ما حدث في قصة نوح عليه السلام- عدة مرات ثم أعاد خلقها. ولكن الاكتشافات أظهرت أن الخلق الجديد هذا ليس تكرارا، وإنما هناك تطور وتقدم، ففي الطبقات الدنيا وُجدت اللافقاريات، ثم الأسماك، ثم الزواحف، ثم الطيور، ثم الثدييات، ثم البشر. وهكذا ظهرت فكرة التقدّم، القائلة بأن كل خلق كان مميزًا لا مكررًا. وظهرت كذلك فكرة الخالق العاقل، حيث قال العلماء بأنه من غير المعقول أن يكون هذا الخلق العجيب في دقته وفاعليته اعتباطيا، بل لا بد من أنه قد تم تصميمه بذكاء، وهذا التصميم لا بد له من مصمم: خالق. أما في الفلسفة فكانت نظرية أفلاطون في الجوهرية essentialism تقول بأن العالم المادي عبارة عن سراب يعككس الحقيقة الموجودة خارجه من الأشكال التامة المثالية، وهي لا تتغير أبدًا، وإنما الذي يتغير هو ظلالها الذي نراه في العالم المادي، وهذا التغير بالطبع وهمي. وإذا طبقنا ذلك على الزرافة مثلا نجد أن هناك اشكال مختلفة للشكل المثالي من الزرافة، وهذا يعني أن الزرافة دائمة ولا تنقرض ولا تتطور من شيء أو إلى شيء، وهي تبقى بفضل الوراثة. وجاء أرسطو ليقول بأن الاشكال المثالية ليست عبارة عن قائمة مبعثرة، بل على شكل سلم متدرج. في اسفل الدرج هناك النباتات ثم الحيوانات البدائية، ثم الأسماك ثم الزواحف ثم الطيور ثم الثدييات. وفي منتصف السلم هناك الإنسان، وفوقه ملائكة ثم الإله.
ومع نهايات القرن الثامن عشر بدأ التحول من الافكار السابقة، وعندما نشر داروين كتابه كان العالم جاهزًا له، خصوصا بعد التحولات الكبيرة في الفيزياء والفلك والجيولوجيا، وبعد أن عرف البشر أن الأرض ليست مركز الكون وأن هناك قوانين فيزيائية تحكم الكون. وقد جاء أحد علماء الجيولوجيا (جيمس هاتون) وفنّد فكرة الكوارث التي دمرت الأرض، وقال بأنها تغيرت نتيجة العوامل الجوية كالريح والمطر وحرارة البراكين، ولكن أفكاره لم تنتشر إلى أن جاء العالم الجيولوجي الشهير (تشارلز لييل) ووضع نظرية التغير الجيولوجي، والتي مهدت لقبول فكرة التغير البيولوجي.
وينتقل الكتاب ليتحدث عن بعض الحجج التي تصب في مصلحة نظرية التطور، ثم بعض الأمور التي اكتشفها تشارلز داروين في رحلته على سفينة البيجل، ثم حياته بعد عودته منها، وبدء فكرة التطور في عقل داروين ثم الاعتراضات التي سببت له صعوبة، وبعض النظريات التي أتت لاحقا وأيدت نظريته.
لا اريد أن أتطرق هنا إلى أفكار نظرية التطور أو أساسياتها، فهذا أمر سأؤجله إلى أن أفرغ من قراءة كتاب "أصل الأنواع".
3 comments:
كتاب مثير للاهتمام وسأنتظر تدوينة عن أفكار النظرية
سمعت الكثير عن داروين ونظريته لكن لم أقرأ أي شيء يتناول ذلك بطريقة علمية
لذا سأكون بالقرب دم بخير
لم اقرا بنفسي عن نظريات دارون، لكن نعرف عنه أنه من اصحاب نظرية الإرتقاء والتطور، وأن الإنسان اصله قرد!! هذا بالطبع يخالف الدين الإسلامي ، فالخالق عزوجل يقول في محكم كتابه: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"، لذلك لااصدق النظريات التي تتحدث عن الإنسان الأول وطريقة رسم شكله كأنه قرد وجسمه مليء بالشعر، فهل كان الأنبياء كآدم وإدريس ونوح (وهم من أوائل البشر) بهذا الشكل!
رشا..
بإذن الله سوف أشارككم انبطاعاتي فور انتهائي من القراءة. أقرأ ببطء حاليًا لانشغالي بقراءات الدراسة.
غير معرف..
لك الحق في اتخاذ موقفك، ولكن يبدو لي أنك تبسّط النظرية كثيرًا، فهي أعمق من ذلك بكثير.
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.