17 أكتوبر 2011

إصدارات: "الفرص الضائعة في الصراع العربي الإسرائيلي"


صدر عن مكتبة مدبولي في الفترة الأخيرة كتاب بعنوان "الفرص الضائعة في الصراع العربي الإسرائيلي" لمؤلفه اللواء الدكتور محمد فريد حجاج. وفيما يلي عرض للكتاب من موقع الجزيرة نت:

الفرص الضائعة في الصراع العربي الإسرائيلي

عرض/مصطفى فؤاد


كان الصراع العربي الإسرائيلي هو محور الحياة والأحداث السياسية طيلة الستين عاما السابقة، وأصبح محور الأحداث في المنطقة العربية والشرق الأوسط.

وكانت مصر لاعبا رئيسيا في هذا الصراع، وتحملت كثيرا من نتائجه التي أثرت على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فيها، فمن سقوط الآلاف من الشهداء إلى الجرحى والمعاقين، بجانب الإنهاك الاقتصادي الذي أثر على الاقتصاد المصري وعلى البنية التحتية بمصر بالسلب.

وهذا الكتاب يعد وثيقة هامة خطها ضابط من ضباط القوات المسلحة المصرية عاصر هذا الصراع شابا ورجلا، فقد اشترك في حرب اليمن 1962م وحرب 1967م وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973م جنديا في خدمة الوطن، وقد لاحظت وحفظت ذاكرته كل الأحداث التي مرت في هذا الصراع ليوثقها في هذا الكتاب.

في المقدمة، يقول المؤلف "يركز هذا الكتاب على الصراع العربي الإسرائيلي، ليس من ناحية العمليات العسكرية بل بنظرة تاريخية أعم تشمل الصراع بشموله العام من حيث قوى الدولة الشاملة، وذلك لأن هذا الصراع مستمر حتى هذه الأيام وفي المستقبل، ولا يزال يؤثر في هذه المنطقة وأسلوب معالجتها حكما تم في الماضي.

ولعل تجربة أحد الأفراد الذين اشتركوا في الصراع على المستوى التنفيذي قد تفيد جيل المستقبل في معرفة ما حدث في الماضي. وهذا الكتاب ليس بكتاب تاريخ يسرد ما تم، بل هو إعادة في ترتيب أوراق الصراع والتركيز على ما تم فيه من إيجابيات وسلبيات.

الشرق الأوسط في العصر الحديث
عند تحديد الشرق الأوسط يطوف بنا هذا اللفظ حول رقعة منبسطة متصلة الرحاب بين أفريقيا وآسيا وأوروبا، وقد اختلفت مقاييس تعريف تلك المنطقة منذ الحرب العالمية الأولى، فكان يقصد بها المنطقة الواقعة في جنوب غرب آسيا، وهي إيران والعراق والشام والجزيرة العربية.

وكانت هناك منطقة متاخمة لها أطلق عليها منطقة الشرق الأدنى، ضمت منطقة آسيا الصغرى وتركيا ومصر وجنوب البلقان (اليونان) والجزر الواقعة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط.

ولكن تغيرت النظرة إلى التعريف بالشرق الأوسط عقب الحرب العالمية الثانية، وتحددت بوضوح عندما أجمع العرف الدولي على حدود هذه المنطقة، فأصبحت تشمل المجموعات الإقليمية الآتية:
- المجموعة الأفريقية، وتتضمن: وادي النيل (مصر والسودان والحبشة)، وليبيا.

- المجموعة الآسيوية، وتتضمن: الجزيرة العربية (السعودية واليمن والإمارات والكويت وقطر والبحرين وعمان)، وسوريا ولبنان والأردن والعراق وإسرائيل، بالإضافة إلى إيران

- المجموعة الأوروبية، وتشمل: تركيا وقبرص.

مصر والشرق
مع بداية القرن التاسع عشر كان الشرق الأوسط ما زال تحت سيطرة الحكم العثماني المتمثل في الدولة العثمانية، وكان من أهم الأحداث في بدايته هو الحملة الفرنسية على مصر التي أثرت في أحوالها، وكذلك في دول الشرق الأوسط، لأن الدولة العثمانية أغلقت الحدود على الدول الإسلامية في الشرق الأوسط بعدما غيرت اتجاهها من استكمال فتح أوروبا إلى التوجه إلى دول الشرق الأوسط لفتحها والسيطرة عليها.

وفي أواخر العصر العثماني، انتشر طغيان الحكام وبغى الجنود، وأرهقت الضرائب الجمهور، وأخذت منه أكثر من مرة، وكثرت الإتاوات التي تفرض على الفلاح المسكين والتاجر البائس، بينما كان الضنك والظلم يتمشى في البلد طولا وعرضا.

كانت الدولة تستجيب لمطالب شيوخ الطرق في إعفاء القرى التي في حوزتهم من دفع الضرائب وطلب الأموال لتعمير الزوايا والإنفاق على مجاوريها.

في تلك الظروف، جاءت الحملة الفرنسية على مصر، ورغم أنها كانت قوة احتلال وارتكبت كثيرا من الأخطاء، فإنها كان لها الأثر الكبير في إعادة الصحوة والنهضة في الشرق الأوسط، خاصة مصر.

وفي عهد محمد علي، وبعد أن تمكن من السيطرة على الأحوال السياسية في مصر، عمل على إنشاء مصر الحديثة، حيث اهتم بالتعليم والصناعة والتجارة، وكون الجيش والبحرية المعتمدة على أحدث النظم في ذلك العصر، واعتمد على العنصر المصري، واستمر في نجاحه، وكان أول من اتجه إلى الشام كمنطقة تحقق أمن مصر، حتى تكالبت عليه الدول الأوروبية بزعامة بريطانيا، وانتهت بتوقيع معاهدة لندن عام 1840م.

وفي نهاية هذا القرن، عقد أخطر مؤتمر أثر على منطقة الشرق الأوسط، ألا وهو المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا في 29 أغسطس/آب 1898م، والذي وضعت فيه اللبنة الأولى للعمل المنظم لإقامة دولة إسرائيل في فلسطين.

الشرق الأوسط في القرن العشرين
تميز الشرق الأوسط في القرن العشرين بالتغيرات الإقليمية والمعالم الحادة، فمع اختفاء دول مثل الدولة العثمانية وتوزيع أملاكها على إنجلترا وفرنسا ووضع بعضها تحت الحماية وبعضها تحت الاحتلال والبعض الأخير تحت الانتداب، أصبح الشرق الأوسط ضمن مسارح العمليات في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقامت الثورات ضد الاحتلال للمطالبة بالاستقلال من جانب الدول العربية.

ونجح الغرب في زرع إسرائيل في الوطن العربي، وبدأ من ذلك الوقت الصراع العربي الإسرائيلي الذي ما زال حيا حتى الآن، وتصارع عليه -بعد الحرب العالمية الثانية- كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي.

وحاربت مصر الأحلاف والدفاع المشترك، وأصبح الشرق الأوسط مجالا للشد والجذب بين الدولتين، وتصارعت فيه القوى الإقليمية في حروب وانقسامات طالت الدول العربية.

وأنشئت الجامعة العربية، وتدفقت ثروات البترول في الدول العربية، مما جعلها مطمعا للقوى الكبرى، وتمكنت الدول العربية في النصف الثاني من القرن العشرين من نيل الاستقلال، وشاركت القوى العظمى فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة بقواتهم في حروب الشرق الأوسط مثل العدوان الثلاثي وحرب الخليج الأولى.

الشرق والأوسط وحرب 1948
لقد كانت حرب 1948 من المتغيرات الرئيسية الإقليمية والدولية بالمنطقة، وكان لها تأثير كبير على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط ومواقف القوى الدولية حيالها.

وظهرت في المحافل الدولية باسم مشكلة الشرق الأوسط، ولعل من أهم أسباب هذه المشكلة هو أن عوامل استمرار الصراع العربي الإسرائيلي ظلت سائدة ومستمرة في المنطقة.

وتتلخص أهم هذه العوامل فيما يلي:
1- عدم إقرار الصلح بين العرب وإسرائيل.
2- قصور نظام الهدنة.
3- حق المرور من الممرات المائية والمقاطعة الاقتصادية لإسرائيل.
4- تغيير حدود الدولة اليهودية كما جاء في قرار التقسيم.
5- ظهور مبدأ الأمر الواقع وفرضه بالقوة ونجاحه في إنشاء إسرائيل.

ولهذا كانت الظاهرة المميزة في منطقة الشرق الأوسط هي استمرار عدم الاستقرار، واستمرار الضعف والتفكك بين دولها العربية، مع قيام دولة جديدة لإسرائيل بمساعدة الغرب وجد فيها ما يمكن أن يحقق أطماعه في الشرق الأوسط وفقا للخط الإستراتيجي المتصل، وهو العمل على إبقاء المنطقة ضمن نفوذه والمعاونة في تنفيذ هدفه الإستراتيجي واحتواء الاتحاد السوفياتي ومحاصرته في الحرب الباردة للأهمية الإستراتيجية لموقع الشرق الأوسط في ذلك المخطط.

ولهذا أصدرت الدول الثلاث (الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وفرنسا) تصريحا عام 1950م، وهو معنيّ بعدم الإمداد بالسلاح والمعدات للدول التي مازالت في حالة حرب، ويطبق على الدول العربية، ولم يطبق على إسرائيل مما زاد من إضعاف الدول العربية.

الجولة الثانية من الصراع
كان من أهم نتائج عدوان 1956م التي أثرت على مجرى السياسة في السنوات التالية، وعلى الصراع العربي الإسرائيلي:

1- انطلقت الدعاية المصرية بقوة تؤكد أن مصر قد انتصرت على ثلاث دول، وأعطت شعورا بأن ذلك حقيقة، وأن مصر يمكنها أن تتعامل مع أي قوات تحاول غزو أرضها.

2- قرار انسحاب القوات أو تفريقها من سيناء قرار حكيم في ذلك التوقيت الزماني والمكاني، ولكن في العمليات القتالية كل حالة لها حلها، وقد أخذت الدعاية تضخم من أهمية هذا القرار، مما كان له الأثر البعيد في حرب 1967.

3- كانت هناك معارك تكتيكية قد حدثت وتفوقت فيها القوات المصرية على الإسرائيلية، ولم تركز عليها الأضواء، وكانت -لو وضحت- تعطي انطباعا بأن المقاتل المصري قوي ويتميز عن المقاتل الإسرائيلي.

4- إسرائيل كعادتها لم تترك أية فرصة إلا واغتنمتها، فكان ثمن انسحابها من سيناء حرية الملاحة في خليج العقبة.

5- الوحدة بين سوريا ومصر تعد من الفرص الضائعة في الصراع العربي الإسرائيلي، لأنها تمت من دون أساس.

الجولة الثالثة من الصراع
لقد أحدثت حرب 1967 آثارا عميقة في المنطقة وغيرت كثيرا من الأوضاع الإستراتيجية وتوازن القوى في المنطقة.

وكانت أهم النتائج كما يلي:
1- أصبحت الولايات المتحدة الأميركية هي صاحبة الحل في مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي، وعملت جاهدة في فترة الحرب على تأكيد هذا المفهوم، ومن هذا المنطلق استمرت في تسليح إسرائيل بأحدث الأسلحة والمعدات

2- كانت لحرب 1967 آثارها البالغة على الاقتصاد المصري نتيجة توقف الملاحة
3- فقدت مصر برئاسة عبد الناصر مركز الصدارة في الأمة العربية.
4- ظهور إسرائيل قوة ردع قوية في المنطقة وحليفا للولايات المتحدة الأميركية، وأن تعاونها مع الولايات المتحدة يؤدي إلى تنفيذ الإستراتيجية الغربية في المنطقة.

الجولة الرابعة من الصراع
كان لحرب أكتوبر 1973 العديد من النتائج، أهمها:
1- إنهاء أسطورة الجيش الذي لا يقهر ونظرية الأمن الإسرائيلي.
2- عودة الثقة في المقاتل المصري.
3- عودة مشكلة الشرق الأوسط ثانية إلى الحياة، والبحث عن حل لها، وأرغمت الولايات المتحدة على تناول هذه المشكلة بعدما كانت تطالب بالاسترخاء.

4- أهمية تعمير وتنمية سيناء، لأنها البوابة الرئيسية لمصر، وبتعميرها تقل فرص التعرض لها.
5- تم فتح قناة السويس وإعادتها إلى الملاحة مرة ثانية.

وفي خاتمة كتابه يقول المؤلف إن الصراع العربي الإسرائيلي لم ينته بالجولة الرابعة عام 1973 ومعاهدة السلام 1978، بل لا يزال متواصلا وأصبح أكثر تعقيدا، لأن القضية الفلسطينية هي لب الصراع، وقد دخلت عليها متغيرات إقليمية ودولية ومحلية بالانقسام الفلسطيني واستقطاب القضية من أطراف عربية وأطراف إقليمية مثل إيران وتركيا، مع زيادة المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، علاوة على انسحاب إسرائيل من قطاع غزة وحصاره.

كما تم بناء الحائط الذي يحيط بإسرائيل وتولى اليمين المتطرف مقاليد الحكم في إسرائيل.. كل هذا يجعل الصراع مستمرا للوصول إلى حل شامل يسمح باستقرار السلام في منطقة الشرق الأوسط.

لذلك لا بد الآن من تضامن عربي واضح يعمل على حل المشكلة الفلسطينية حلا جذريا شاملا.


لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.