08 يونيو 2011

إصدارات: كتاب جديد عن تشيخوف


(المصدر: جريدة تشرين، 8 يونيو 2011)

كتاب حول تشيخوف.. لقاءات وانطباعات

دمشق
ثقافة وفنون
الأربعاء 8 حزيران 2011
عبد الناصر حسو
في كل مناسبة ثقافية أو فنية نفاجأ نحن القراء بكتاب جديد عن أنطون تشيخوف، أو عن نتاجه الإبداعي،.

هذا إذا استثنينا أعماله الإبداعية الكاملة من قصص ومسرحيات، وليس مستغرباً أن نجد في المستقبل القريب، كتاباً خاصاً يجمع مقالاته النقدية في الصحف بين دفتيه، فالعالم يكتشف جديداً في إبداعه مع كل قراءة جادة، لدرجة أن روحه الإبداعية انفلتت من عقالها واجتاحت كتاب معظم بلدان العالم وأطلقت عليها الروح التشيخوفية كنظرية، هل يمكننا أن نطلق عليه «تشيخوف معاصرنا» كما أطلق النقاد الإنكليز على نتاج شكسبير «شكسبير معاصرنا» لراهنية الأفكار والمواضيع بحيث تقطع الأحقاب والأزمان لتستقر في روح إنسان هذا القرن؟ ‏

كتاب جديد بعنوان «حول تشيخوف..لقاءات وانطباعات» من تأليف شقيقه الأصغر ميخائيل تشيخوف من ترجمة زياد الملا، وميخائيل تشيخوف صاحب نظرية «فن الممثل» المترجم حديثاً إلى العربية عن مجموعة مسارح الشارقة، وبمناسبة الذكرى المئوية لوفاته عام 2004 صدر كتابان جديدان لأول مرة هما: «تشيخوف: مشاهد من حياة» لروزامندا بارتلت، وآخر «تشيخوف حياة في رسائل» لروزامندا بارتلت وأنتوني فيليبس، وقد خصصت منظمة اليونسكو عام 2004، عاما لإحياء ذكرى مئوية وفاة تشيخوف. ‏

ما سر اهتمام العالم بتشيخوف؟ لعل في الأمر روحاً تربط تشيخوف الإنسان أينما كان بصرف النظر عن عرقه وجنسه ومعتقده وجغرافيته وتاريخيته، نعود ونؤكد أن تشيخوف أصبح نظرية أو منهجاً قادراً على اختراق الجدران الصماء، فكيف بالجدران القابلة للمعرفة والانفتاح على الآخر!

الكتاب يروي أحداثاً من الماضي السحيق قبل ولادة أنطون تشيخوف نفسه لتثبيت الوضع العائلي في روسيا القيصرية وتفرعات العائلة إلى أن نصل إلى أنطون تشيخوف وأخوته ووالديه، فهو ينتمي إلى منطقة تاغانروغ الشرقية حيث ولد فيها وتجول في أصقاع روسيا شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً يسجل ملاحظاته ويحولها إلى إنتاج إبداعي، وزار سجن ساخالين في سيبيريا وكتب عن السجناء/ النزلاء وعن موتهم، وتناول مواضيعه من الحياة اليومية، وقد نجد مواضيع وشخصيات حقيقية في مسرحياته وقصصه بأسلوبه الساخر، كان أجداده من الأقنان استجروا من تشيكا، حرر جده الأكبر نفسه وأولاده من الإقطاعيين بدفع مبالغ، بينما كان والده صاحب دكان شاء تحسين طبقته الاجتماعية، لكنه أفلس وعاش عالة على ابنه أنطون. ‏

يسهب الكاتب ميخائيل في وصف انطباعاته حول العائلة بشكل عام، ويركز حول أنطون تشيخوف منذ أن كان صغيراً، فيسرد أحداثاً لم نسمع بها من قبل عندما كان طالباً صغيراً في الصف الخامس والسادس، وسخريته ليس من أخوته الأكبر منه، بل من معظم الناس، ويركز على السخرية من الفتيات، يقول منذ صغره كان يسخر من النساء والفتيات، إما من أجل السخرية وإشاعة روح المرح، وإما من نفوره منهن، رغم أنه كان وسيماً طويلاً وأصبح طبيباً فيما بعد ويعشق النساء، إلا أنه تزوج من الممثلة الشهيرة أولغا كبيبر قبل موته بثلاث سنوات ولم يرزقا بطفل، كان أمره غريباً إلى حد ما. ‏

وهكذا تتنقل العائلة إلى موسكو بعد إفلاس الوالد، وهو عملياً ليس انتقالاً بقدر ما هي هروب من الدائنين بعد بيع المنزل الذي تسكنه العائلة، ويعيش الوالدان عالة على أنطون الذي يجهد نفسه للحصول على إعالة أخوته من المقالات التي كان يكتبها في الصحف آنذاك، حتى أصبح صاحب مزرعة كبيرة. ‏

الكتاب يقدم عرضاً بانورامياً حول الوضع الثقافي والصحف التي كانت تصدر في موسكو، ومشكلات الطباعة ومساهمة آل تشيخوف فيها إذا كان أنطون وميخائيل ونيقولاي الرسام، وفي الوقت نفسه يشير إلى مصادر مواضيع وشخصيات تشيخوف القصصية والمسرحية ويذكر حادثة ثم يعلق عليها الكاتب، بأن الشخصية الحقيقية تحولت إلى قصة هكذا نشرها تشيخوف في الصحافة، وفي ذلك يستخدم تشيخوف أشخاصاً حقيقيين أبطالاً في قصصه بغض النظر إن كانوا أثرياء أو فقراء، إلا أن الهاجس لديه هو الحالة التي يقدمها للقراء، ويترك للقارئ الموقف الذي يتخذه، بمعنى ألا يتعاطف مع شخصياته أو ينفر منها بقدر ما يقدم حالات حيادية من تاريخ روسيا ومن تاريخ العائلة. ‏

نورد هنا اللحظة التي توفي فيها أنطون عندما كان في فندق في يالطا أثناء النقاهة: في الثالثة فجراً في منتصف تموز 1904، طلبت زوجته أولغا من طالب الطب استدعاء الطبيب، إذ كان يتنفس بصعوبة، فاستخدم الطبيب الأوكسجين، ثم طلب زجاجة شمبانيا، وأدرك تشيخوف أنه سيرحل، ثم قال: لم أشرب الشمبانيا منذ وقت طويل، شرب الكأس دفعة واحدة، ثم خرج صوت من حنجرته، ومال رأسه، أبلغ الطبيب أولغا بأنه توفي، فأمسكت بمعطف الطبيب وهزته: ليس صحيحاً يادكتور! قل إن ذلك ليس صحيحاً.. وانتظر الطبيب الطالب حتى 1958 ليكتب عن موت تشيخوف في مجلة المهاجرين الروس في باريس، وقال إنه حاول والطبيب تصحيح وضع رأس الكاتب، لكنه بقي مائلاً، لم ترض إدارة الفندق الذي كان يسكن فيه تشيخوف بنقله في حمالة لئلا يضايق الموت سائر النزلاء، فوضعت الجثة في سلة غسيل في وضع انعكس الضوء على وجه تشيخوف بدا كأنه يبتسم لوضعه ويتمسك بمرحه في موته، بينما كانت رواية أولغا أن تشيخوف قال بالألمانية إنني أموت، وبعد موته دخلت فراشة سوداء ضخمة الغرفة مثل عاصفة وأخذت تضرب المصباح الكهربائي. ‏

من دون شك، فالكاتب ميخائيل يروي عن أخيه انطباعاته ومشاهداته، وأحياناً ينوب عنه في وصف المشاهد التي زارها لدرجة أن انطون كان يثق به، ويوكّله ليقبض ثمن قصصه المنشورة في الصحف لانشغاله بالكتابة أو الزيارة إلى داخل روسيا أو خارجها. ‏

لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.