05 أغسطس 2010

قراءات: كتاب "ألوان أخرى" لـ(أورهان باموق)


فرغت قبل قليل من قراءة كتاب "ألوان أخرى: قصة جديدة ومقالات" للكاتب التركي الشهير الحائز على جائزة نوبل في الأدب (أورهان باموق). صدرت هذه الترجمة العربية عام 2009 عن دار الشروق بترجمة (سحر توفيق) في 439 صفحة. الكتاب كما هو واضح من العنوان عبارة عن مقالات متفرقة نُشرت سابقًا، بالإضافة إلى قصة جديدة، وحوار صحفي، والكلمة التي ألقاها باموق في حفل استلامه لجائزة نوبل.

حاول المؤلف أن يجمع المقالات في موضوعات، فتجد أولا قسمًا بعنوان "الحياة والقلق" يحتوي على مقالات يتحدث فيها باموق عن مشاهدات وانطباعات من حياته الشخصية، عن والده، وابنته، وذكرياته وأشياء أخرى. أما القسم الثاني "الكتب والقراءة" فيحتوي على مقالات عن القراءة ومكتبة باموق الشخصية وانطباعاته عن بض المؤلفين والروايات. ونجد في القسم الثالث مقالات تتحدث عن تركيا والسياسة وأوروبا. ثم في القسم التالي نقرأ مقالات يتحدث فيه باموق عن رواياته وذكريات وانطباعات عن كتابتها. وفي القسم التالي مقالات عامة يجمعها موضوع الصور والنصوص. أما القسم الأخير فيحتوي على مقالين عن مشاهدات باموق للحضارة الأمريكية، ثم حوار في مجلة باريس ريفيو، ثم قصة جديدة، وأخيرًا كلمة نوبل.

هذا من الكتب التي لا تكون فيها مضطرًا إلى قراءتها من الغلاف إلى الغلاف، بل يمكنك اختيار المقالات التي تريد قراءتها وترك التي لا تجذبك عناوينها، أو يمكنك (كما فعلت أنا) أن تمرّ على الفقرات الأولى سريعًا لتحدد ما إذا كنت ستواصل القراءة أم لا. وهكذا فقد استغنيت عن قراءة عددٍ من المقالات لأسبابٍ مختلفة، أحيانا لم يجذبني الموضوع، وأحيانًا كان باموق يتحدث عن كتب لم أشأ أن أقرأ عنها قبل قراءتها، وأحيانا لم أكن في مزاج لقراءة قصة أو استرسال وجداني.

راقتني كثيرًا المقالات التي تحدث فيها باموق عن ابنته (رؤيا) حيث أطلعتني على عالم لم أجربه بعد ويبدو رائعًا فيه شغب الأطفال وبراءتهم وشقاوتهم ورائحتهم. علاقة باموق بابنته لامست شيئا داخلي.

ومن المقالات التي استوقفتني مقال "العدالة الشعرية" حيث يذكر فيه باموق كيف أن تجاربه مع بعض الشخصيات أو أصحاب المهن جعلته يصوّرها بطريقةٍ معينة انتقامًا أحيانًا، فمثلا كانت له تجربة سيئة مع الحلاقين والجزارين، فظهروا في رواياته أشرارًا.

استمتعتُ بمقاله عن عبّارات البوسفور وكيف تجوب اسطنبول لتنقل الناس يوميًا من قسمٍ من المدينة إلى قسمٍ آخر. تخيلتُ أن تكون هناك عبارات بين مدن صغيرة في مسقط.

هزّني كثيرًا مقاله عن الزلزال الذي أصاب تركيا عام 1999. هي أول مرة أقرأ سردًا لتجربةٍ حقيقية في كارثة زلزال. كان وصفه لمشاهداته مؤلماً وحقيقيا.

ومن المقالات التي استمتعتُ بها مقال "كيف تخلصت من بعض كتبي" حيث يقول بأنه شعر بأن مكتبته كانت متواطئة مع الزلزال حين ترجرجت أطراف منها، فقرر معاقبتها، والحقيقة أنه عاقب نفسه، أو بالأحرى كان يعاقب استثماره في الوقت والمال في تلك الكتب التي قرر التخلص منها. ويقول إنه ما يزال يتخلص من بعض كتبه ولكنه يشتري الكتب بنسبة أكبر. راقني ما قاله بأنه لا يشعر بعاطفة قوية تجاه مكتبته، ومن بين كتبه كلها هناك حوالي 15 كتابا يحبها بالفعل. يقول " وهي [أي المكتبة] كصورة، كمجموعة من الأثاث، ككومة من التراب، كعبء متجسد، لا أحبها على الإطلاق. والشعور بالألفة مع محتوياتها يشبه إقامة علاقات بنساء فضيلتهن الرئيسية هي أنهن على استعداد لتبادل الحب معنا دائمًا؛ فالشيء الذي أحبه كثيرًا في كتبي هي أنني أستطيع أن ألتقطها، وأقرأها متى أشاء. ولأنني أخشى "الارتباطات" بقدر ما أخشى الحب، فإنني أرحب بأي مبرر للتخلص من الكتب" (ص127).

ومن أجمل مقالاته أيضًا "أين أوروبا؟" الذي يناقش فيه الحيرة التي يعيشها الأتراك والتذبذب ما بين الشرق وأوروبا. لديهم رغبة في أوروبا كمستقبل، ولكن تُرى أي أوروبا؟. هل أوروبا التكنولوجيا والعلوم؟ أم أوروبا الحريات وحقوق الإنسان؟ أم أوروبا العنصرية؟ أم أوروبا المسيحية؟ الخ. وكما يقول "[هي] طيف أحيانا نتطلع إليه وأحيانا أخرى نخشاه".

ولا أنسى القول بأن الكلمة التي ألقاها في حفل جائزة نوبل ممتازة جدًا وجديرة بالقراءة.
ملحوظة: صحيح أنّ هناك مقالات يمكنك الاستغناء عن قراءتها حاليًا، ولكنّ يجب التنويه بأنّ لباموق لغة جذابة وفكرا فريدا يجعلك ترغب في أن تحتفظ بالكتاب في مكتبك للعودة إلى أجزاء منه يومًا ما.
لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

4 comments:

ليلى البلوشي يقول...

قرأت مرة عن اصدار هذا الكتاب ، وقراءتك اليوم ضاعفت من شغفي في الحصول عليه ..

أورهان باموق كاتب ساحق ، لديه حس كتابي رائع ..
والجدير بالذكر أن كل الروايات التي كتبها بها جزءا منه من شخصيته وحياته مع ابنته وزوجته ، هكذا كان يعترف في معظم حواراته الثقافية ..

غير معرف يقول...

قرأت لأورهان أسمي أحمر ولي رغبة عميقة في قرآءة المزيد له .
ودادي

رابع يقول...

قرأت لباموق اسمي أحمر و القلعة البيضاء، وأنوي إكمال المشوار معه فيما تبقى من رواياته، هذا الكتاب لم يكن في قائمتي، ولكنه الآن انضم إليها.

شكرا ً لك.

قارئة يقول...

لقد سمعت الكثير عن هذا الكاتب ولي وقفة لقراءة كتبه إن شاء الله

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.