16 أغسطس 2010

يرحمك الله يا غازي..


رَحَلَ غازي..

فقدتُ اليوم شخصًا عزيزًا جدًا، خاصًا جدًا، تجمعني به ذكريات رائعة جدًا.

كان أول لقاء جمعني بالقصيبي في المرحلة الإبتدائية، في قصيدة قالها احتفالا بافتتاح جسر الملك فهد بين السعودية والبحرين، ما زلتُ أذكر مطلعها الرائع:

ضربٌ من العشق لا دربٌ من الحجرِ....هذا الذي طار بالواحاتِ للجُزُرِ


ومضت السنين لأصل إلى المرحلة الإعدادية، ويصل هو إلى حفل زفاف ابنته الكبرى، فيكتب لها قصيدة من أجمل القصائد، غنّتها فرقة (سلطانيز) البحرينية بلحنٍ بديع رغم تكسير المطرب في لغتها:
العمرُ أنتِ وريّاهُ ورونقهُ...وأنتِ أطهرُ ما فيه وأصدقهُ
يارا؟ أم الحلمُ في روحي يهدهدها...يارا؟ أم اللحنُ في قلبي يموسقهُ
أمن عيونكِ هذا الفجرُ مشرقهُ...أفديه فجرًا يظلّ الفجرُ يعشقهُ
أطفلةُ الأمسِ هذي؟ أين دميتها؟...وأين مهدٌ أباتُ الليلَ أرمقهُ
أين الحصانُ الذي كانت تلقّبهُ...بابا، تكبّلهُ حينًا وتعتقهُ
وأين كومة أشيائي تبعثرها...وأين دفتر أشعاري تمزّقهُ
وأين في الرمل بيتٌ كنتُ أصنعه...لها فتسكن فيه ثم تسحقهُ
وأين راحت أساطيرٌ ألفقها...في عالمٍ من خيالاتٍ أنمّقهُ
تصغي إليها قبيل النوم في زمنٍ...تتلو على أمها سحرًا وتسرقهُ

تسعٌ وعشر رعاك الله كيف جرى...بنا الزمانُ يكاد البرق يلحقهُ
أطفلة الأمس هذي؟ أين لثغتها...تصيّر الحرف عيدًا حين تنطقهُ
وأين قفزتها إن عدتُ من سفرٍ...تهوي على عنقي عقدًا يطوّقهُ

أهي العروسُ التي يختال موكبها؟...شيء أراه ولكن لا أصدقهُ
يا وردة القلب حيّتكِ الورود وما...للورد نفح عبير منك أنشقهُ
تمازج الوردُ في دمعي فيالَ أبٍ...يلقاكِ بالدمعِ والأفراحُ تخنقهُ



ومضى الزمان ونسيتُ القصيبي الشاعر، حتى عثرتُ على روايةٍ له اسمها "شقة الحرية"، ولا أذكر أين قرأتها أول مرة (ربما في المكتبة الإسلامية التي اكتشفتُ فيها كتبا ومؤلفين لا حصر لهم) ولكنني أذكر أنها أذهلتني جدًا جدًا، وهي الرواية الوحيدة التي قرأتها 3 مرات في حياتي. بها سحرٌ عجيب لا أعرف مكمنه بالضبط، ربما لأنّ الفترة الناصرية تأسرني؟ ربما لأن بها شيئا من رائحة البحرين التي تشكّل جزءا من هُويتي؟ ربما لأنها تلقي الضوء على التحولات الفكرية في الخليج العربي؟ لا أدري!

وكم كنتُ سعيدًا عندما اكتشفتُ بالصدفة رواية أخرى في المكتبة الإسلامية اسمها "7"، والتهمتها بسرعة واستمتعتُ بها كثيرًا. وعندما بدأتُ أشتري الكتب اقتنيتُ عددًا من كتبه، فقرأتُ "العصفوية" وهي من أفضل الروايات العربية، وقرأتُ "أبو شلاخ البرمائي" وضحكتُ كثيرًا مع القصيبي، وقرأتُ "هما" و "سعادة السفير" و "الجنية" و "دنسكو" و "استراحة الخميس" و غيرها الكثير. أسلوبه الأدبي الساخر يذهلني، وهو أسلوب متفرد مميز لا أجد لذته مع أي كاتب عربي آخر.

وأما الكتاب الذي يقفز إلى ذهني مباشرة حين يطلب مني الأصدقاء ترشيح كتب عربية لهم فهو الكتاب الرائع "حياة في الإدارة". رحلة إدارية ممتعة وفي قمة الفائدة يأخذك فيها القصيبي دون توقف من الغلاف إلى الغلاف، ولم أعرف أو أسمع عن أحد ندم لقراءته هذا الكتاب أو لم يبد إعجابه الشديد به.

أحببتُ غازي القصيبي كثيرًا، وكنتُ أتمنى أن أقابله يومًا ما. كان بالنسبة لي كثيرًا من الأشياء، فهو روائي ساخر تروقني رواياته وقفشاته، وهو شاعر مميز تطربني قصائده، وهو إداري فذ تعلمتُ منه الكثير، وهو إنسان نبيل يشجّع الأدباء الشباب (مثلا كتب تعليقًا على غلاف أول رواية لعبده خال، وأصدر كتابا كاملا بعنوان "الخليج يتحدث شعرا ونثرا" يشير فيه إلى إبداعات أدباء الخليج الشباب).

بكل صدق..حزنتُ كثيرًا لوفاته، ولكن هكذا شاء الله أن يريحه من صراعه مع المرض.

رحمك الله يا غازي
لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

16 comments:

غير معرف يقول...

رحمك الله!

غير معرف يقول...

كان خبر رحيله هو مافتحت عيني عليه فقد كنت أنتظر رداً على أحد موضوعاتي وغذ بي أُفاجاء بالتعازي والتواقيع .
كان بحق إنسان عظيم وكما ترددأمي مذ سماعها الخبر ( موته خساره ) ، غفر الله له وأسكنهن الفردوس الأعلى .
تغريد..

غير معرف يقول...

رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ... وهذا تتويج له بأن يتوفاه الله في شهر رمضان.. وشكرا لك يا أحمد على هذا الموضوع

يونس الحرّاصي

غير معرف يقول...

كم هو مؤلم هذا الخبر
فلم تنقضِ حتى بضعة أشهر يوم كنا نردد "أتيت أرقب ميعادي مع القمر "
رحمه الله

خديجة السالمي

غير معرف يقول...

رحمة الله تغمر روح الفقيد .

وضحى البوسعيدي يقول...

رحمـه الله ..

تقريبا اول كتـاب اقتنيه بمالي كان ( باي باي لندن و مقالات اخرى ) لـ غازي القصيبي

هَالـة يقول...

رحمه الله

غير معرف يقول...

أذكر أن أول رواية قرأتها لأبي يارا كانت "شقة الحرية" ، استعرتها من أستاذي وأخي القدير أحمد المعيني بعد توصية خاصه منه ، حينها اكتشفت (متأخرا)كاتبا يروقني أسلوبه كثيرا ، وتوالت بعدها قراءاتي لهذا الأديب الجميل الذي يمزج بين المحتوى والشكل
شكرا لك أستاذي أحمد
وغفر الله لفقيد القلم غازي القصيبي

إدريس العدوي

مهند يقول...

شقة العصفورية، 7، أبو شلاخ البرمائي، حياة في الإدارة.. كتب قرأتها للراحل اكثر من 3 مرات..
لم أحزن لرحيل أديب مثل حزني على رحيل أبو يارا..
رحمك الله يا غازي وأسال الله لك جنات الفردوس

هيلة يقول...

خبر مُحزن :(
رحمه الله وغفر له ،، واسكنه الفردووس الاعلى من الجنة ،،

غير معرف يقول...

لا شيء يدعو للحزن
فقط الحزن وحده يدعوك اليه
لا اعرف لماذا احسست حين قرأة المذيح الخبر ان شمعة اطفئت فازداد الظلام حلكة
رحمك الله ياغازي
ورحمنا من بعدك
حقا سنشتاق اليك
ميساء الهنائي

Unknown يقول...

لن يملأ مكانه في الساحة الادبية احد.. رحمه الله عليه

غير معرف يقول...

القصيــبي هو المفضـل في بيتنا, الكل يقرأ له !!

سمعت خبر وفاته من أخي فورا بعد أن صحوت من النوم قبل أمس, كان شعوري كشعوري تماماً عندما سمعت خبر وفاة جدتي ..

الله يرحمه .. سنلتقي به في الجنة ان شاء الله ..

مقالات يونُس البوسعيدي يقول...

الذي أحزنني هو موتُ ( شاعر ) قدير من ( الجزيرة )
كان ( أمام الشمس )

أحمد الراشدي يقول...

أول ما تعرفت على القصيبي من أشعار متفرقة له ثم في الجامعة وجدت وأنا أقلب رفوف الكتب سيرة له عنونها بسيرتي الشعرية على ما أذكر (من يريد قراءتها سيجدها في مكتبة جامعة السلطان قابوس قسم الأدب العربي)تعرفت فيها على رحلته منذ صباه مع الشعر ثم صداقته بالشاعر عبدالرحمن رفيع ومراسلاته للمجلات العربية في بداياته والطرائف التي حصلت له...
الشاعر عندما يكتب رواية يزداد جمالا هكذا كان القصيبي في كتابته الروائية..
ياصديقي الموت رفقا بأمتنا العربية : ما بالك تحصد كتّابها،لم أفق بعد من حزني على الطاهر وطار ونصر حامد أبو زيد ومحمد عابد الجابري ووو...شكرا لك يا غازي القلوب

غير معرف يقول...

الفاتحة على روحه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، إياك نعبد ، وإياك نستعين ، اهدنا السراط المتسقيم ، سراط اللذين انعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ، ولا الضالين ،
آآآآآآمين
صدق الله العظيم ..

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.