28 نوفمبر 2010

قراءاتكم: رواية "برهان العسل" (قراءة: حاتم سالم)


(نُشرت هذه القراءة أولا في موقع الحوار المتمدن، على هذا الرابط)

برهان العسل : التابو المباح

قراءة: حاتم سالم عبدالله


من بين المحرمات الثلاثة : السياسة والدين والجنس , قررت سلوى النعيمي أن تسقط الأخير وتتحدث عن العسل والعُسيلة !. اختارت المُفكر كي يكون شريكا يغوص في كهوفها السرية المتحرقة لنفس رجولي. لم يكن هذا المُفكر غريما ولا عشيقا لها , انما أداة جنسية تساعدها على أن تقذف اللذة التي امتهنت كبتها لسنوات.

" هنالك من يستحضر الأرواح , أنا استحضر الاجساد. لا أعرف روحي ولا أرواح الآخرين , أعرف جسدي وأجسادهم "

ورغم انها استطاعت ان تطلق العنان لفضولها الغريزي , الا انها لم تستطع ان تتملص من سطوة التابو والممنوع , فالمفكر كان سريا , كما هو حال قراءاتها السرية في كتب التراث العربي المعنية بالجنس. وان اقتراب طالب من مكتبها القابع في مكتبة الجامعة , حيث تعمل , يستفز يديها تلقائيا لتخبئ العناوين المشبوهة للسيوطي والنفراوي تحت عناوين أخرى , وما ان يذهب حتى تلوذ لاكمال قراءتها.

" كيف يمكنني ألا اكون بنت هذا التراث ؟ "

برهان العسل , عمل ايروتيكي بامتياز , غير ان هذا الايروتيك يظهر بين صفحاتها في صورة ندوة عن الأدب الايروتيكي. تلك الندوة التي دُعيت للمشاركة بها من قبل مديرها بالمكتبة على خلفية معرض للكتب. أوجدت هذه الندوة مع قليل من التردد شعورا لدى رفيقة المُفكر برغبة في اشعال مصباح صغير يكشف عن قليل من شغفها.

" عرفت أن علي أن اعلن حياتي الموازية. أن اخرج الى النور كومة أسراري الصغيرة. أن امزق الستار الأخير عن المشهد الذي جاهدت طويلا لاخفائه "

وفي حمام بلدي , تعرف كم هي الشرقية معتادة على الصمت حتى عندما تمارس فلكلورا أكثر تحللا من القماش في مدينة مائية عامة كهذا الحمام , انه فلكلور صامت. تخرج من هذه المدينة ورأسها يمرر صورا عن ذلك الخياط الذي كان يتمادى في قياساته لجسدها الصغير آنذاك , يمرر قصصا من عن جارتهم الشابة التي اختفت وتزوجت من شخص يصغرها بسنوات , وظلت أسيرة سطوة اللسان الاجتماعي .

"كنت صغيرة عندما جاء عمو لزيارتنا. كانت الحكايات تدور امامي ولم اكن افهم الكثير. أعرف فقط ان ابي بعد مناقشة طويلة مع أمي وراء باب غرفتهما المغلق , اقنع القريب باختصار زيارته والعودة الى زوجته واولاده في المدينه البعيدة."

وتستمر الحكايا , ولكن هذه المرة عن خط الرجعة , الذي دأبت ميساء على الحفاظ عليه وهي تنام مع حبيبها. خوفا من مأساة تطيح بشرف أهلها وبيتها في ليلة عرسها من ذلك المهندس ثقيل الدم. وتارة اخرى عن الاختلافات الاجتماعية والعرقية التي تجمع بين جسدين وتارة أخرى عن سخافات رجل يجازف بخلع كل ملابسه في شقة صديقته ولا يحظى بنظرة منها !

"تروي سليمى , كان لبنانيا مثلي , طويلا جميلا , ابيضاني اللون , مع شعر اسود. كل يوم مع بنت , يغار منه الرجال وتعجب منه النساء. يحضر دكتوراه في السوربون. لم يحصل عليها طبعا. هذا يعني انه لم يكن يفعل شيئا , شبه متفرغ لفتوحاته الجنسية"

تُعرج برهان العسل , على التناقض بين التشدد القانوني في البيئات العربية والاسلامية في قضايا الزنا والاختلاء وبين الحرص الاسلامي الذي يطبق عقوبة الزنا في حالات ضيقة جدا وصعبة الشروط. ولعل قصة زوج المدلكة كانت فاتحا للحوار حول موضوع الزنا وتعامل الدولة معه وفاتحا أيضا لموضوع الخيانة الزوجية. وقصة مونيك الفرنسية زبونة المدلكة ليست ببعيد !. فهل حقا ان الرجال لا أمان لهم ؟!

يعود المُفكر ثانية لقلب الفلاش باك , ويعيد إليها ذكرى كل نزواتها الغائبة , تلك النزوات التي فتحت للشعر والقصيد مدخلا في قلبها , تلك النزوات التي علمتها أن العروبة مع شئ من الحرية قد يرضي غرور رجل شرقي فحل كالمُفكر. تضع قلمها جانبا وهي تعمل على فصل من دراستها للندوة مصدومة من هوس العربي بتداول المقويات الجنسية !

وبعيدا عن الحبوب الزرقاء والمقويات الجنسية , يستفزها الحاسوب ( المخصي) الذي يرفض كل الكلمات العربية البذيئة ويقبل بمقابلها الانجليزي أو الفرنسي , وكأنما تشير الرواية إلى الحالة نفسها التي تجعل من الأكاديمي ورجل المجتمع البسيط أن يستبدل الاصطلاح الجنسي العربي بالأجنبي , وكأنه أكثر ادبا !

" حاسوب عذراء , حاسوب مخصي على الأخص "

ماذا ينقصنا تصرخ بأعلى صوتها وهي تتصفح الاستشارات الطبية الجنسية لأحد المواقع العربية. جهل منقطع النظير حتى بالجانب التشريح العضوي للأعضاء التناسلية. ترجئ السبب لانعدام التربية الجنسية في المجتمعات العربية وتزداد تعجبا وهي تقرأ في احد كتب التراث العربي , كيف تعلم الأم ابنها بأسرار المرأة على السرير !

ذهب المفكر , لم يعد هناك من يتذوق العسل , تلاشت ملامحه المثولوجية , لم يكن أكثر من خدعة سينمائية ليخرجها هي من طور حياتها السرية إلى العلن الفاضح !

لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

2 comments:

غير معرف يقول...

وقع الكتاب بين يدي ذات صدفة ،،،

قلبت أوراقه خلال خمس دقائق ،،، فقررت أن لا أتصفحه ...

فقبل أن تتحدث سلوى النعيمي عن الجنس، كان عليها أن تبحث عن قضايا أكثر أهميةوإلحاحا،، ما زالت تنتظر من يكشف عنها الستار ،،،

في الواقع أظن بأن كتابنا ،،، أصبحوا يعيشون أزمة الكبت علناً ...

ورغم كل شيء يبقى هذا رأيٌ شخصي ،،،

(أماني المقبالي )

حاتم سالم عبدالله يقول...

أماني المقبالي : الرواية ليست الا اداة لتسطير الواقع , والجنس احدى هذه الامور الواقعية. اختلف معك قليلا , فالرواية لم تتحدث عن الجنس وحسب , انما عن قضايا مرتبطة به كان بعضها يظهر أول مرة في قالب روائي.

احترم وجهة نظرك , وشكرا على التعليق

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.