15 فبراير 2011

استطلاع حول المبادرات القرائية في عُمان


(نُشر هذا الاستطلاع في ملحق "نون" الذي تصدره الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في جريدة "الشبيبة" العمانية، بتاريخ 14 فبراير 2011)

المُبادراتُ القِرائيّة : لأجلِ مُجتمعٍ قارِئ!

بدرية العامري



“أكثر من حياة” : المُجتمع العُماني يستطيع “من دونِ مشقّة” أن يصبح مُجتمعا قارِئا بامتياز.
مهرجان القِراءة : كان التّفاعُل خجولا مع غيابٍ واضِحٍ للإعلام.
“القرية القارِئة” : وأنت تُفكِّر في الآخرين فكِّر بنفسِك ، قُل ليتني شمعةً في الظّلام!
“كِتابٌ أعجبني” : المُبادرات ..ثقب جِدار بملعقةِ شاي!
”مدينتي تقرأ” : لا أفهم لماذا لا يقرأ الناس !
------------------

كلّما آمن المرء بأهمِّيّة القِراءة ، كلّما سعى لترويجها بشكلٍ أكبر ، ومؤخّرا بدأ الاهتمام بالوعي القِرائي يزداد ، وبدأت المُبادرات والبرامج القِرائيّة التّطوعيّة تحتل اهتمام الكثيرين، وتحضى بمتابعة لا بأس بها.

نون تطرّقت لبعضِ المُبادرات القِرائيّة الّتي سعت لنشرِ الوعي القِرائي بشكلٍ أكبر من بينِها برنامج ” كِتاب أعجبني” ، وهو برنامجٌ إذاعيٌّ يوميٌّ يُبثُّ على إذاعةِ سلطنةِ عُمان ، يُعدّهُ ويُقدِّمهُ سليمان المعمري ، يقوم البرنامج باستضافةِ كلّ يومٍ قارِئٌ جديدٌ يستعرِضُ كتابا أعجبه ، يسعى البرنامج للتّعريف بعددٍ أكبر من الكُتُب الّتي يهتم بِها القارِئ العُماني من خِلالِ الضِّيوف كدعوةٍ للقِراءةِ.

http://morethan1life.blogspot.com و مدوّنة ” أكثر من حياة ”
، وهي مدوّنة عُمانيّة الأولى من نوعِها ، متخصِّصة بالقِراءة ، تتضمّن الكثير من التّقسيمات الّتي تخدُم القِراءة ، فثمّة قِسم لتبادُل القِراءات ، والاقتباسات ، واستطلاعات متجدِّدة ، كما تحوي المدوّنة على ملخّصات وقِراءات يُعدّها المهتمّون بالقراءةِ ، وبدأت المدوّنة بإطلاق مُبادرات قِرائيّة جميلة كـ ” رِحلة كِتاب” ، و ” الكِتاب السِّندباد”.

وتُعدُّ المدوّنة واجِهة جميلة لترويجِ المُبادرات القِرائيّة ، فهي تحتضِنُ أي خبرٍ أو استطلاعٍ أو برنامج يهمُّ الكِتاب والقِراءة داخِل حدود الوطن وخارِجها.
ومُبادرة “مدينتي تقرأ” الّتي أُطلِقت قبل أيّام ،وهي مُبادرة بدأت بأفكارٍ فرديّة لأربعةِ شباب ، سُرعان ما تحقّقت على أرضِ الواقِع برعايةِ ودعمِ اللّجنة الثّقافيّة بنادِي الرُّستاق ، تستمرُّ المُبادرة لسنةٍ كامِلةٍ ، وتتضمّن العديد من الفعاليّات القِرائيّة الّتي تخدُم المُجتمع بكافّةِ أطيافِه (توزيع مكتبات ثابِتة ، إقامة ندوات، ورشة للكتابةِ الإبداعيّة ، برنامج أُسرتي تقرأ ، برنامج رحلة كِتاب ، أُمسية قطاف لعرضِ ومناقشةِ الرّسائِل والبحوث العلميّة 3 مرّات خِلال السّنة ، وأُمسية شهريّة ثقافيّة) ، كما سيُدشّن ضِمن برنامج المُبادرة معرِض للكتُبُ المُستعملةِ يعود ريعهُ لتأسيسِ مكتبةٍ مخصّصةٍ لكُتُبِ الأطفالِ ، وحملة لتأسيسِ مكتبةٍ عامّةٍ بالولاية .
كما سيتم الحديث في هذا الاستطلاع عن مهرجان القِراءة ” نورٌ وبصيرةٌ” ، وهو مهرجان يحاول أن يشجع الناشئة على القراءة لما تشكله من دور تنويري؛ تنظمه السبلة الثقافية سنويا بالشراكة مع جامعة أو كلية أو مؤسسة تعليمية ، وقد نُظِّم قبل أسابيع بالتّعاونِ مع كلِّيّةِ الشّرقِ الأوسطِ.

يهدِفُ المهرجان إلى تعزيز ثقافة القراءة والإطلاع لدى الأطفال و الشباب ،وقد دشّن مهرجان القِراءة لهذِه السّنة ثلاث مُبادرات قِرائيّة ( صالون القِراءة للكِبار الّذي يُقام في شهريّا في أحد المقاهي ،و قافلة القراءة لطلبة مدارس المرحلة الثانوية، ومبادرة اقرأ للأطفال من 6 -12 سنة) ، كما صاحبَ المهرجان معرِضا للكتاب ، وعدّة فعاليّات أبرزها مُسابقة القِراءة.
وعن مُبادرة ” القرية القارِئة” ، وهي مُبادرة أطلقها أحمد الرّاشدي في قرية وادي قري بولايِةِ سمائِل ، تستهدِف فِئة الفتيات فوق سنِّ الـ 11 ، ما يلفُتُ في مُبادرةِ الرّاشدي أنّها قامت في منزلهِ ، بحيث رتّب مكتبة خاصّة للإعارة ، وأطلق شِعار ( اقرئِي وثِقي بنفسكِ) ، كما أنّه لم يغفل الجانب التّشجيعي ، فخصّص رُكنا للهدايا ، عِبارة عن 25 عنوان ، يحقُّ لمن أنهت قِراءة ثلاثة كُت أن تختار كِتابا منها .

( هل نحنُ مُجتمعٌ قارِئ..؟)
بدءً كان السُّؤالُ عن أراءِ القائِمين على مثلِ هذِه المُبادرات والبرامج في مستوى القِراءة العام للمُجتمع ، فيقولُ سليمان المعمري :
بدايةً دعيني أحيي كل من اختار إيقاد شمعته في الليل البهيم بدلاً من لعن الظلام ، الذي لا أظنه سيبقى دامسا في ظل هذه الرغبة النبيلة من كثير من المخلصين في التنوير .. ولا أخفيك أن الأرقام التي تفاجئنا بها مراكز الأبحاث الدولية عن القراءة ومستواها في الوطن العربي تشعر المرء بالإحباط الشديد وتجعله يتساءل بمرارة : “هل نحن أمة اقرأ حقا ؟! ” .. هل يعقل مثلا أن يكون معدل الوقت الذي يقضيه الفرد العربي في القراء خلال سنة هو عشر دقائق فقط ؟!! .. أنا شخصيا لا أصدق مثل هذه الأرقام التي يبدو أنها من مبالغات مراكز الأبحاث .. ولكن دعينا من هذه الأرقام البغيضة ولنلقِ نظرة على حال القراءة في السلطنة ، وهو حال بحاجة حقا إلى دراسة مستفيضة من علماء الاجتماع ! .. فأنا شخصيا لم أستطع حتى الآن أن أصل إلى قول فصل فيما إذا كان العمانيون يقرؤون أم لا .. فنحن نشاهد الناس بالآلاف يزورون معرض مسقط الدولي للكتاب كل سنة ويخرجون بعشرات الأكياس وآلاف العناوين .. فأين تذهب كل هذه الكتب ؟! .. وهل هؤلاء يقرؤون حقا أم أنها عادة استهلاكية كغيرها من العادات ؟! .. وإذا كانوا يقرؤون أين هم ؟! .. لماذا يصبح من يقرأ وحيدا في مقهى أو صالة انتظار مستشفى في وضعية متهم عليه أن يبرر هذا “السلوك الشاذ” ؟! .. لماذا نرى طلبة الشهادة العامة يخرجون لا يعرفون شيئا عن محيطهم الخارجي ولا سؤالا وجودياً يشغلهم إلا سؤال برشلونة وريال مدريد .. لماذا يصدمك بعض خريجي الجامعة باهتماماتهم وحواراتهم السطحية التي تعكس ضحالة وبعداً عن القراءة والكتب ، بل ولا أخفيك أنني عاشرتُ أناساً كلما رأوا مقالا أو صورة لمثقف في جريدة أمطروه سخرية واستهانة ، وإذا سألتهم : هل قرأتم له شيئا ؟ تكون الإجابة بالنفي .

في وسط ظروف كهذه برزت بعض المبادرات التي تصر على النظر إلى النصف الممتلئ من الكأس ، هذه المبادرات التي لا تكتفي بلوك نفس الكلام المكرور عن القراءة وأهميتها ، بل تضطلع بحلول عملية وترشد الناس إلى كتب جديرة بالقراءة وتشجعهم على قراءتها بشتى الطرق .. ولعل مدونة “أكثر من حياة” للصديق أحمد المعيني من أهم هذه المبادرات ، هذه المدونة التي استطاعت خلال فترة وجيزة لا تتجاوز السنة أن تصبح من أكثر المدونات الإلكترونية العمانية متابعة ، ولم تكتف بعرض الكتب ، بل دخلت أيضا في عدة مبادرات أخرى تتعلق بالقراءة آخرها مبادرة “كتب تجمعنا” التي تهدف إلى تعريف أبناء الخليج بكتابهم وكتبهم .

ويقول أحمد المعيني صاحِب مدوّنة أكثر من حياة :
قد لا يحتاج الأمر إلى الكثير من الفطنة لرصد تراجع مستوى القراءة في مجتمعاتنا العربية كافة، ومن بينها مجتمعنا العماني، فقلة المكتبات العامة والشرائية وتواضعها، وقلة الإصدارات العمانية، وضعف الإقبال على شراء الكتب كلها أدلة واضحة. ولكن من الإنصاف أيضًا أن نشير إلى ازدياد الوعي بأهمية القراءة في الفترة الأخيرة، والذي تعكسه المبادرات القرائية المختلفة في السلطنة. ومن خلال تواصلي مع الطلاب في الجامعات والكليات، وكذلك العديد من الشباب من زوّار مدونة “أكثر من حياة” لاحظتُ أنّ هناك عددًا لا بأس به منهم يريدون أن يقرؤوا وأن يكتسبوا عادة القراءة، إلا أنهم يفتقدون التشجيع والتوجيه.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أعتقد أنّ هناك فئات كثيرة اكتسبت عادة القراءة وأحبتها، ولكنها تحصر نفسها في مجالات معينة حارمةً نفسها من متعة التجوال في عوالم قرائية أخرى. بأمانة، أعتقد أن المجتمع العماني يستطيع من دون مشقة أن يصبح مجتمعًا قارئًا بامتياز، مع تكثيف التوجيه والتوعية، وتسويق الكتاب/القراءة تسويقًا ينافس وسائل الترفيه، وتوفير الكتب بأسعارٍ مناسبة.

فيما يرى أحمد الغافري أحد القائِمين على مُبادرة ” مدينتي تقرأ” مستوى القِراءة في المُجتمع العُماني غير مرضي عنهُ على الإطلاق ، فيقول :
رغم المحاولات التي تبذل ورغم الإضاءات الجميلة التي نسمع عنها هنا وهناك والتي تبعث على التفاؤل أحيانا، ونريد أن نبني الكثير على هذا التفاؤل، لكن ما نتطلع إليه وما يفترض أن يكون عليه الوضع أبعد بكثير من الحالة الراهنة، المجتمع الذي يخجل من أخذ كتاب للقراءة في أوقات الانتظار التي تمتد لساعات أحيانا مجتمع عليه أن يتدارك نفسه، ومجتمع ينفق أفراده على (البسمتي والصمون واللبناني) أكثر بكثير مما ينفقون على عقول أبنائهم مجتمع عليه أن يتدارك نفسه..!

أمّا أحمد الرّاشدي صاحب مُبادرة ” القرية القارِئة” فيُحدِّثنا عن رأيه قائِلا :
أرى أن القراءة بمعناها الحقيقي في مجتمعنا العماني منحصرة في النخبة المثقفة وأخص بالذات النخبة الأدبية الثقافية والنخبة الفقهية ، ما أعرفه أنه لدينا نماذج مبهرة من القراء في هاتين النخبتين أي في مجال الأدب والفقه ، أستطيع أن أقول عنهم أنهم قراء نهمون شرهون (دودة كتب كما يقال).

أما سوى ذلك فلا يوجد عندنا إلا قراء صحف ومناهج دراسية ، نحن محتاجون لأن تصبح القراءة للجميع أن تصبح القراءة شعبية ، وسيلة عيش وحياة كمثل الأرز والطحين وحليب الصباح .

ويؤكِّد سعيد بن جمعة البوسعيدي رئيس وحدة الأنشطة الطلابية بكلية الشرق الأوسط لتقنية المعلومات ، وعضو اللجنة المنظمة لمهرجان القراءة الأول “نور وبصيرة”.:
مستوى القِراءة في المُجتمع العُماني ليس بالمستوى الذي يرضي غرور الثقافة الإسلامية ، فهناك من هم قراء ومتابعين ومطلعين ولكن الأغلبية العظمى هي من الفئة المقابلة أي الفئة الغير قارئة.

ويعزو ذلك إلى عدم وعي الأغلبية بما قد تمثلة القراءة ، فهي غذاء للروح، وبناء للشخصية وتنمية للفكر. ويرى أنّه لو استمرت مثل هذه المبادرات فسيأتي مستقبل مشرق للقراءة في المجتمع.

في حين يقول بدر الجهوري أحد منظِّمي مهرجان القِراءة ” نور وبصيرة” :
من الصعب حقا قياس مستوى القراءة في السلطنة خاصة فيما يتعلق بالكم والكيف. إذا تحدثنا عن الكم فإننا نجد توجها طبيعيا للقراءة في الأوساط النخبوية الثقافية مع تطور طفيف في الأوساط الشابة، ولكن الإشكالية هي في الكيف، وتحديدا في نوعية الكتب التي يقرأها الشباب خاصة مع غزو كتب ما يسمى بالتنمية البشرية والتي لا تضيف الكثير إلى ثقافة وفكر القارئ إلا أنها وبشكل سريع أصبحت محل اهتمام الكثير من الشباب الذي بات مشغوفا بعناوين كـ”الذكاء العاطفي” و”قوة التفكير” و”مفاتيح التفوق” وغيرها من العناوين التي استغلت الفراغ العاطفي/الديني/الفكري لدى الشباب ليندفعوا لقراءة هذه الكتب والابتعاد عن الكتب الثقافية والفكرية.

مجموعة أخرى من القراء لا زالوا منكبين على القراءات “المتطرفة” إن صح التعبير والتي تستغل مرحلة النضوج لدى المراهقين ومحاولتهم طرق كل ما هو ممنوع لتدفعهم إلى القراءة عن مواضيع لا يتسنى لهم التحدث عنها في أوساطهم الاجتماعية، من مثل هذه المواضيع “الاغتيالات السياسية” و”أهوال يوم القيامة” و”مثلث برمودا” و”الأطباق الطائرة” و “الماسونية” و”نظرية المؤامرة” وكل ما يمكن أن نعتبره متطرفا بينما يراه الشاب مغريا.
إذا المشكلة الحقيقية ليست في الكم وإنما في الكيف، ويجب أن تكون هناك خطة استراتيجية لتغيير هذه التوجهات الخاطئة وحث الشباب على القراءة بكل أصنافها لا سيما الثقافة العامة.

( لماذا نُريدهم أن يقرؤوا..؟)
وفي سؤالِنا عن المُحفِّز الّذي يدفعهم لإطلاقِ مثل هذِه المُبادرات يقولُ سليمان المعمري:
لعلها الرغبة في التنوير ، كما أن متعة مشاركة الآخرين في كتاب جميل قرأناه متعة لا تضاهيها متعة .. هذه المبادرات لا يمكن أن تعرف نتائجها في المدى القريب فنتائجها لا تظهر بشكل آني ولكنها تتضح مع مرور الزمن ، غير أنها مرضية بلا شك للقائمين عليها ..

وبالنّسبةِ لأحمد المعيني ، فيرى أنّ المحفِّزات تتعدّد ، وتتنوّع إذ يقول :
هناك من يعشق القراءة ويريد أن يشترك معه الآخرون في ذلك، وهناك من يؤمن أنّ القراءة وسيلة فعالة للتثقيف والنمو الفكري يجب غرسها في المجتمع، وهناك من يريد أن ينشئ قراء يتفاعلون مع ما يكتب، وهناك من يريد أن يسوّق لمكتبته أو الهيئة التي ينتمي إليها، وهكذا. تتعدد الدوافع بلا شك، ولكنها في النهاية ستصبّ في رفعة شأن الكتاب بين أفراد المجتمع.

ويُجيبنا أحمد الغافري :
الوضع الراهن لمستوى القراءة يحفز على التدخل بدافع الغيرة و هو نفس الشعور الذي تحدثت عنه في إجابتي على سؤالك عن تقييمي لمستوى القراءة، هذا التراجع المحرج لوضع القراءة هو ما يدفعهم إلى تحريك المياه الراكدة عبر أفكارهم ومبادراتهم، وهذا مؤشر جيد ويبعث برسالة قوية إلى الناس وخاصة الأجيال الجديدة والأطفال، فعندما يرون هذا الاهتمام المتواصل وهذا الابتكار في المبادرات القرائية يطرحون على أنفسهم أسئلة من قِبَل (هل تستحق القراءة كل هذا الاهتمام؟ ولماذا؟!)، و أعتقد جازما أن الرسائل تصل بوضوح إلى الجميع، ويبقى أن نبتكر أساليب نوعية وجاذبة لتشجيعهم على ترجمة هذه الاستجابة إلى فعل في حياتهم..

أمّا أحمد الرّاشدي فيرى أنّ التّقارير والدِّراسات هي ما دفعهُ لإطلاق مُبادرته ، فيقول:
إن الشكوى الدائمة من ضعف القراءة وتدني نسبة القراء وتراجع قراءة الكتب سواء الشكوى الدولية ، والتي منها تقارير التنمية البشرية التي تَصِم وتصف وتقارن نسبة القراءة في بعض الدول في العالم مثل بريطانيا وأمريكا وإسرائيل وبين الدول العربية أو الشكوى المحلية المتمثلة في بعض المثقفين في حواراتهم أو مقالاتهم أو كتبهم أو الفردية التي يكررها بعضنا عن قصد أو عن تقليد كلامي ، كل هذا يسبب صداعا للرأس ويمثل ضغطا تراكميا بل ويرسخ في العقل الجمعي أننا أمة لا تقرأ وهذا ما حصل لأجيال.

لكن لحظة من فضلكم صحيح أنه لابد أن نشخّص الداء ولكن الأصح بعد ذلك أن نبحث عن الدواء، ما أقصده تعبنا من النقد الهّدام الذي لا يقدم البديل ، ولأجل كل هذا جاءت بعض المبادرات القرائية التي تطمح أن تلغي هذه القناعة التي رسخت في العقلية العربية ومنها العمانية حول أننا أمة تقرأ كما تطمح أن تجعل القراءة فعلا وسلوكا شعبيا .
وهذا ليس بعيد المنال فنحن نلاحظ أن عشق كرة القدم مثلا صار سلوكا شعبيا بفعل عدوى الشغف والحب بها .

وأشهر مبادرة عربية هي مبادرة القراءة للجميع في مصر والتي أشهرتها سوزان مبارك والتي قامت بطبع قوائم من الكتب الأدبية في طبعات شعبية زهيدة الثمن.
أما مبادرة مدونة أكثر من حياة للصديق أحمد المعيني فهي أشهر مبادرة العمانية بامتياز والتي حققت انتشارا جميلا في العالم الافتراضي عالم شبكة الانترنت وفي الواقع من خلال المبادرات التي ظهرت في بعض الجامعات والكليات وبعض المدن والولايات انطلاقا من الأفكار القرائية حول القراءة والكتب التي نشرها المعيني .
ولقد جاءت مبادرتي القرية القارئة لتكون خطوة في الخطوات الطموحة ، فقررت أن أكون التغيير الذي أريد ، التمعت الفكرة من مدونة أكثر من حياة .

ويستطردُ قائِلا :
ما أردت قوله أنني متابع بترقب وشوق لكل المبادرات الراقية التي ظهرت وحركت الساكن القرائي في عمان ، وأقدم بليار وردة إجلال لكل القلوب العمانية التي تسهر لنشر فكرة القراءة وعشق الكتب في مجتمعنا العماني.
وأقول أن الطموح أكبر من الواقع فالذي حصل من خلال المبادرات الوطنية التي ظهرت أنها حققت الوعي بالفكرة بأهميتها بجمالها حققت الوعي بضرورة التغيير. ولكن الهدف الأجمل أن تصبح القراءة للجميع في أماكن الانتظار في البيت في الشارع في المجمعات التجارية في المقاهي أن تصبح القراءة فعلا شعبيا عمانيا هذه شمعة أمل في قلبي.
وأنت تفكر في الآخرين فكر بنفسك ، قل ليتني شمعة في الظلام.


ويرى سعيد البوسعيدي أنّ الأمر إنّما يأتي إثر بواعِث ذاتيّة ، إذ يقول :
الدافع هو الرغبة الشخصية للرقي بمجتمعنا العُماني العربي الإسلامي. إذ أنّ المبادرات الشخصية لو تكاتفت أصبحت جماعية مما يؤدي لوجود تنمية وتطوير شامل للمجتمع ككل ، فهناك من هم لديهم العزيمة والرغبة للتغير والتطوير، بذلك نرى وجود عدد من المشتغلين في المشهد الثقافي يبادرون ويجتهدون وذلك يعتبر تحفيز لغيرهم من المشتغلين في المشهد ذاته.
فيما يرى بدر الجهوري ، استنادا على أهدافِ مهرجان القِراءة أنّ الحوافِز الّتي دفعت بهم لإقامة مهرجانا للقِراءةِ هو قُربهم ، وإدراكهم لوضعِ المشهد الثّقافي ، فيقول:
المشتغل في المشهد الثقافي قريب من التوجهات التي تحدثنا عنها في السؤال الأول، ويدرك تماما أنها توجهات خاطئة ويجب تعديلها، وبالتالي فإننا نرى الكثير من المبادرات التي تحاول النهوض بمستوى القراءة في المجتمع العماني، وتختلف هذه المبادرات حسب الحاجة لها، فمهرجان القراءة على سبيل المثال نتج من مؤسسة تعليم عالٍ لأن الفئة المستهدفة هم طلبة التعليم العالي في السلطنة، بينما نجد مبادرة كمبادرة أحمد الراشدي للأطفال مثلا، والتي أراد بها الراشدي أن يرسخ مفهوم القراءة لدى الأطفال في قريته عملا بالقول الشائع “العلم في الصغر كالنقش على الحجر”.



( ثقافةُ “القِراءة”.. هل تأتي أُكلها..؟)
وفي سؤالِنا للقائِمين على مهرجان ِ القِراءةِ ، و مُبادرة مدينتي تقرأ ، والقرية القارِئة عن مدى تفاعُل الفِئة المُستهدفة من الُمبادرة ، ووسائِل الإعلام مع برامج المُبادرات …
بدءً يقولُ أحمد الغافري :
هذه مبادرة جماعية وأنا أتشرف بالخدمة ضمن هذا الفريق الرائع، وأظن أننا نجتهد في ابتكار أفكار نوعية لتشجيع الناس على القراءة، ولا أعتقد أن هناك طريقة يمكن وصفها بالأنجح، نحن بحاجة إلى كل الأفكار والبرامج التي تجعل القراءة حاضرة بقوة في فعاليات وأنشطة وحياة المجتمع، ومع الوقت سيتحول هذا إلى جزء لا يتجزأ من حياة الناس، وبالمثل إذا كانت أغلب البرامج التي تقدم هي أنشطة موسيقية هذا سيؤثر بالطبع في الرقي بالذائقة الفنية للمجتمع، وإذا كانت أغلب الأنشطة التي تقدم وترعى وتغطى إعلاميا هي أنشطة رياضية – وهذا الوضع القائم إلى حد ما- فإن الناس يلتفتون بصور أكبر إلى هذا الاتجاه…
حتى الآن نحن نتلقى ردود أفعال إيجابية جدا ومشجعة، حتى أن بعض الأسر بدأت بتفعيل أفكار مبتكرة لتعزيز موقع القراءة ضمن اهتماماتها، وبعض إدارات المدارس اتصلت للتعاون لخدمة المجتمع المحيط بها، وبعض الشباب بادروا بعرض خدماتهم لدعم المبادرة، ونشعر برضا كبير إزاء ذلك، وفي الوقت ذاته بمسؤولية أكبر لتنفيذ فعاليات وأنشطة المبادرة بأفضل مستوى نستطيعه.

وعن مدى تفاعل مُختلف الوسائِل الإعلاميّة والمُهتمة بالجانب الثّقافي مع المُبادرة…يقول:
كانت خطتنا منذ البدء أن يكون شهر يناير هو الشهر المخصص للإعلان الرسمي عن المبادرة، والترويج لها، ونحن راضون حتى الآن وسعداء بتجاوب وسائل الإعلام المختلفة، ومجموعة الشباب الذين ساندوا المبادرة في شهرها الأول، ومنهم مراسلو الصحف المحلية في الولاية، والأديب والإعلامي سليمان المعمري، ومن جانبنا قمنا بتوظيف شبكة الانترنت لتحقيق ترويج أكبر للمبادرة، لدينا مدونة خاصة وصفحة على الفيس بوك، وأيضا نقوم بنشر أخبار المبادرة عبر المنتديات العمانية وتوظيف البريد الالكتروني.

أما الجهات المهتمة بالجانب الثقافي في البلاد، فموافقة نادي الرستاق الرياضي والثقافي على دعم ورعاية المبادرة كان حافزا كبيرا لنا على مواصلة العمل، أما عن جهات الفعل الثقافي الرسمية في الدولة فما يزال الحكم على ذلك مبكرا، لأننا لم نتعامل معها حتى الآن، ونحن نعول كثيرا على مساندتهم ودعمهم لنا خاصة في إقامة معرض الكتاب العماني وتأسيس مكتبة الرستاق العامة.

ويقولُ أحمد الرّاشدي الّذي يرى أنّ مُبادرته قد خرجت بما تمنّى :
لابد من وضع فئة مستهدفة لكي تتحقق الأهداف، أقصد نحدد فئة ما مثل فئة الأطفال من سن كذا لكذا أو الفتيان أو الكبار أو طلاب مرحلة جامعية أو تخصص فمن يعرف أين يسير تفسح له القراء الطريق ليعبر إلى نعيمها .
الأمر الأهم لابد من المكافأة والتشجيع والتعزيز من خلال الجوائز المادية أو الكتب المجانية وليس أي كتب تكون هدية مجانية، الكتب المغرية فمثلا للأطفال أقترح من مبادرتي الكتب الملونة المغرية بفكرتها ورسوماتها التي تستفز الخيال نحو المرح والإبداع.
ولقد ركزت في مبادرتي أن تكون الكتب حكائية أقصد تحمل حكاية مثل القصص القصيرة والروايات وكتب الحكايات الشعبية وقصص الأطفال؛ لأن النفس العربية وخاصة العمانية تستهويها الحكاية وتشوقها للمتابعة بحكم أن المجتمع حكّاء وليس قارئ.
الكتب الأدبية الحكائية مفتاح خطير لنشر ثقافة القراءة ولجعل القراءة شغفا وعشقا يوميا.
وبفعل هذه الخطوات التي ركزتُ عليها حققت مبادرتي القرية القارئة نجاحا جيدا في الفئة المستهدفة يكفي أنني استطعت أن أنشئ في كل بيت في قريتي مكتبة ولو من 3 كتب . وأن أحرك في قلوب أطفال قريتي الرغبة في استعارة كتاب وأن تنافس هذه الرغبة رغبة الذهاب للتسالي ولحديقة الألعاب.

والأهم والأكثر سعادة أنني خرجت من هذه المبادرة بأفكار أكثر وأرحب أفقا نحو الهدف الأجمل وهو القراءة للجميع نحو القراءة شعبية أقصد قيمت تجربتي والآن أسعى لتطويرها .

وعن تفاعُلِ وسائِلِ الإعلام أبدى ثنائهُ قائِلا :
لقد تفاعلت وسائل الإعلام مع مبادرتي فالصديق المذيع القاص سليمان المعمري استضافني في برنامجه الشهير المشهد الثقافي ، وتحدثنا باستفاضة حول مبادرة القرية القارئة ، كما سبقته الزميلة الصحفية المتألقة هدى الجهورية بكتابة استطلاع في ملحق شرفات حول المبادرة وبكل تفاؤل وجدت تجاوبا يشف عن رقي جميل من خلال الرسائل النصية التي وصلتني والاتصالات ومن خلال التبرعات بالكتب لمكتبة الأطفال التي وصلتني بسخاء ، يدك كريمة كانت يا سليمان المعمري ويا أزهار أحمد ويا أحمد المعيني لقد سعد أطفال قريتي بتبرعاتكم الجميلة ، كما لا يفوتني أذكر أن العزيز أحمد المعيني كعادته سباقا نحو نشر الفكرة في مدونته الآسرة أكثر من حياة.

فيما يُجيبنا سعيد البوسعيدي عن السُّؤالِ ذاتِه :
من خلال التجربة فإن أفضل طريقة لتشجيع هذي الفئة من الطلبة هي مخاطبتهم بالكتب اللتي تلفت انتباههم واهتماماتهم ولا تشغلهم كثيرا على الأقل كبداية مشوار تشجيع للطلبة ليصبحوا كأشخاص قراء في المجتمع. وأيضا من خلال بث روح التنافس بينهم فهم في عمر محفز جدا للمنافسة، فحين تطلب منهم القراءة من باب المنافسة فذلك يحفزهم للقراءة والإطلاع للفوز في الرهان.

ومع ذلك إلّا أنّ التفاعل نوعا ما كان خجولا، وقد نعول السبب لعدم وجود برامج توعوية للقراء _الفئة المستهدفة_ قبل المهرجان كبرامج ومحاضرات وأنشطة تنموية في القراءة قبل البدء في فكرة المهرجان، ولذلك للحصول على نتائج أفضل.

ويرى أنّ تفاعُل وسائِل الإعلام المُهتمّة بالشّأنِ الثّقافي لم يكُن مُرضيا ، فيقول :
ما كان هو المتوقع ولا الذي كنا تعشمه منها. فقد تفاعلات بعض الوسائل القليلة جدا مع الحدث، ولكن للأسف كان المتوقع اهتمام أكبر من الوسائل الإعلامية بحكم وجود برامج ثقافية وتربوية كثيرة جدا في مختلف الوسائل الإعلامية كان من الممكن أن تروج للمهرجان أكثر مما قد يساعد في نجاحة وخدمة المجتمع. ومما يزيد الأسى بأن تلك البرامج يديرها ويعدها ناس من المهتمين والمثقفين والناشطين في المجال، وبرغم علمهم جميعا بالمهرجان لم نجد ذلك الاهتمام المرجو.

ويقول بدر الجهوري عن مدى تفاعل الفِئة المُستهدفة :
لم يكن التفاعل بالمستوى المطلوب، ولا يمكن لنا حصر الأسباب فقد تفاوتت بين سوء التوقيت (كانت هناك تخمة في الفعاليات خاصة أن معظمها تم تأجيله بسبب احتفالات العيد الوطني) وضعف الحملة الإعلامية وإهمال الفئة المستهدفة نفسها. تمت مخاطبة 15 مؤسسة تعليم عالي ولم يرد بالموافقة سوى أربع، وفوق كل هذا لم تحضر سوى اثنتين فقط. ورغم أن الفعالية أقيمت في كلية الشرق الأوسط إلا أننا لم نر الكثير من طلبة الكلية، بل على العكس كان معظم الحضور من خارج الكلية، ولا يمكننا إلقاء اللوم على أحد هنا خاصة أننا على مشارف نهاية الفصل الدراسي وبالتالي يعذر الطلبة الذين بطبيعة الحال يولون اهتماما أكبر لدراستهم.
كما أنّ غياب وسائِل الإعلام كان له تأثير واضِح ، لذايجب هنا أن نضع موقفا حازما تجاه الوسائل الإعلامية التي تمت مخاطبتها جميعا بخصوص المهرجان ومع ذلك لم تحضر إلا جهة إعلامية واحدة هي جريدة Oman Observer مما يجعلنا نتساءل فعلا عن القوة الاستيعابية لوسائلنا الإعلامية التي عللت عدم تواجدها في المهرجان بالانشغال بمهرجان الشعر وغيره من الفعاليات. لا ننكر أن الإعلام الإذاعي اهتم بالموضوع، ولكن كان اهتمامه بعد الفعالية وليس قبلها.

وعن نجاحِ الحدث الأبرز ” مُسابقة القِراءة” في مهرجانِ القِراءةِ يقول :
المسابقة كانت فكرة جيدة، إذ أنها شجعت الكثير على قراءة كتب المسابقة، ولن أستغرب أن يكون بعض المتسابقين قد قرأ الكتب الثلاثة قبل أن يختار الكتاب الذي سيكتب عنه. صحيح أن مثل هذا الأسلوب ناجح، وسينجح بشكل أكبر لو كانت الجائزة أكبر، لكننا بهذه الطريقة لا نشجع على القراءة للقراءة وإنما للكسب المادي فقط. نحن بحاجة إلى أن نقنع هؤلاء الشباب على أهمية القراءة للقراءة، لأن حياة واحدة لا تكفي.

وفي سؤالِنا لأحمد الغافري عن غيابِ ثقافةِ القِراءة يقول :
هل ستصدقين إن قلت لك أنه لا يمكنني أن أفهم لماذا لا يقرأ الناس؟… حقا، أنا لا أستطيع أن أدرك لماذا لا يقرأ الناس؟ كيف يحيا الإنسان من غير قراءة؟… حياة من غير تجديد الفكر ومن غير قراءة مستمرة، لا أسميها حياة!

إلا أنني متفائل بحذر، فمع هذا “الاضطراب والقلق” الذي يعيشه الناس في الحياة المادية، سيبحثون حتما عن لحظات يهربون إليها من ضجيج الحياة المادية وحشيتها، وسيعودون إلى البحث عن الروح والعقل وصفاء الفكر، ولن يجدوا ذلك سوى بين صفحات الكتب وعلى أرفف المكتبات، وكذلك الناس يبحثون عن فرص أفضل لمستقبلهم ومستقبل أبنائهم وعلينا أن نجعلهم مقتنعين أنه مع القراءة وزيادة الاطلاع ستنمو فرصهم، إذا لم أكن متفائلا بشأن هذا التغيير الإيجابي الحتمي، لم أكن لأشترك في عمل ضخم كهذا ندرك نحن كفريق عمل حجم الأعباء التي يتطلبها إنجازه…

وعند تطرُّقنا لنتائِج مهرجان القِراءة كمُبادرة قِرائيّة تستهدِف فِئة الطُّلاب يقول سعيد البوسعيدي :
لو خصصت النجاح من جانبي بطلاب كلية الشرق الأوسط لتقنية المعلومات فالنتائج كانت مرضية جدا من ناحية ومحبطة من ناحية أخرى. فقد كانت مرضية جدا من حيث اهتمام الطلبة بمعرض الكتاب المصاحب للمهرجان وأيضا وجود نقلة نوعية من حيث رغبة الطلبة في القراء في أي مكان وزمان تتاج لهم الفرصة لذلك بدون وجود حرج أو بدون تخفي. أعني من ذلك بأن بعض الطلبة كانوا ينحرجون من القراءة أمام الجمع خوفا من التعليقات والسخرية- وهذه هو الحاصل في مجتمعنا- ولكنهم من خلال متابعتهم للمهرجان ومعرفته لمدى أهمية القراءة؛ أصبح كلا منهم يقرأ في أي مكان تتاح له الفرصة لذلك، وهذا بحد ذاته إنجاز كبير جدا. من الجهة المقابلة كان محبطا في المحاضرات المصاحبة للمهرجان والتي أفتقرت جدا للحضور الطلابي كجمهور.

ويقول عن أسباب خروج المُبادرة بغير المستوى المطلوب:
السبب في وجهة نظري هو غياب المثقفين والكتاب والأدباء نفسهم عن المهرجان. لا أدري هل مهرجان الشعر شغلهم عن المهرجان أم أنها ظروف شخصيهم منعتهم “جميعا” من الحضور ولكن حضورهم كان من الممكن أن يحفز الأخرين من حولهم للحضور مما قد يكون أدى لتفاعل الفئة المستهدفة أكثر ونجاح المهرجان بنسبة أكبر.

فيما يرى بدر الجهوري أنّ تحقُّق الأهداف ولو كان بسيطا إلّا أنّه إنجاز ، إذ يقول :
لا يحس أحدٌ بأثر هذه المبادرات كإحساس القائمين عليها، عندما رأيت أحد الشباب يشتري كتابا من المعرض وفي اليوم الثاني وجدته يقرأ ذلك الكتاب أحسست حقا أننا أنجزنا شيئا. صحيح أن لدينا الكثير من الطموحات والتي نحبط عندما لا تتحقق إلا أن أي إنجاز مهما كانت بساطته هو بحد ذاته خطوة إلى الأمام.

ويقولُ سليمان المعمري :
فيما يخص تجربتي في البرنامج الإذاعي “كتاب أعجبني” فأنا مدين في المقام الأول للمسؤولين في الإذاعة على تشجيعهم لهذه الفكرة التي كانت طموحة رغم ما قد يتبادر للوهلة الأولى أنها مضنية .. وهي كذلك بالفعل ، ولكنها ممتعة .. ووجه المتعة فيها هي هذا التنوع في الضيوف والكتب ، هذا الترقب ( وأنا هنا أتحدث عن نفسي ) لكتاب جديد تتعرف على مضمونه ومؤلفه ، تنظر إلى قارئه وتجس إلى أي مدى استطاع إقناعك بأنه جدير بالقراءة .. هل هي تجربة ناجحة ؟ وهل حققت – وفقا لسؤال معدة هذا التحقيق - نصف ما أصبو إليه ؟ .. أظن أن الإجابة مازالت في رحم الأيام .. ففي مثل هذه المبادرات – وكما سبق أن قلتُ – فإن الرهان ليس سوى على الزمن الطويل .. إنها – أي المبادرات القرائية بوجه عام – أشبه بمحاولات ثقب جدار صلب بـملعقة شاي ، أو حفر نفق طويل بشوكة طعام .. قد تبدو مهمة مستحيلة للوهلة الأولى ، ولكن مع مرور الوقت ومشاهدتك لنتيجة عملك تبدو لك الصورة أقل قتامة مما توقعت .. ما توصلتُ إليه من قناعة على المستوى الشخصي أن القراء في السلطنة كثر ، أكثر مما قد يظن متشائم ، ولا يتركزون فقط – كما قد يتوهم واهم – في فئة الكتّاب .. بل إني لا أخالني مبالغا إن قلتُ إن مِنَ الكتّاب مَنْ لا يقرأ إلا الجريدة .. في برنامجي اكتشفتُ قراء من شرائح اجتماعية مختلفة : مدرسون ، مهندسون ، أطباء ، فنانون ، طلبة مدارس ، طلبة جامعات ، موظفون ، صحفيون ، وغيرهم .. هؤلاء يستطيع المرء الوقوف على اهتماماتهم القرائية من خلال تحليل المائة حلقة الأولى من البرنامج : واحد وعشرون كتابا من هذه الكتب المائة كانت روايات .. وثمانية عشر كتابا فكريا .. واثنا عشر كتابا في التنمية البشرية .. وتسعة كتب تراثية .. إن وجود هذا العدد من القراء بهذا التنوع والثراء في قراءاتهم لأمرٌ يبعث على التفاؤل ، ويرينا أن نصف الكوب ممتلئ بالفعل .

وعن خطِّ سيرِ مدوّنة أكثر من حياة المنبر المُستقل المعني بالقِراءة وِفقا للأهدافِ المرسومةِ مُسبقا لها، يقول أحمد المعيني :
مضى على إطلاق المدوّنة أكثر من سنة ونصف السنة، إلا أنها ما تزال في طور التجربة. ما زلنا نحاول أن نعرف كيف يمكننا تناول موضوع القراءة وتسويقه والتحبيب فيه، نجرّب بعض الأفكار بين حينٍ وآخر ونسجّل الملاحظات. ولكن ذلك لا يعني أننا لم نحقق أهدافًا، بل على العكس أستطيع القول أننا وضعنا أساسًا معقولا للأنشطة والمبادرات التي ننوي إقامتها للخروج بالمدونة من دورها التوعوي إلى الدور التطبيقي. ويسعدنا جدًا أننا كنا من أوائل المدونات العربية المتخصصة في القراءة، وأننا نستقبل أكثر من 150 زائر يوميًا، يزورون المدوّنة وهم يعرفون أنها متخصصةٍ في شأنٍ واحد لا غير هو القراءة. وأودّ أن أضيف بأن ما يوجد في المدونة حتى الآن هو نسبة ضئيلة جدا مما أطمح إليه وذلك لعدم التفرغ، ولولا مساندة زوجتي (زوّان السبتي) لما ظهر الكثير من المواضيع والأفكار.

وعن المُبادرات القِرائيّة الّتي تُنظِّمها المدوّنة ، يقول:
حملة “الكتاب السندباد” كانت فكرة أردنا تجربتها، وهي تختلف قليلا عن فكرة “رحلة كتاب” الشهيرة، حيث إننا اشترطنا أن يقوم القارئ بتمرير الكتاب إلى قارئ جديد عندما ينتهي منه، فيشعر كل قارئ أنه أضاف حياتين إلى الكتاب: واحدة بالقراءة والأخرى بإهداء الكتاب إلى شخصٍ آخر. كانت فترة تجريبية توقفت لأسباب خارج إرادتنا، وهي تجربة لها حسناتها وسيئاتها التي حرصنا على تسجيلها للاستفادة منها على أن نطلقها مرة أخرى قريبًا بإذن الله. ولا يمكننا أن نزعم بأنها شجّعت على القراءة أو صنعت قرّاء، إلا أنها في الوقت نفسه لاقت استحسانًا وتشجيعًا كنا بحاجةٍ إليه.


لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

1 comments:

Unknown يقول...

اتفق مع المعيني بأن قلة المكتبات العامة و الشرائية، وعدم توفر الكتب بشكل كبير أحد مسببات عدم إقبال الناس على القراءة، فضلا عن توفر وسائل تسلية أخرى لم تكن متاحة للأجيال السابقة من تلفزيونات، وهواتف نقاله و العاب الكترونية وهلم جر..

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.