قراءات: مجموعة "الأوغاد يضحكون" لعبده خال
انتيهتُ فجر اليوم من قراءة هذه المجموعة القصصية الصادرة عام 2002 عن دار رياض الريّس في 195 صفحة من القطع الصغير. وتأتي هذه المجموعة بعد صدور خمس مجاميع قصصية للكاتب (حوار على بوابة الأرض 1984، لا أحد 1986، ليس هناك ما يبهج 1988، حكايات المداد 1994، و من يغني في هذا الليل 1999
تنقسم هذه المجموعة إلى قسمين، أولهما بعنوان "الأوغاد يضحكون" ويتكون من 9 قصص، والآخر بعنوان "قصص نيئة" ويتكون من 9 قصص أيضًا. أما قصص القسم الأول فتتراوح ما بين الخيال الغرائبي والواقعية والرمزية. أعجبتني كثيرًا القصة الأولى (البلوزة) والتي أعادت إلى ذهني رواية "فسوق" للكاتب نفسه. نجد في هذه القصة عاملا في مغسلة ملابس يقع في هوى فتاةٍ صغيرة، ما أن تعطيه ملابسها للغسيل حتى يحوّله عشقه أو بالأحرى شبقه إلى شخصٍ مهووس بتلك الملابس يتفنن في بث الحياة فيها كي تعوّضه عن حرمان اللقاء بصاحبة الملابس.
وكذلك راقتني جدًا القصة الثانية التي احتوت على بعضٍ من الخيال العلمي (نجده كذلك في رواية الطين للمؤلف نفسه). في هذه القصة يستخدم عبده خال تقنية سردية غريبة، فالسرد يأتي من خلال أوراق وُجدت في قبر كتبها شخصٌ ما اسمه عبده خال. وتحكي هذه الأوراق قصة رائحة كريهة تغزو الحي وتنتشر بقوة دون أن يُعرف مصدرها. أما من اكتشف الأوراق هذه فهم بشرٌ من المستقبل البعيد لهم من الأدوات العلمية ما يجعلهم يفكرون في استنساخ هذا الميت وردّه إلى زمنه لمعرفة ما حصل بالضبط !
واستمتعتُ ربما بشكل أقل بالقصص الأخرى التي استخدم فيها عبده خال الغرائبية واللامعقول ليمرر بعض الرموز، ربما. هكذا مثلا في قصة "الأوغاد يضحكون" حيث الساحر الإفريقي الذي يرسم سفينة على جدار الزنزانة ويدعو الآخرين للمضيّ معه فيها هربًا من السجن، وكذلك في قصة "ماذا قال القميري؟" التي تحكي قصة شخصٍ ذي لسان سليط لم يسلم أحد منه، فيصيبه مرض غريب يجعله ينتفخ وينتفخ حتى يصبح كالبالون الكبير. وفي قصة "الماء يسير باتجاه واحد" يحدثنا صحافي عن تحقيق يعدّه حول شخصٍ غامض يختفي فجأة فتدور حوله الأساطير في الحارة، إلا أن الصحافي يسكن الشقة التي اختفى فيها الرجل فيكتشف أمرًا عجيبًا. وكذلك بعض الغرائبية في قصة "نبت القاع" التي تدور حول امرأة وولدها ينتظران الأب الذي اختفى منذ سنين، وفي قصة "من أي الجهات تأتي؟ أيضًا. أما قصة "جارتنا الصغيرة" فخلت من هذه الغرائبية، وتحكي قصة العروسة الجديدة التي تتناقل النسوة الأحاديث عنها، وكلما سمع جارها أكثر ازداد انجذابًا لها. المميز في هذه القصة هو أن عبده خال يعطيك خيطًا لتتعاطف مع شخصيةٍ من الشخصيات وترثي لها، ولكنه في النهاية يفاجئك.
أما قصص القسم الثاني فهي كما وصفها المؤلف بنفسه "نيئة"، أي أنها ليست سيئة بالضرورة، ولكنها غير مكتملة أو غير ناضجة. هي عبارة عن التقاطات من الواقع ربما تصلح لكتابة قصةٍ جيدة، ولكن سبكها في إطار قصصي ما يزال غير مكتمل. لماذا نشرها عبده خال يا ترى؟ هل فقد الأمل في إمكانية تطويرها أم أنه أراد عرضها كما خرجت أول مرة؟ شخصيًا أرى أن عددًا منها لا تصلح بذاتها لإخراج قصة جيدة، إلا أن قصة مثل "غياب" قد تكون مادة جيدة يُمكن تطويرها مع بعض التفاصيل هنا وهناك.
من قرأ "من يغني في هذا الليل" و "ليس هناك ما يبهج" قد يشعر بإحباطٍ بهذه المجموعة، ومن قرأ رواية "الموت يمر من هنا" و "الأيام لا تخبئ أحدًا"، لن يروقه أبدًا هذا المستوى الذي ظهرت به هذه المجموعة. برأيي فإن قصص "البلوزة" و "الرائحة قادمة" و"الأوغاد يضحكون" أنقذت هذه المجموعة نوعًا ما.
لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر
انتيهتُ فجر اليوم من قراءة هذه المجموعة القصصية الصادرة عام 2002 عن دار رياض الريّس في 195 صفحة من القطع الصغير. وتأتي هذه المجموعة بعد صدور خمس مجاميع قصصية للكاتب (حوار على بوابة الأرض 1984، لا أحد 1986، ليس هناك ما يبهج 1988، حكايات المداد 1994، و من يغني في هذا الليل 1999
تنقسم هذه المجموعة إلى قسمين، أولهما بعنوان "الأوغاد يضحكون" ويتكون من 9 قصص، والآخر بعنوان "قصص نيئة" ويتكون من 9 قصص أيضًا. أما قصص القسم الأول فتتراوح ما بين الخيال الغرائبي والواقعية والرمزية. أعجبتني كثيرًا القصة الأولى (البلوزة) والتي أعادت إلى ذهني رواية "فسوق" للكاتب نفسه. نجد في هذه القصة عاملا في مغسلة ملابس يقع في هوى فتاةٍ صغيرة، ما أن تعطيه ملابسها للغسيل حتى يحوّله عشقه أو بالأحرى شبقه إلى شخصٍ مهووس بتلك الملابس يتفنن في بث الحياة فيها كي تعوّضه عن حرمان اللقاء بصاحبة الملابس.
وكذلك راقتني جدًا القصة الثانية التي احتوت على بعضٍ من الخيال العلمي (نجده كذلك في رواية الطين للمؤلف نفسه). في هذه القصة يستخدم عبده خال تقنية سردية غريبة، فالسرد يأتي من خلال أوراق وُجدت في قبر كتبها شخصٌ ما اسمه عبده خال. وتحكي هذه الأوراق قصة رائحة كريهة تغزو الحي وتنتشر بقوة دون أن يُعرف مصدرها. أما من اكتشف الأوراق هذه فهم بشرٌ من المستقبل البعيد لهم من الأدوات العلمية ما يجعلهم يفكرون في استنساخ هذا الميت وردّه إلى زمنه لمعرفة ما حصل بالضبط !
واستمتعتُ ربما بشكل أقل بالقصص الأخرى التي استخدم فيها عبده خال الغرائبية واللامعقول ليمرر بعض الرموز، ربما. هكذا مثلا في قصة "الأوغاد يضحكون" حيث الساحر الإفريقي الذي يرسم سفينة على جدار الزنزانة ويدعو الآخرين للمضيّ معه فيها هربًا من السجن، وكذلك في قصة "ماذا قال القميري؟" التي تحكي قصة شخصٍ ذي لسان سليط لم يسلم أحد منه، فيصيبه مرض غريب يجعله ينتفخ وينتفخ حتى يصبح كالبالون الكبير. وفي قصة "الماء يسير باتجاه واحد" يحدثنا صحافي عن تحقيق يعدّه حول شخصٍ غامض يختفي فجأة فتدور حوله الأساطير في الحارة، إلا أن الصحافي يسكن الشقة التي اختفى فيها الرجل فيكتشف أمرًا عجيبًا. وكذلك بعض الغرائبية في قصة "نبت القاع" التي تدور حول امرأة وولدها ينتظران الأب الذي اختفى منذ سنين، وفي قصة "من أي الجهات تأتي؟ أيضًا. أما قصة "جارتنا الصغيرة" فخلت من هذه الغرائبية، وتحكي قصة العروسة الجديدة التي تتناقل النسوة الأحاديث عنها، وكلما سمع جارها أكثر ازداد انجذابًا لها. المميز في هذه القصة هو أن عبده خال يعطيك خيطًا لتتعاطف مع شخصيةٍ من الشخصيات وترثي لها، ولكنه في النهاية يفاجئك.
أما قصص القسم الثاني فهي كما وصفها المؤلف بنفسه "نيئة"، أي أنها ليست سيئة بالضرورة، ولكنها غير مكتملة أو غير ناضجة. هي عبارة عن التقاطات من الواقع ربما تصلح لكتابة قصةٍ جيدة، ولكن سبكها في إطار قصصي ما يزال غير مكتمل. لماذا نشرها عبده خال يا ترى؟ هل فقد الأمل في إمكانية تطويرها أم أنه أراد عرضها كما خرجت أول مرة؟ شخصيًا أرى أن عددًا منها لا تصلح بذاتها لإخراج قصة جيدة، إلا أن قصة مثل "غياب" قد تكون مادة جيدة يُمكن تطويرها مع بعض التفاصيل هنا وهناك.
من قرأ "من يغني في هذا الليل" و "ليس هناك ما يبهج" قد يشعر بإحباطٍ بهذه المجموعة، ومن قرأ رواية "الموت يمر من هنا" و "الأيام لا تخبئ أحدًا"، لن يروقه أبدًا هذا المستوى الذي ظهرت به هذه المجموعة. برأيي فإن قصص "البلوزة" و "الرائحة قادمة" و"الأوغاد يضحكون" أنقذت هذه المجموعة نوعًا ما.
0 comments:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.