16 يناير 2011

قراءاتكم: رواية "لحظات لا غير" (قراءة: إيمان فضل)


(نُشرت هذه القراءة أولا في صحيفة سبلة عمان الإلكترونية بتاريخ 14 مايو 2010)

“لم يسبق أن كتبتم رسالة عشق
أو فكرتم في الانتحار
فكيف، إذن ، تجرؤون على قول أنكم عِشتم..”*(1)

قليلة هي تلك الروايات التي تناقش قوانين وضعها البشر وعمل بها كمسلمات، وقليلة هي الروايات التي تجذبك للتفكير في مدى صحة هذه القوانين وما إذا كنا بحاجة إلى إعادة النظر فيها، نحن الآن أمام رواية تناقش قضايا طبية وأخلاقية وإنسانية في ذات الوقت، فمن يستطيع أن يمنع الطبيب من أن يحب؟ من يستطيع أن يمنع قلبه من الحب؟ ولماذا نتبع النظام إذا كان يقتلنا حين جمعنا القدر أخيراً بنصفنا الآخر!

أصدر المركز الثقافي العربي الطبعة الثانية من رواية “لحظات لا غير” للدكتورة فاتحة مرشد، وتدور أحداث الرواية حول قصة حب طبيبة نفسية ومريضها، قد تكون القصة كلاسيكية للنظرة الأولى أو إذا حاولت تلخيصها بـ”قصة حب طبيبة لمريضها”، إلا أن المريض الذي يعاني من اكتئاب دفعه لمحاولة الانتحار لم يكن مريضاً عادياً! فقد كان “وحيد” شاعراً تملّكه الشعر وأستاذاً جامعياً، أما هي الدكتورة فقد هجرت الكتابة حين اختارت الطب كتخصص، لتظهر لنا الرواية بحوار شعري راقي بينهما في جلسات العلاج النفسي، فهو حين تسأله عن مدى إلمامه بأسباب تواجده في العيادة أثناء زيارته الأولى لا يجيبها كمريض مكتئب عادي إنما يقول:”أنا هنا بحثاً عني.. أليس هذا وكر التائهين؟”*.

في وكر التائهين-العيادة النفسية- تدور أحداث الفصل الأول من الرواية التي تحاول فيها الدكتورة أسماء معرفة أسباب حالة الاكتئاب التي يعيشها، فيحكي فيها وحيد علاقته بوالديه ومشاعره المتناقضة تصل للكره لأبيه الذي تسبب بوفاة أمه بحادث سير، وعلى الطرف الآخر نجد الدكتورة أسماء تشتاق لوالدها الذي توفي منذ سنوات، لم تكتفي الدكتورة بجلسات العلاج النفسي إلا أنها راحت تبحث في إصداراته الشعرية، فتظهر أولى علامات الإعجاب حين تصف كلماته قائلة..”كلماته قطرات عطر معتق .. تتسرب عبر المسام.. تستفز الحواس… لا تدع لك حيزاً للهروب منها.. تلبسك، تضمك، تؤلمك، تبكيك.. تلقيك أرضا عند قدميها..”*. يستمر وحيد في جلسات العلاج فيحكي تجربة الأولى في الحب بباريس -حيث كان يدرس- إذ يقع في حب فتاة باريسية ترفضه لأنها تحب صديقتها! وتجد أسماء في دواوينه ما يعكس هذا التجربة فوجدته يكتب عنها قائلاً:
“هزَمَتهُ الأنوثة
يوم تورّط
في امرأة
تحبّ النساء.”*

لم تتردد فاتحة مرشد في كتابة قصائد شعر جميلة نسبتها لوحيد في الرواية وقد جاءت تلك القصائد لتلبي حاجة الرواية لشعر الشاعر الذي يعالج من الاكتئاب، ويغلب على ظني أن اكتئاب وحيد لم يكن إلا نتيجة غياب شيطان الشعر عنه، إذا يتعافى تقريباً حين تفوح رائحة حبه للدكتورة أسماء، فتسعى الدكتورة للتصالح مع جسدها فإجراء جراحة تجمليه ترميمه للثدي رفضتها لسنوات بعد إثر إصابتها بسرطان الثدي.

تأتي الرواية وكأنها “رواية استعادة الحياة” – على حد تعبير الغلاف الخلفي للرواية-، فحين يستعيد وحيد حبه للحياة بحب الدكتورة ويكتب ديوانه الجديد، تستعيد الدكتورة ثقتها في جسدها وأنوثتها بعد العملية التجميلية ستعيد هوايتها القديمة وتكتب، تقوم ثائرة القوانين البشرية التي قررت أن هكذا حب لا يمكن أن يكتمل إلا بمجموعة من التنازلات، ببراعة ترسم الكاتبة أحداث الرواية والصراع الذي يمر به وحيد وأسماء للحفاظ على هذا الحب الذي أعاد لهما الحياة، لكأن الراوية فاتحة مرشد تقول للجميع أن “ثمة تجارب في الحياة لا يمكن أن نخرج منها سالمين”*.

(1) عزّت سرابيج
*الاقتباسات من رواية لحظات لا غير لـ فاتحة مرشيد، الطبعة الثانية عن المركز الثقافي العربي


لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.