17 يناير 2011

إصدارات: ترجمة لكتاب عن الصيد بالصقور


(المصدر: موقع العرب أونلاين، 17 يناير 2011)

الصيد بالصقور عند العرب.. تاريخ لطريقة حياة

أبوظبي- صدر عن دار الكتب الوطنية في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث كتاب موسوعي جديد يحتفي بعالم الصقارة بعنوان "رياضة الصيد بالصقور عند العرب.. تاريخ لطريقة حياة"، من تأليف روجر ابتون الذي أهداه إلى روح الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الصقار الأول على مستوى العالم. ونقل الكتاب للعربية د. سعيد سلمان أبو عاذره الباحث في جامعة أوكسفورد ومنظمة اليونسكو.

وتوّجت موسوعية الكتاب وضخامته بسلاسة ورشاقة الأسلوب، وقصص وتجارب ميدانية وأقوال صقارين عرب عميقي الخبرة، فضلا عن كونها تعد موسوعة مصورة، حيث وثق المؤلف كلامه بعشرات الصور والرسوم لأنواع الصقور وأدواتها وطرائدها ووسائل تدريبها ومخيمات القنص، وقدم شروحا للمفردات اللغوية المستخدمة في الصقارة ومعانيها.

يجمع الرحالة الاسكتلندي روجر أبتون في كتابه بين منهجية الباحث ورؤية ومعايشة رحالة أمضى ما يزيد عن 30 عاما في صحبة صقارين عرب، متنقلا بين الإمارات والسعودية وسوريا وباكستان والمغرب وإيران وغيرها من دول المنطقة، الأمر الذي جعل كتابه موسوعيا، ليس على مستوى رصد وتحليل العالم الفني والرياضي للصيد بالصقور والمكونات والاهتمامات المثيرة للاهتمام التي وجدها في مناطق متنوعة التضاريس، ولكن أيضا على مستوى الكشف عن شخصية الإنسان العربي وما يتمتع به تكوينه من خصوصية ثقافية وحضارية، ومن جانب آخر هو يسجل لفترة ما قبل اكتشاف النفط وبعدها، والتطورات التي أثرت بشكل ما في تقاليد البدو في الجزيرة العربية والشرق الأوسط.

ويفتتح المؤلف كتابه بأبيات للشيخ زايد في رحلة صيد ..

يا طير وظبتك بتدريب ** أبغي أصاوع بك هدادي
لي طارن الربد المهاريب ** اللي ذايرات من العوادي
القف الهن عسان ما اتخيب ** اقصد لقايدهن عنادي
خُمّه براسه خَمّة الذيب ** وعليك ما ظني هبادي
وخل الهبوب اتروح واتييب ** ريش شعي عقب المصادي
اللي سبج طيره بلا طيب ** بيتم في حزمة اينادي
عند اخويانا والأصاحيب ** كل ابخيره ايسادي
أول ما ضوى ودوا له الجيب ** باذهاب والطبخة عتادي

وقد عُرف الشيخ زايد بعشقه الكبير لهذه الرياضة الأصيلة، وكان واسع الثقافة والعلم والتجربة والخبرة بشأنها، فقد خبر أنواع الصقور وطبائعها وخصائصها وأفضلها أداء ميدانيا، وقد استفاد روجر من أقواله وآرائه وخبراته بشكل واضح في العديد من موضوعات فصول الكتاب.

يبدأ روجر أول فصول كتابه باستعراض التاريخ المتوارث لرياضة الصيد بالصقور مؤكدا أن هذه الرياضة لعبت منذ الأزمنة السابقة قبل الإسلام دورا كبيرا في تاريخ حياة العرب، ومع الرياح الباردة التي كانت تهب في فصل الخريف، جاءت أوائل الصقور المرتحلة في هجرتها من الأرض التي نشأت فيها في الشمال، وكان العرب ابتداء من الأمير في العائلة المالكة إلى البدوي البسيط يكرسون وقتهم للحصول على أفضل الصقور لاستخدامها في موسم الصيد القريب، وفي مقدمتها الصقر الحر والشاهين.

ويرى روجر أبتون أن مخيمات الصيد بواسطة الصقور أحيت اليوم روح هذه الوحدة والتآلف بين الأمير والشيخ والصقار، "إن تقاليد الصيد بالصقور عند العرب تربطهم معا وتخلق علاقة خاصة مبنية على التفاهم والتسامح والصراحة فيما بينهم وهي تشكل إلى حد كبير جزءا من تاريخ العرب".

ويشير روجر إلى أن فر يق القنص يمكن أن يجمع لغاية 200 رجل وربما لا يزيد عن ستة أو سبعة، و"سواء أكان الفريق كبيرا أو صغيرا فإن الجو الودي والبهيج والمتفائل دائما يساعد على الاحتفاظ ببعض التقاليد العظيمة لرحلات الصيد عند العرب".

ويلفت روجر إلى أن تراث الصيد لا يزال باقيا على الرغم من تغير الكثير منذ اكتشاف النفط، وقال: "مع النفط جاءت السيارات التي غزت الصحارى الشاسعة لشبه الجزيرة العربية، وإن الأراضي الواسعة التي لم تطأها قدم تقريبا فيما مضى إلا من قبل البدو الرحل بحثا عن مصادر العيش مع رعي الإبل وقطعان الأغنام والماعز التي يمتلكونها، أصبحت في متناول من يبحث عن من الحبارى والطرائد الأخرى مثل الكروان والأرنب الصحراوي."

ويفرد روجر فصلا لأنواع الصقور وخصائصها وأحجامها وأشكالها ومميزاتها وأدائها في الميدان وانتقائها، وآخر لطرائق صيدها، وآخر لتدريباتها على الصيد والقنص، وآخر للأدوات التي تحتاجها الصقور والصقارين في الصيد، وأكثر من فصل لأنواع الفرائس والطرائد، وخلال ذلك كله يتمتع أسلوبه بجماليات شائقة، حيث يلتزم بمنهجيته العلمية ويستند إلى التاريخ العربي جنبا إلى جنب مذكراته وملاحظاته الشخصية وكذا ما سجله من آراء وأفكار وتجارب صقارين عرب من أبوظبي والرياض وعمان ودمشق وغيرها.

يقول روجر عن أداء الصقر في الميدان "يتميز الصقر بأنه قوي وذكي ومواظب على مطاردته لفريسته".

ويلفت روجر إلى شبه بين أدوات الصقور التي يستعملها الصقارون العرب والغربيون، لكنه يرى أن الصقار العربي "لا يضيع وقته باختيار الأدوات الزينية، بل يهتم فقط بكونها عملية وبسيطة إلى أقصى حد ممكن، إن أدوات الصقارين العرب، التي تكون أساسية في تصميمها ويسهل صنعها من قبل الصقار أو الحرفي المحلي، تعمل جيدا تحت الظروف الصحراوية".

ويشير روجر إلى أن استعمال البرقع الذي يستخدم في تدريب الصقر والتعامل معه نشأ في الشرق الأوسط وأن المحاربين العائدين الذين اشتركوا في الحروب الصليبية قد جلبوه معهم إلى الغرب، ويقول عن البرقع العربي أنه "عبارة عن غطاء ناعم من الجلد تم قصه من قطعة واحدة من الجلد الناعم حسب شكل محدد، ويكون السطح المصقول للخارج والسطح الناعم إلى الداخل ويمكن أن يخاط بالغرز أو أن يلصق بالغراء وتوجد في مقدمته فتحة للمنقار بينما يجمع الظهر على شكل ثنيات وعندما تسحب المرابط يغلق البرقع، والقمة مزينة برقعة بسيطة من الجلد أو بعقدة قمة الطربوش التركي يستعملها الصقار ليمسك بها البرقع عند وضعه أو نزعه من على رأس الصقر".

والبراقع أنواع مختلفة الأحجام لتناسب الأنواع المختلفة من الصقور، ومن الأدوات الأخرى المتعلقة بالصقور: "السبق والجمع السبوق" قيود قدم الصقر وتجدل من القطن أو الحرير أو النايلون ويكون بعضها مصبوغا بألوان زاهية منها الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق، والمرسل أو المربط وتجدل بطريقة تشبه كثيرا السبوق لكن على نحو أقوى وأسمك، والمدور، والوكر وهو مجثم الطير، والدس وجمعه دسوس، المنقلة، والمخلاة "حقيبة الصقار"، والتلواح أو الملواح، والسبب، والرادار "جهاز قياس البعد والاتجاه"".

ويحكي روجر "طيلة أيام شهري أكتوبر ونوفمبر من كل عام يحضر الصقارون العرب ومعهم الصقور الجديدة التي اصطيدت في الموسم لتوها حيث يتوارد وصولهم إلى مجالس الشيوخ والأمراء، وكثير من هؤلاء الصقارين هم من أبناء القبائل والعائلات التي عرفت لعدة أجيال باعتنائها بالصقور وتدريبها والذهاب مع الأمراء والشيوخ في رحلات القنص السنوية، ويحضر الصقارون مثل حضور الصقور في موسم هجرتها، ويبقون طيلة أيام موسم القنص، وكل رجل يكلف بالعناية وتدريب صقرين أو ثلاثة أو أربعة صقور، ويتم تقييم وتثمين كل صقر وأخذ مقاسه وبحث أمره وينقل الصقر من صقار لآخر لفحص حالته تحت الإبط وحول العنق ويخلع عن رأسه البرقع ثم يعاد برقعته، ثم ينقل من يد لآخر من جديد ويدور الحديث المطول طيلة الوقت والنقاش حول صفات الصقر ووزنه وحجمه وقيمته".

ويؤكد روجر أن الطريقة التي تُساس أو تُعامل بها الصقور والوضع الذي يحيط بها أثناء التدريب يؤهلها للنجاح أو الفشل عند المطاردة في ميدان القنص، و"الصقور التي تروض جيدا وتستريح وتكون على وئام مع مروضها وتتمتع بالقوة والصحة الجيدة وتحتفظ بريشها في حالة ممتازة يرجح أن تصطاد الطريدة بسهولة وأن تكافئ الصقار على العناية التي منحها لها بدون حساب، وسيكون لديها القوة والحماس اللازمان للنجاح حتى تحت الظروف الصعبة وستكون مصدر اعتزاز للصقارين والأمراء على حد سواء".

وتوجد أربعة أنواع من الطرائد أو الفرائس التي تصطادها الصقور يتوقف روجر عندها وهي طيور الحبارى وطير الكروان والأرنب البري، وطائر الحجل والقطاة، وفي الماضي غير البعيد كان الغزال كذلك بواسطة الصقور، وكانت كلاب الصيد الصحراوية تدرب لتعمل معا كفريق واحد.

كل هذا الجهد الذي بذله روجر أبتون في إعداد الكتاب الموسوعة لم يخل من تجليات عشقه وغرامه بهذه الرياضة وأصحابها.

لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

1 comments:

غير معرف يقول...

عجيب

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.