04 يوليو 2011

قراءاتكم: رواية "بائع الحلوى" (قراءة: ليلى البلوشي)


(ملاحظة: لم نستطع الحصول على صورة مناسبة لغلاف الترجمة العربية للرواية)


" بائع الحلوى " رواية صراع بين جيلين

حينما طالعت عنوان رواية " بائع الحلوى " للروائي الهندي الشهير " آر . كي . نارايان " ، اعتقدت لوهلة بأنني سأقرأ رواية تتفشى فيها الحديث عن الفقر والمجاعة السائدة في طبقات الدنيا في الهند كعادة معظم القصص والروايات الهندية ، بل سينما بوليوود أسهبت في تناولها عن مآسي الطبقات المسحوقة في الهند مع نظيرها الطبقة العليا وهي طبقة الأثرياء ، حتى ساد اعتقاد عام أن الهند يتركز سكانها بين هاتين الطبقتين بشهادة " مارتن توين " إثر زيارته للهند في القرن التاسع عشر حين قال عنها : " هذه هي الهند حقا ، أرض الأحلام والغرائب والثراء الفاحش والفقر المدقع ، للجن والعمالقة ومصابيح علاء الدين ، والنمور والأفيال ... " ، ولكن يبدو أن مؤلف رواية " بائع الحلوى " غير هذه الوجهة التقليدية ؛ فالكاتب يتحدث عن بطل ينتمي إلى أفراد الطبقة الوسطى في الهند ، والتي قلما نعرف أحوالها ، وفي هذا السياق اذكر باحثا هنديا يدعى " باوان ك . فارما " تناول في كتابه الذي صدر له حديثا " الطبقة الوسطى في الهند " أشار فيه إلى النهوض الهائل للطبقة الوسطى وأثر ذلك على نهضة الهند ككل ، فالطبقة الوسطى الهندية كانت بدايات صعوده في فترة النضال من أجل التحرر الوطني والتخلص من الاستعمار البريطاني الطويل على الهند ، وقد أشارت هذه الرواية التي صدرت لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في عام 1967م إلى مجتمع الطبقة المتوسطة في الهند في الخمسينات من القرن الماضي ، متناولا إياها بدقة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي التي سادت تلك الفترة ، وهذا يشير بدوره إلى أسبقية مؤلف الرواية إلى تأثير الطبقة الوسطى ..

يجسد " جاجان " حكاية هذه الرواية ، وهو رجل ينتمي إلى الطبقة الوسطى له محل صغير لبيع الحلويات ، توفيت زوجته اثر مرض خبيث في المخ فتركت له ابنهما الوحيد ، فيكرس " جاجان " حياته لرعاية ابنه الوحيد " مالي " موفرا له كل ما يلزمه من طعام وشراب كان يعكف شخصيا على طهوه ، ليبرز من خلالها شخصية أبوية لا مثيل لها ..

من جانب آخر تظهر سمات شخصية " جاجان " فهو شخص نشأ متعلما ، خلال دراسته الجامعية التي لم يفلح في إكمالها نتيجة التحاقه بصفوف " غاندي " لنصرة الهند من العدو البريطاني ، ويظهر على طول الرواية تأثير " جاجان " بشخصية " المهاتما غاندي " الزعيم الوطني الهندي ، فلم يكتف أن يكون من أنصاره بل تشرب أفكاره عن أسلوب الحياة والتقشف في أسلوب مأكله ومشربه وملبسه ، وآرائه الفلسفية في قيم الحياة والتعامل مع الناس مع ابنه " مالي " كذلك ..

ليظهر الصراع بين جيلين من خلال تصرفات " مالي " الذي يحسن الأب معاملته ويكون ابنه على نقيض معه ، ولكن تتبدى بذرة أولى النزاعات حين يقرر الابن عدم متابعة دراسته في الكلية ؛ بحجة رغبته في أن يصبح كاتب روايات ، تتوالى بعد ذلك سلسلة القرارات التي يخضعها الابن لأبيه ، والتي تكون بمثابة صدمات عنيفة له ، فيعزم السفر إلى أمريكا لدراسة فن الكتابة في جامعاتها ويخضع " جاجان " الأب المحب لابنه على مضض ، ولكنه بين الناس يفخر بابنه الذي يدرس في أمريكا ويحكي لهم أسلوب حياته من خلال الرسائل التي تصله من هناك ، والتي يظهر بعد ذلك أن الذي حرر تلك الرسائل هي " جريس " ، وهي الفتاة التي يفاجئ " مالي " أباه بإحضارها بعد خمس سنوات في الغربة ليقدمها لوالده ، فيعتقد الأب أنها زوجته ، ولكن الحقائق كلها تنفقع دفعة واحدة بعد ذلك ليكتشف " جاجان " أن " جريس " القادمة من أمريكا ليست زوجة ابنه بل رفيقته ، ويظهر هنا الصدامات النفسية التي تنشطر في داخله لتتشكل على هيئة خزي وعار ، فهو من طبقة هندوسية متدينة وأعرافهم لا تسمح بالعلاقات غير الشرعية ، ناهيك عن الزواج من فتاة مسيحية تأكل لحم البقر وهو محرم عند الهندوس .. وهنا تبدأ سلسلة أخرى من الذكريات التي تهجم على ذاكرة " جاجان " الأب المصدوم من ابنه ، لتكون هذه الذكريات بحد ذاتها مأربا للهرب من الضربات التي تلقاها من ابنه الوحيد ..

تنحصر معظم تلك الذكريات في العائلة التي انتمى إليها " جاجان " الأعراف التي نشأوا عليها مذ الصغر ، مبادئ احترام الآباء الذي افتقده " جاجان " في ابنه العنيد ، كما تعرض الرواية في فصله الأخير بعد صدمة الأب من عدم زواج ابنه ذكريات خطبته وزواجه على الطريقة الهندوسية بوصف دقيق ، وعن كيفية حضور مالي إلى حياتهم بعد عشر سنوات من العقم مرا به كلا الزوجين ..

وعرض المؤلف شخصيات أخرى كان لها دور الوسيط بين الأب وابنه منها شخصية " ابن العم " المنافق والانتهازي كما وصفها المؤلف ..
وتنتهي الرواية بسجن " مالي " ، وقرار " جاجان " بترك كل شيء وراءه ؛ للتعبد في معابد الآلهة ..

الرواية تحكي الكثير على مستوى الاجتماعي والديني والاقتصادي ، نجح الكاتب " نارايان " بتوظيفها في رواية واحدة بفصولها الثلاث عشر ، ليجد القارئ في كل فصل جانبا من جوانب التغييرات التي واكبت الشخصية الرئيسية التي تبلورت بهدوء وروية تتشرب في كل مرة أفكارها الفلسفية العميقة ، لتكون هذه الأفكار هي الخلاص في النهاية بالنسبة لها ..

والجدير بالذكر أن الروائي " آر . كي . نارايان " الذي ولد في مدراس عام 1906م وتوفي في عام 2001م عن عمر يناهز 94 عاما ، يعد من الأقليات التي كانت تتحدث باللغة الانجليزية في الهند ، كما أنه من أشهر الأدباء الهنود الذين كتبوا باللغة ذاتها ، وتأثروا بأدبائها على رأسهم " شكسبير " ، ومن خلال اطلاعه على المجلات الانجليزية التي صدرت في ذاك الوقت ساعدت على تكوينه فكرة عامة عن الحياة الأدبية في لندن ، ليظهر ذلك بدوره على معظم الروايات التي كتبها ..


ليلى البلوشي
Lailal222@hotmail.com


لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.