24 ديسمبر 2011

اصدارات: العرب


المصدر: اليوم السابع بتاريخ 24 ديسمبر 2011
كتب وجدي الكومي

ستمائة صفحة هى عدد صفحات كتاب "العرب" الصادر حديثا عن دار كلمات عربية، للمؤرخ الأمريكى يوجين روجان، الذى روى عبرها تاريخ خمسة قرون عربية، بدأها من الفتوحات العثمانية حتى رحيل جورج دبليو بوش الابن عن سدة الحكم فى الولايات المتحدة الأمريكية، مضيفا ذلك ملحق قصير عن الربيع العربى، الذى اندلعت أحداثه عام 2011، قبل صدور الكتاب بشهور.

استخدم المؤلف لتدوين تاريخ العرب مشاعره، وتعاطفه مع شعوب عربية، نظرت بمقت إلى الاتهام العالمى لها عام 2001 بأنها مصدرة الإرهاب، وكونها خطر ونتوء لابد من إزالته، فى سبيل تحقيق الهدوء فى العالم، ولكى يتجنب روجان الاتهام المعد مسبقا للمؤرخين الغربيين بإظهار العرب فى أقبح صورة، استخدم مصادر تاريخية عربية، ليحكى الحكاية، فخرجت فصول الكتاب البالغ عددها 14 فصل، فى شكل الحكايات أو القصص القصيرة، التى ابتعدت عن التعقيد التاريخى الذى قد يعتبره البعض ملول، ولجأ فى كثير من الأحيان إلى أن يروى الحكاية بمنظور بطلها العربى، وليس بمنظور متلقيها الغربى.

ويبدأ روجان بسرد تاريخ العرب من الفتوحات العثمانية فى القرن السادس عشر، متتبعا تاريخهم أثناء الاستعمار الأوروبى، ويضفر الحكايات بقصص عن صراع القوتين العظميين أثناء الحرب الباردة، وصولا إلى العصر الحالى، الذى هيمن عليه قطب واحد، فيبدأ أولى فصول الكتاب من لحظة أفول دولة المماليك، بعدما سقط سلطانها التاسع والأربعين قنصوة الغورى، فى موقعة مرج دابق عام 1516، على يد سليم الأول السلطان العثمانى الذى جاء فاتحا، هنا نسمع مؤلف الكتاب يستعين بقول المؤرخ المملوكى "ابن إياس" معلقا على هذه الفاجعة:"كانت ساعة يشيب منها الوليد ويذوب لسطوتها الحديد".

فى الفصل الرابع من الكتاب المسمى "مخاطر الإصلاح" كان مؤلف الكتاب قد تعمق فى تاريخ دولة محمد على، ويذكر أن تونس تمتعت كمصر باستقلال عن الإمبراطورية العثمانية، مكنها من القيام بمشروعات تنمية خاصة بها فى القرن التاسع عشر، ويقارن روجان بين تونس ومصر وكيف استطاع أحمد باى فى الأولى أن يتأثر بمحمد على فى الثانية، ويؤيسس جيشا نظاميا فى تونس، ومدرسة عسكرية، وصناعات مساعدة تنتج الأسلحة والملابس المطلوبة لتزويد الجيش الجديد بها.

ويخصص روجان الفصل الخامس المعنون بـ"اول موجات الاستعمار" ليروى كيف سقطت مصر وباقى دول شمال إفريقيا فى أيدى إنجلترا، وفرنسا، اللتان استأثرتا بالقسم الأكبر من التركة العثمانية، ونتعرف فى هذا الجزء من الكتاب على دخول المطابع لمصر لأول مرة فى عشرينيات القرن التاسع عشر، وبدء إصدار الصحف، تحت رقابة حكومية غير مباشرة، لافتا إلى أن بيروت والقاهرة صارتا مركزين مهمين للصحافة والنشر فى العالم العربى.

ويبرز القسم المهم فى الكتاب، الذى يروى فيه المؤلف الأمريكى باقتدار، كارثة فلسطين، وكيفية سرقتها مستعرضا تفاصيل العصابات الصهيونية ونشأتها، وهجومها على البريطانيين، ومحاولاتهم فى البداية للحصول على تأييد ألمانيا بالدولة اليهودية، ثم سقوط هذه العصابة فى حالة من الجمود، أعقبها فوران وتجدد عام 1943، بعدما صارت حركة مقاومة ضد الحكم البريطانى عام بقيادة قائد نشط اسمنه مناحم بيجين، ويروى روجان قصصا عن الكفاح المسلح الذى قاده بيجين وإسحق شامير ضد البريطانيين، كما يروى فى هذا الفصل من الكتاب الصراعات التى جرت بين العرب واليهود، مشيرا إلى تورط بريطانيا فى منح وعد بلفور لليهود، دون حفظها حق الطوائف غير اليهودية المقيمة فى فلسطين، حسبما جاء فى وعد بلفور.

ويحكى روجان فى فصل عنونه "صعود القومية العربية"عن بدء صعود ايدولوجية جديدة هى " القومية العربية" أثناء التحرر من الحكم الاستعمارى بحلول أربعينيات القرن العشرين، وطموح الشعوب العربية آنذاك فى إلغاء الحدود التى رسمتها القوى الإمبريالية لتقسيم الغرب، ويستعين روجان هنا بمقتطفات من سيرة نوال السعداوى الذاتية، وقتما كانت طالبة بكلية الطب ليروى كيف كان المشهد فى مصر فى الأعوام السابقة على ثورة يوليو، ثم يتناول كيف انتهى النظام السياسى الملكى فى مصر بحريق القاهرة، فى 26 يناير 1952، ويعرج منها على قصة الضباط الأحرار، مستعينا فى هذا الجزء من الفصل بمقتطفات من مذكرات محمد نجيب أول رئيس لمصر بعد الثورة.

ويتحدث روجان فى الفصول التالية لهذا الكتاب، عن آفول القومية العربية، ودخول العرب عصر النفط، ثم يعرض فى الفصل الثالث عشر لما سماه بقوة الإسلام، متناولا التحول الذى شاب البلدان العربية، بعدما كان توجه الشرق الأوسط علمانيا عام 1981، ويستعين هنا المؤلف بكتاب "معالم فى الطريق" لسيد قطب، ليروى كيف اعتمدت قوة رسالة قطب على بساطتها ووضوحها وصراحتها، ثم يتتبع بعد ذلك انتشار التحدى الإسلامى من مصر إلى سوريا وتأسيس حركة إسلامية سورية بها، على يد مصطفى السباعى مؤسس الفرع السورى من جماعة الإخوان المسلمين، ويعرض المؤلف رواية شيقة لتطور الصراع بين الحركة الإسلامية السورية، واللواء حافظ الأسد الذى وصل إلى السلطة فى انقلاب 16 نوفمبر عام 1970.

لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.