الأم
رواية روسيّة لمكسيم غوركي – ترجمة الأخوين أيوب
خلال فجر هذا اليوم، انتهيتُ من قراءة هذه الرواية، التي قاربت صفحاتها الخمسَ مئة صفحة، حسب طبعة داري الفارابي والتنوير اللبنانيين 2007. كانت الترجمة إلى حدّ كبير على مستوى عال ٍ، كما أن اخراج الطبعة وحجم الكتاب الصغير ومظهره، كـُتب له التوفيق في نظري.
الرواية بشكل مختصر، تحكي واقعَ العمّال وأحوالهم في عصور القياصرة، وكيف كانت السلطة تجَابه الفكر والمعارضة بالنفي إلى سيبيريا بعد محاكمَ شكلية. وقد كان ابتناء الرواية على شخصيتين مركزيتين؛ هما الأم وابنها، رغم ما توفر من مناضلِين غيرهما في الروايَة.
وأثناء تلك الصفحات، يقف مكسيم على شفا مشاعر الأمّ، واضطلاعها بدور الحاضن للثورة، ليُظهرَها – بعد ترددها وخوفها من المشاركة – بكلماته وتعابيره الجميلة ومفرداته العذبة، التي وافقت ما قرأنا عنه حول الأدب الروسي وقدرته على محاكاة المشاعر النفسانيّة. بل وأكثر من ذلك، ورغم الدعوة الواضحة والعلنية إلى الإشتراكية كمنهج، في سطور هذه الرواية، إلا أنّ الكثير من الحِكم تظهر متناثرة على ألسنة المتحاورين من الشبان الثائرين. ليتحول ذلك بعد تقدّم الرواية، إلى نوع من الحوار الجادّ، وأشباه الخطب الرنّانة، والعميق إلى حدّ ما، حول العمّال والعدالة والمساواة، وحتميّة التغيير.
ومن الجميل في الرواية، تكرارُ وصفها لقسوَة البرْد الروسي، وإنْ بطرق ٍكثيرة. فترى الكاتب يجيد حياكة مشهد مـَـا، في ذلك الجوِّ القارس، والإرتعاش المتزايد لفرائص أركانه. إجادة، تشابه تماماً براعة الكاتب غوركي في وصف حبًّ نشأ ولما ينتهي بين بعض الشخصيات. ولي أن أسجل شكري له، فقد وصفه – كلما وصفه في الرواية – بنوع ٍ شديد العفة من ذلك المسمى بالحبًّ العذري.
وإضافة لكلّ ذلك، لم يفتْ الكاتب أن يقدّمَ وصفاً شاملاً لأجسام، وأخلاق شخصياته. فتراه يزرع صفة هنا أثناء الحوار، ويؤكد على أخرى هناك، وينتقد صفة بين هذا وذلك أو يثني عليها. في تنوع جميل وتشكيلة واسعة من الصفات الخـَـلـْقيّة والخــُلــُقيّة المنتشرة في ” حياوات ” أبطال روايته.
هذه الرواية، كانتْ أولَ تجربة لي مع الأدب الروسي، وفي تقييمي العام لها، لي أن أقيِّمها بعلامة 7.5 من 10. والرواية تباع في المكتبات بمبلغ يقارب الخمسين ريالاً سعودياً. وتوجد لها نسخة قديمة مرفوعة على الانترنت لمن أراد.
وبقي أن أشير نهاية ً، إلى أنّ كتابي التالي، سيكون ” المجتمع والتاريخ ” للمفكر الكبير الشهيد مطهري.
بعض المقتطفات من الرواية :
- لا مفرّ من ملاحظة الناس عندما يحسنون السلوك، فالمرء يتساءل عندئذ عما حدث.
- الناس لا يريدون الاستماع إلى الكلمات العارية، يجب أن تتألم، ينبغي أن تغمس كلماتك في الدم.
- لقد نما بغضها لهؤلاء الضيوف الرماديين….فاستهلك مخاوفها وطغى عليها.
- كانت ندف ثقيلة من ثلج الخريف تتساقط وراء النافذة، متعلقة بزجاجها برهة وجيزة من الزمن قبل أن تذوب بسكينة وتنزلق عنه تاركة وراءها خطوطاً ندية.
- إن ظهركِ لكثير الاستقامة بالنسبة لامرأة عاملة!
- لقد خدعونا حتى فيما يتعلق بالله أيضاً: في إشارة إلى تسويق أهل الكنيسة للوضع الظالم بالنسبة للعمال.
الميرداماد
6 comments:
تحليل رائع، و جذاب. لم أسمع بهذا الكتاب من قبل لكني تعرفت على الأدب الروسي من خلال المبدع دوستوفيسكي .
شكرا!
السلام عليكم والرحمة
الأخت نور..
اشكر لطفك سيدتي!
وهذا الكاتب من أعمدة الأدب الروسي، كما فهمت من القراءات، وقد ظهرت هذه الرواية بعد الثورة الروسية التي وقعت في ملطع القرن الميلادي الماضي..
للاستزادة
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%83%D8%B3%D9%8A%D9%85_%D8%BA%D9%88%D8%B1%D9%83%D9%8A
أكرر شكري للطفكـ
.
.
أذكر أني وجدت نسخة تحتضر في رفوف مكتبة الجامعة
واستعرتها ؛لأستمتع بقراءتها
كتاب رائع .. ورائع
سلام عليكم..
للاسف، فغالبية الروايات التي لا تحوي تلك الاثارة والعنف التراكمي الامريكي، فانها نجدها تحتضر..
اشكر مرورك ..
بدأت في قراءة الرواية قبل عام... لكن للأسف لم استطع اكمالها... لم يعجبني اسلوب الكاتب
ربما ساعود اليها مرة أخرى
السلام عليكم والرحمة
رحم الله وئام حين قال ذلكـ..
حقيقة لم يكن عرض الرواية من قبلنا من جهة التسويق لها بقدر ما كان قراءة لها؛ كونها من حصص الأدب العاليم المشهور..
وقد يكون نصيبها من الانتقاد، لا ينقص عما رشح لرواية مئة عام من العزلة، تلك التي إما أعجب بها آخرون وأعادوا قراءتها، أو أبغضها غيرهم وتاهو عنها ولما يكملوها حتى!!
أشكر لطفك سيدي..
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.