11 نوفمبر 2011

قراءات: رواية "اليهودي الحالي" لعلي المقري


يُمكنك ولا شك أن تقرأ رواية "اليهودي الحالي" للكاتب اليمني (علي المقري) في جلسة واحدة- فهي رواية قصيرة من 145 صفحة صادرة عن دار الساقي عام 2009- لكنّك رغم قِصَر الرواية ستعيش مع شخوصها وأحداثها وتساؤلاتها المطروحة بكل ما فيك من يقظة وانتباه.

يُخبرنا الراوي سالم اليهودي عن قصته التي دارت أحداثها في القرن السابع عشر الميلادي في (ريدة) في اليمن، حيث كان صبيًا في الثانية عشرة من عمره عندما عرضت عليه فاطمة ابنة المفتي أن تعلّمه القراءة والكتابة. نتعلّم بين جنبات الحكاية عن وضع اليهود آنذاك، وصراعهم للحفاظ على ديانتهم وتراثهم اليهودي في مواجهة بيئة مسلمة ومسلمين يضطهدونهم بالكلام إن لم يكن بالفعل. بين هذا تبرز فاطمة رمزًا للتسامح والسلام والحب، فهي تنظر إلى جميع البشر على أنهم خلق الله بغضّ النظر عن دياناتهم. فاطمة تكسر المألوف وتزور بيتًا يهوديًا، وتتعلم العبرية وشريعة اليهود. ينمو الحبّ بينهما فتقرر بعد أن وجدت في كلام الفقهاء ما يساعدها الزواج من سالم اليهودي الحالي (أي المليح) كما كانت تسميه، والرحيل معه.

عقدة الرواية تبدأ حين تلد فاطمة ولدًا وتموت ويُكشف السرّ أنها ليست يهودية بل مسلمة، وهنا يكون السؤال المصيري؟ هل الولد (سعيد) يهوديّ نسبة إلى أبيه حسب الشريعة الإسلامية أم مسلم نسبة لأمّه حسب الشريعة اليهودية؟

وتتوالى الأحداث ليتّخذ سالم من فاطمة مذهبًا وجوديًا، وبعدها يدوّن "حوليات اليهود اليمانية" في زمن الإمام المتوكل، ويسجّل ما عاناه اليهود من صِعاب، وما اقترفوه من جُرأة على المسلمين ووعيد بالانتقام حين يظهر المسيح المخلّص، وعقاب الإمام الذي نزل بهم وطردهم من صنعاء. وقصّة سالم وابنه سعيد تتواصل إلى الحفيد في أسلوب مماثل وهوية ومصير حائر تُختتم به الرواية [ولا أستطيع التفصيل أكثر كي لا أفسد على القارئ متعته].

رواية جميلة جدًا وتطرح تساؤلات عديدة فيما يتعلق بالعلاقة بين أبناء الديانتين في التاريخ الماضي، والإسقاطات الممكنة على الوضع المعاصر. علي المقري روائي واعد له لغة سردية ممتازة، وخيال روائي خصب، وتمكّن من أدوات اللغة، كما أنه يجيد رسم الشخصيات وحواراتها. برأيي ما يعيب الرواية هو التسارع المفاجئ للأحداث بعد رحيل سالم وفاطمة، وكأنّ المؤلف اضطر إلى حذف أجزاء من الرواية. أقولها بكل أسف أنّ علي المقري أضاع على نفسه فرصة إنتاج رواية ملحمية رائعة تخدمها الحكاية والسياق التاريخي والقضية الكبرى التي يطرحها. على أية حال، هي قصة حبّ ساحرة تدور في فلك الصراع بين أبناء ديانتين.

تستحق القراءة بكل تأكيد.
لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

3 comments:

غير معرف يقول...

شكرا على العرض

إيمان فضل يقول...

فعلا رواية جميلة جداً أنصح بها :)
مقال جميل ..
إيمان فضل

هَالـة يقول...

قرأت الرواية الأسبوع الماضي ، وأمتعتني وأدهشتني حقاً
رغم بعض تحفظاتي لبعض ما دار خلال الرواية و نيّة الكاتب منها !
اللغة مدهشة واليمنيون فصحاء يشعرونك بالإرتباك في حضرة كتبهم أيضاً ..
الرواية أثارت شغفي للقراءة حول يهود الوطن العربي و أفكارهم !

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.