29 نوفمبر 2011

إصدارات: "الشباب ولغة العصر" لنادر راج



صدر حديثًا عن الدار العربية للعلوم كتاب "الشباب ولغة العصر" للباحث نادر سراج. للأسف لا تتوفر معلومات عن الكتاب في موقع الدار، ولكن يمكن الاطلاع على الحوار التالي مع الكاتب في صحيفة النهار اللبنانية:

الباحث نادر سراج يتحدث عن 800 مقترض لغوي جديد في “لغة الشباب”:

أخشى أن تصبح العربية متداولةً في الامتحانات فحسب

يستعد الباحث اللغوي نادر سراج لإصدار كتاب حول لغة الشباب في لبنان بدعم من المجلس الوطني للبحوث العلمية، بعدما اصدر كتابيه “خطاب الرشوة” و”حوار اللغات” والكثير من الأبحاث اللغوية. في كتابه الجديد معالجة علمية لمعطيات لغة الحياة في المجتمع المديني اللبناني، مأخوذةً لحظة حدوثها، ومدروسةً “على الطبيعة”. ومع ان سراج وجّه أشرعة دراسته صوب سيل المقترضات والمختصرات الغربية التي ترفد بحر لغة الضاد، يومياً، بالجديد والعصري، والغريب، والمستهجن، والمفيد، والمعولم بطبيعته، فمنطلقه كان على وجه التحديد دراسة استراتيجيا الاقتصاد والحذف والاقتراض في صفوف الشباب. لكن وقائع التحقيق الميداني، ومضامين المعطيات المجموعة، وطبيعة تشكل ألفاظها وتراكيبها، دفعته الى تعديل أشرعة بحثه، منهجيةً ومعاينةً وتحليلاً. معه هذا الحوار.

• ما هي الاستنتاجات التي توصلت إليها من خلال بحثك وتنقيبك عن لغة الشباب في لبنان؟
- لغة الشباب هي أسلوب مستجد في عالم التخاطب اليومي. ليست صناعة لبنانية فحسب، لأن غالبية البلدان العربية والغربية اهتمت بهذه الظاهرة الشبابية وتأملت في اللغة التي تنتجها او تصدر عنها. في الجزائر، ثمة ظاهرة اسمها “الحيطيست”، هم الشباب العاطلون عن العمل الذي يسندون الحيطان في الشارع. لقد تم وصفهم بـ”الحيطيست” وهي كلمة مركبة من العربية والفرنسية، ويُقصد بها هؤلاء الذين لا عمل لهم طوال النهار، سوى التبطل والتسند على الجدران والحوائط. في مصر هناك ظاهرة “الروش”: طحن روش وثياب روش وشباب روش… الخ. لبنان لا يغرد خارج السرب، وخصوصا انه يتمتع بميزات عديدة منها التنوع الثقافي والاثني وانفتاحه وقدراته على استقبال كل انواع الموضة، العادي منها أو الغريب أو المستهلك. لذلك، فإن لغة الشباب في لبنان هي رد فعل طبيعي على مؤسسات تُعتبر محافظة، أعني مؤسسة الأهل ومؤسسة الزواج والمؤسسات الجامعية، والمدرسة وبيئة العمل.
يحاول الشبان على نحو دائم، الخروج على إطار التقليد. احيانا يأخذون المفردات القديمة ويحمّلونها دلالات ومعاني جديدة. أضف إلى ذلك أنهم يعتمدون كثيرا على مبدأ الاقتراض من اللغات الأجنبية عموما والانكليزية خصوصا. لقد احصيت في كتابي الجديد نحو 800 مقترض تعود الى مراكز اهتمامات الشباب من اللغات الاجنبية، بين الفرنسية والانكليزية وغيرهما. يعلم الجميع أن دخول الحاسوب والانترنت في حياتنا، ادى الى فيضان “اللغة العنكبوتية” القائمة على الانكليزية. معظم الشبان في لبنان يعرّبون اللغة الانكليزية على طريقتهم، مثل “فرمت” و”سيف” و”أوفرة” وآخرها “تويتر” من twiter، الى درجة ان التعامل مع الانترنت لم يعد يتم إلا من خلال اللغة الانكليزية أو اللغة المقترضة. شيء آخر في موضوع الاقتراض يميل إليه الشبان، مثل الملابس والسيارات والرياضة، والأكل. الأهم من ذلك كله، ان موجات الاقتراض كلها تنشأ في أماكن الاختلاط العامة، يعني أين تنطلق الكلمات الجديدة؟ غالبا في “المول” أو المجمع التجاري، ومقاهي الأرصفة وصالات السينما والأماكن. أصبحت تشكّل بيئات اجتماعية تفاعلية حاضنة للغة الشباية الجديدة، ومعظم الشبان الذين يرتدون ملابس على الموضة أو يحملون حواسيب، لا يمكن إلا ان يكونوا في بيئات المجمعات التجارية، التي تشكل موئلا لإنتاح اللغات وترويجها. هناك عالم متكامل يحتاج الى لغة جديدة. حتى اللهجات المتطورة باتت تعتبر بالنسبة الى الشباب “لغات خشبية. الآن اذا تحدثتُ إلى ابنتي عن مثل شعبي، تقول هذاdémodé . قاطع وقته. لأن حياتها مستغرقة في العوالم العصرية واللحاق بالموضة الجديدة.

• ماذا يتضمن كتابك الجديد عن لغة الشباب؟
- يخوض هذا الكتاب في العديد من المجالات الحياتية العامة التي تخصّ عموم أفراد المجتمع بمن فيهم الشباب من الجنسين. الظواهر اللغوية الاجتماعية المتنوعة، والشائكة، والملتبسة في آنٍ واحد، تسعى لأن تستقصي في ضوء علوم العصر منطلقات حصول التغيرات التعبيرية التي تسود البيئة الشبابية وكيفياتها، جامعية أكانت أم ثانوية أم حتى قوى عاملة وأخرى شعبوية مسيّسة. لهذه الغاية عاينت المعيش في “أرض الواقع”؛ وجمعت معطياتي من طريق السمع والبصر. المواضيع المثارة، مألوفة أكانت أم مسكوتاً عنها ومستبعدة من جنّات البحث العلمي، لفتت انتباهي. خضت فيها وفق إمكاناتي، وبالاستناد إلى المراجع ، بما فيها الإيرانية. وكانت وسائل الإعلام خير معين لنا في هذا البحث الميداني الشائق والشائك على حدّ سواء.
جمعت الكثير من المقترضات التي اصبحت سائدة. على سبيل المثال، محطة تلفزيونية تبث اعلانا عن نفسها يقول “ما اكشنك” (من action الانكليزية). لقد ابتكرت المحطة فعلاً غير موجود في الانكليزية او حتى في العربية، هذا الكلام الذي جمعته، حاولت ان اسنده بمدوّنات صحافية، فاكتشفت ان الميل الجديد للصحافيين في لبنان ينتج مئات التعابير باللغات الأجنبية والمقترضات الاجنبية، ويستخدمها. كنا نحن الباحثين اللغويين نعتبر استعمال الكلمة المقترضة ظاهرة. الآن اصبح استعمال الكلمات المقترضة خبزاً يومياً وعملا بديهيا تستدعيه الاحتياجات التواصلية المستجدة.

• كيف تفسر لغة الشباب الجديدة؟
- لغة الشباب أسميها محاولة تمايز. كان الجيل السابق يلجأ الى الاقتراض بالطبع، لكنه لم يكن يعمد الى “تشويه” كلامنا أو زرعه بمئات المفردات الاجنبية. شخصياً عندما اجد مرادفاً عربيا للكلمة ويؤدي المعنى المطلوب كنتُ استخدمه بدون تردد، لكن الابناء يختلفون كثيرا. عندما تفتح صحيفة كبيرة فتجد عنواناً مثل “الغوغلة” المستمدة من كلمة Google لا تفاجأ. ذلك أنه ليس هناك تعبير يناسب مصدر مراجعة موقع “غوغل” بالعربية. في زمن السرعة هذا، لا مجال للبحث عن كلمة مناسبة او إنتظار اجتماع دوري للمجمع اللغوي في الشام او عمان أو القاهرة وانتظار سنوات لابتداع معادل عربي لكلمة “غوغل”. يبحث الشبان عن اللغة السهلة والسريعة في زمن سيطرة اللغة الانكليزية بمسمياتها ومفرداتها الجديدة ومخترعاتها. الشبان أسرع من جمهور الباحثين الى مواكبة كل جديد، ولا ينتظرون اذنا من المجمعات اللغوية.
لفتتني أثناء بحثي، ظاهرة الاقتصاد اللغوي لدى الشباب الللبناني. هذه الظاهرة حاضرة في اللغات الأجنبية، لكنها في اللغة العربية كانت قليلة او نادرة. لا اذكر الا “م ت ف” (منظمة تحرير الفلسطينية) او “ش ل م” (شركة لبنانية مساهمة) وأمثلة اخرى. اليوم بات هناك استعمالات كثيرة للاقتصاد اللغوي منها على سبيل المثال “س – س” (السعودية – سوريا). على أن الشبان اللبنانيين من خلال الاقتراض اللغوي توصلوا الى الاقتصاد اللغوي أيضا وخصوصا في وسائل الاعلام.

• في ظل طوفان الانترنت ولغته، في رأيك أيّ مستقبل للغة العربية؟
- ما اخشى منه في هذا المجال، ان تتحول اللغة العربية الى مجرد مادة تعليمية كالكيمياء مثلا، يسعى الطلاب الى معرفة ما تيسر منها لاجتياز الامتحان. لذا يلاحظ الاهل أن علاقة الطالب باللغة العربية تنتهي بانتهاء ارتباطه بالمدرسة او الجامعة. فالشبان حين يدخلون الى الجامعات الاجنبية تحديدا، يختارون الشيء المشترك في ما بينهم، وهو اللغة الجديدة، بعيدا من لغة الأهل والحي والناحية. ما تقوم عليه اللغة الشبابية هو مبدأ الاقتراض والاقتصاد، وتالياً كسر الجمود اللغوي التقليدي. كان المصريون يقولون “الجو”، لاحقا فهمنا ان الجو يعني “البنت اللقطة الجميلة”، هذا يسمى تواطؤاً لغويا داخليا بين جماعات محدودة، وبدأ هذا التواطؤ ينتشر بين الشباب الذين يريدون الاستقلال عن الأجيال السابقة، ويريدون لغتهم السرية السريعة التي تناسبهم وتسهل تواصلهم وتجعلهم في مأمن من تعليقات الأهل والاساتذة.
• في رأيك ما مدى تأثير نجوم السينما والرياضة والتلفزيون على اللغة؟
- يتماهى الشباب مع الرموز في العالم، والرموز تُخلق ويُروَّج لها في وسائل الاعلام. منذ مدة قرأت ان مايكل جاكسون اصبح في حياته وحتى بعد مماته رمزا لنوع جديد من الملبوسات الغريبة. بدورهم، نجوم كرة القدم هم رموز، مثل الفرنسي زين الدين زيدان والانكليزي ديفيد بيكهام الذي باتت له قصة شعر “ماركة مسجلة”. وثمة اناس يتحدثون مقلّدين الاعلامي جورج قرداحي معتبرين أن حديثه هو السليم، ونطقه هو الأفضل. يتماهى الشبان مع الرموز الاعلامية في اللباس والكلام وطريقة المشي والحديث وحتى في أسلوب التدخين.
وهنا يكون للنجم – والنجمة بالطبع – دوره في “تشريع”، لا بل اطلاق العنان لكل شيء، من اللباس الى السلوك الى اللغات. ثمة تعابير يستعملها الشبان ولا ينتبهون الى معانيها الحقيقية أو الى السياقات الواجب ادراجها فيها، وهذا ما لاحظته من خلال مراقبة اعمال زياد رحباني الذي يلتقط الكلام الشبابي في الشارع ويستعمله على مستوى اعلى في المسرحيات والأغاني والمقابلات، ويعمد الشباب الى ترداده متناسين ان هذه لهجتهم وأن هذه المفردات هي صنيعتهم اليومية. مردّ هذه الظاهرة الى ان وسائل الاعلام او المسرحيات او الرموز – النجوم، هم الأقدر على “شرعنة” الكلام وترويجه في معظم الاحيان. فأن يقول زياد رحباني كلمة شبابية متداولة في الشارع ويجعلها عنوانا لعمل فني، مثل “منيحة”، فهي تُنسب إعلاميا وفنيا الى مستخدمها الأخير والأكثر قدرة على الترويج واعادة الانتاج في ثوب شبابي وترويجي جديد. هكذا، فاللغة وتحولاتها دورة متكاملة، من منتجها الأول الى متلقيها فإلى ملتقطها. تابعتُ اعلاناً تلفزيونيا عن مسرحية لمارك قديح عنوانها “حياة الجغل صعبة”. كلمة “جغل” اصبحت متداولة جدا، ومعناها في الأجنبية الشاب الذي يعيش على نفقة امرأة، لكن “الجغل” العربي مختلف تمام الاختلاف، فهو الشاب الجميل الذي يظهر بـ”لوكات” مختلفة او يطارد الفتيات محاولا استمالتهن، أو “شدّهن” بحسب التعبير الشبابي الأدق…

• هل تختار أمكنة في عينها لتستنبط منها بعض الملاحظات اللغوية؟
- اتقصد احيانا ان أصعد مع سائقي التاكسي لأسمع كلام الناس اليومي وبأي لغة يتحدثون. فالمواطن العادي لا يصطنع كلامه في تواصله العفوي. كلامه طبيعي وله دلالات مباشرة، لكنه اقدر منا على التعبير المباشر وخلق الصور المجازية الطريفة والصادقة وغير المتكلفة.

• في أي الأمكنة تحديدا يتم ترويج اللغات الشبابية؟
- كباحث لساني، اعتبر ان اللغات الجديدة جزء لا يتجزأ من الحراك الإجتماعي، لان المجتمع اللبناني تعددي. بغض النظر عن التزمت السياسي والديني، لا تزال هناك مساحة معقولة للتعبير الحر. وتظهر هذه اللغة الشبابية في اماكن التلاقي.
في ما مضى كان هناك ساحة البرج، يجتمع فيها ابناء الجماعات اللبنانية من مختلف المناطق فيخلقون لغة مشتركة في ما بينهم تخفف من وطأة اللهجات المحلية. اليوم هناك المجمّعات ومقاهي الرصيف تساهم في ترويج لغة جديدة مستمدة من لغة الانترنت والعولمة.
وهناك البيئات الجامعية المنفتحة التي تشكل موئل التلاقي ايضا، وبما ان هذه الجامعات ثقافتها انغلوفونية او فرنكوفونية، فلا بد أن تتلون هذه اللغات الجديدة بكم واسع من الكلمات الاجنبية، في الدلالة والتركيب. لذلك لا يمكننا الحديث عن لغة شبابية جديدة من دون ربطها بالعالم الاستهلاكي المحض، والبئيات الجامعية التربوية الحاضنة والمنتجة والمروجة. انهما قطبان لا يلتقيان لكنهما يشكلان رحم هذه اللغة الشابية الجديدة.

• ثمة عبارة لكارل ماركس تقول “كل ما هو صلب يتبخر ويطير في الهواء”. الا تنطبق هذه العبارة على اللغة ايضا؟
- كان الممثل والشاعر والكاتب يشكلون طبقة بعيدة يسمّونها مخملية عالية. اليوم تفتح الصحف وتقرأ أسماء غريبة عجيبة ومغمورة، ثمة سهولة في الكتابة والاخراج والتدوين والتمثيل ونظم الشعر وكتابة القصص.
حتى في زمن الانترنت لم تعد اهمية الكاتب في النظريات التي يقدّمها بل في عدد المرات التي يُذكر فيها اسمه على الانترنت. اصبح التفاخر في عالم اخر. حتى التقنيات الحديثة التي وجدت لتسهل مهامنا للبحث عن المعارف، دخلت في وظيفة من اجل تعزيز الأنا، بغض النظر عن المكتوب.

لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

1 comments:

نور الايمان يقول...

موضوع قيم في الجزائر ندرسه في مقياس اللسانيات



الجغرافية واثار نقاش الكثير من الطلبةو الاساتذة

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.