07 ديسمبر 2011

مقالات: القراءة بين الانحسار والتلاشي (هيثم حسين)


(المصدر: جريدة الوطن السورية، 16 نوفمبر 2011)

القراءة بين الانحسار والتلاشي

هيثم حسين

ما الذي يخيَّل إليك وأنت تقرأ خبراً تتناقله وسائل الإعلام حول وقوف القرّاء في طوابير، وتجشّمهم عناء الانتظار، لاقتناء رواية جديدة صادرة؟

هل نستغرب حين نقرأ أو نسمع أن بعض وسائل الإعلام تناقل خبراً مفاده تزاحم الكثير من القرّاء أمام المكتبات في انتظار دورهم لاقتناء رواية «1Q84» للياباني هاروكي موراكامي (1949)، الصادرة بترجمتها الإنكليزية في أميركا والمملكة المتحدة. الرواية التي نُشِرت في اليابان 2009، كانت قد احتلّت حيّزاً واسعاً من الاهتمام بعد أن نفدت الطبعة الأولى منها في اليوم الذي صدرت فيه، وكانت مبيعاتها قد بلغت مليون نسخة خلال شهر واحد. يلعب موراكامي، الذي حاز جوائز عديدة، في عنوان الرواية على اللفظ الياباني لسنة 1984 في إشارة إلى رواية «1984» الشهيرة لجورج أورويل. وكان قارئ العربيّة قد تعرّف إلى عدّة أعمال مترجمة لموراكامي منها: «الغابة النرويجيّة»، «سبوتنيك الحبيبة»، «كافكا على الشاطئ»، «رقص رقص رقص».

هذا الخبر الطازج يذكّرنا بخبر آخر مشابه له، عن رواية «الرمز المفقود» لدان براون؛ صاحب رواية «شيفرة دافنشي» الذائعة الصيت، التي تحوّلت إلى عمل سينمائيّ، حينذاك أيضاً، احتشدت الطوابير الطويلة من القراء في انتظار الحصول على نسخة أولى من «الرمز المفقود»، إضافة إلى آلاف طلبات الشراء عبر الإنترنت التي كانت قد انهالت على المكتبات قبل صدور الرواية بوقت طويل، ثمّ بالتزامن مع ذلك، كانت قد فرضت حالة من السرّيّة المطلقة من الدار التي نشرتها على الرواية، بذريعة ضمان عدم تسرّب أي معلومة عن أحداثها، فضلاً عن الجانب التجاريّ التسويقيّ الذي يغلّف المسألة، وربّما يتقدّمها في بعض الأحيان.

الخبران ربّما يعيدان إلى الأذهان نصائح يتمّ تبادلها في الغرب، عن الكيفية التي يمكن أن يؤمّن فيها المرء دخلاً ثابتاً، وهي كتابة كتاب يحقّق رواجاً ونجاحاً، ما قد يكفل لمؤلّفه عائداتٍ وأرباحاً متجدّدة مستمرّة مع كلّ طبعة.

أمّا السؤال الذي قد يتبادر، فهو استغراب الاستغراب نفسه، وهو لماذا قد نستغرب الخبر في العالم العربيّ، ما دام لن يقرأه إلا أولئك الذين قد تكتوي به أفئدتهم «حسداً وغيرة»، وتأسّفاً في الوقت نفسه، ولاسيّما أن نسبة الأمّيّة فيه تصل إلى أرقام خطرة مرعبة، هذا عدا الأمّيّة الرغبويّة التي يغرق المرء نفسه فيها، تحت ذرائع وحجج يجهد لإقناع نفسه بها، منها الانشغال الدائم، أو عدم خلوّ البال، أو إلى آخر ما هنالك من ذرائع مختلقة؟

لست بصدد تعداد فوائد المطالعة والقراءة، فهي معروفة للقاصي والداني، لكنّ ما يحزّ في القلب هو إجراء بعض المقارنة البسيطة من قبيل التنوّر والتعرّف إلى المستجدّ هنا وهناك، إذ يثير التدقيق فيما يجري من تهافت على البصريّ دون القرائيّ، الحفيظة بقدر ما يؤلم، أي إن هناك إقبالاً منقطع النظير على ما يسهّل و«يميّع»، أكثر ممّا يبني برويّة وتراكم وتركيز.. (أليس هو عصر السرعات القصوى؟).

لن نستغرب أيضاً إذا علمنا أن أكثر رواية مَبيعاً في العالم العربيّ لا تتجاوز بضعة ألوف من النسخ، وهذه تكون قد حقّقت أرقاماً فلكيّة، بالمقارنة مع غيرها من الكتب، ويقيناً أن المقارنة مؤلمة حين قياس أحوال الكتّاب والقرّاء بين عالمين.

ليس سراً أن القراءة عندنا في طريقها إلى التلاشي، أو تظلّ حكراً على بعض المُجبرين، حبّاً أو كرهاً، على حين إن الرغبة بالقراءة في الغرب ظاهرة رائجة ومألوفة، تقابلها، في العالم العربيّ، ظاهرة مؤسفة بكلّ المقاييس، وهي الرغبة عن القراءة.

ماذا سيخيَّل إليك حين تعلم أن كتاباً ما قد صدر، وأنّ هناك قرّاء يحمّلون الكاتب منية أنهم قد يقرؤون كتابه لاحقاً، حين تتسنّى لهم الفرصة، أو حين يجبرون أنفسهم على تجشّم عناء تصفّحه والنظر إليه، وقد يُشعرونه بالذنب لأنه يرغمهم على إرهاق أنفسهم، والخوض فيما لا يعنيهم..؟!

لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

1 comments:

هَالـة يقول...

(نفذت كل النسخ في يوم صدور الكتاب) !!!!!!
"وطني العربي الكبير :
وآ أسفاه على أمّةٍ ضحكت من جهلها الأممُ "

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.