23 ديسمبر 2012

مقال: العرب لا يقرأون فقرا أم تهاونا ولا مبالاة؟

(المصدر : موقع دار الفكر) 
الكاتب فاروق يوسف
 ولكن هل صحيح أن الفقراء وحدهم لا يقرأون؟ ماذا لو قلبنا السؤال وقلنا: هل يقرأ الأثرياء من العرب؟ في أبو ظبي التي تشهد حركة نشر حديثة والتي تكرم الكتاب والكتّاب، على سبيل المثل لا يوجد مخزن تجاري لبيع الكتب يمكن اعتباره مكتبة حقيقية، تعين المرء على اقتناء الكتب الأدبية والعلمية الحديثة.
هناك مخازن لبيع القرطاسية زينت بعض رفوفها بكتب السياحة والطبخ والحياكة والعناية بالحديقة المنزلية اضافة إلى الكتب الدينية، مجلدة ومطبـــوعة بطريقة مترفة. إن عثر المرء هناك على روايات فلا بد أن تكون مترجمة ومنتقاة من ذلك النوع الرائج من الكتب التي تزين أغلفتها بجملة دعائية تقول «طبع من هذا الكتاب مليون نسخة».
 أثرياء العرب هم أيضاً لا يقرأون. هل هذا يعني أننا عدنا إلى عصور ما قبل التدوين، حيث الكلام الشفاهي هو مصدر ثقافتنا الوحيد؟ التلفزيون وحده صار يثقفنا. صار التلفزيون يتحكم بمواقفنا. يمكنـــنا الحديث بغضب عن الأمية. عدد الأميين في العالم العربي في تزايد مستمر. الأمية مثل البطالة هي في ازدياد مستمر وما من شيء يشير إلى إمكانية نقصانها. في كل يوم هناك تراجع في مستوى التعليم. حتى في الدول الثرية فإن الأنظمة السياسية قد أنفقت أموالاً طائلة من أجل إفساد التعليم بحجة إصلاحه. العراق وليبيا يشكلان مثالين مهمين في هذا المجال. فبعد أن أعلنت منظمة اليونسكو العراق بلداً نظيفاً من الأمية عام 1974 نراه اليوم يتبوأ مكانة بارزة بين الدول التي تعاني الأمية. أما ليبيا فهي الأخرى أهدرت نحو أربعين سنة من عمرها في تعليم «الكتاب الأخضر»، الذي لا ينطوي إلا على رغبة شريرة في إشاعة الأمية بين الناس. سعت الأنظمة السياسية (الوطنية) في مرحلة ما بعد الاستعمار إلى تبسيط المناهج الدراسية وتزييف مبدأ الكفاءة العلمية من خلال شهادات يحصل عليها المرء من غير أن يكون قد تعلم شيئاً.
وهكذا نجحت تلك الأنظمة في ضم المتعلمين من حملة الشهادات إلى لائحة الأميين من جهة عزوفهم عن القراءة. ويعد تناقص عدد المواطنين العرب الذين يتقنون اللغات الأجنبية مؤشراً خطيراً إلى ذلك الانحطاط الذي أصاب التعليم بعصفه المدمر. فهل يعقـــل أن لا يُجيد الطبيب القراءة باللغة الإنكليزية؟ هذا ما هو متعارف عليه في سوريا. فكرة خاطئة عن الهوية القومية وضعها النظام السياسي موضع التنفيذ القسري هي التي أنتجت أطباء مقطوعين عن مصادر التطور العلمي، بل إنهم لا يعرفون شيئاً عن الأدوية التي تنتج في الغرب إلا من خلال الترجمة. إذا كان الطبيب لا يقرأ فكيف نجرؤ على التفكير في فلاح أو عامل يقرأ؟ انتهينا إلى هذا الواقع المرير الذي نعيشه الآن بقدراتنا الذاتية. ما من أحد رفع العصا في وجه النظام السوري وقال له «اجعل الأطباء أميين» ما من قوة أوحت لوزير التربية في العراق باستلام مدارس من شركات البناء هي مجرد هياكل لا تصلح للاستعمال، الأمر الذي أدى إلى أن تتكدس ثمانون طالبة في غرفة دراسية لا تحتوي إلا على عشرين كرسياً.
هذا ما فعله الأثرياء من الحكام العرب، فما الذي فعله حكام البلدان الفقيرة؟ لذلك نحن أمة لا تقرأ. كانت بيروت (لا تزال برغم ظروفها الصعبة) مدينة للكتاب. لنكتف بالمقولة التقليدية أن بيروت كانت تطبع (هي ليست كذلك منذ أن اُخترعت تلك المقولة، فهي مدينة تكتب أيضاً وإن كانت لا تقرأ كثيراً، كما يقول بعض الأصدقاء هناك) ولكن ما الذي فعله العرب من أجل إثراء تلك المكانة؟ هذه مدينة تقدم الكتاب (هو كالخبز) إلى أمة انقطعت عن العالم أكثر من خمسمئة سنة. إنها تعيدنا إلى ضوء الشمس التي صارت لا تمس أجسادنا إلا بلهبها. المقولة التقليدية ذاتها تنص على أن بغداد هي التي تقرأ ما تطبعه بيروت. فإذا ما كانت بيروت في أسوأ أحوالها قد أصرت على أن تطبع وإن بعكــــازتين فإن بغدـــاد صارت اليوم تستعمل الكتاب حطباً للتدفئة. كان هنالك زيف كبير، صار يعبر عن نفسه من خلال مواقع الإنترنيت. من يتصفح مواقع الإنترنيت العربية يتأكـــد من أن نسبة ما يُقرأ من خلالهـــــا يكاد لا يذكر قياساً لما يمكن أن لا يُـــقرأ. هناك علينا أن نتعرف على اللغة التي لا تقول شيئاً محدداً. ما من معلومات. حشود من البشر صار كلامها يشبه ثغاء الخراف. لا معنى. صار العربي يطمئن على أحواله خارج المعنى. في حقيقته فإن العربي يقرأ اليوم ما يصل إليه من جمل هي جزء من عالم افتراضي، سيخفيه الهواء بعد ثانيتين. هناك تمرين للكسل البصري يمارسه العربي كل لحظة وهو يتصفح مواقع الإنترنيت. ما من شيء يمت للقراءة بصلة، ذلك لأنه ما من شيء هناك ليقرأ. العربي لا يقرأ اليوم بل يكتفي بفعل النظر.
لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.