(المصدر: اليوم السابع)
تعددت الأسباب والموت واحد هذا هو المثال الأكثر تداولا مع المواقف المتشابهة وهذا ما يصفه كتاب "كتب تحترق..تاريخ تدمير الكتب" للمفكر الفرنسى "لوسيان بولاسترون"، حيث يعرض فى 13 فصل تاريخ حرق المكتبات بتفاصيل مثبته من خلال حفريات وكتب فى التاريخ منذ ظهور الكتابة المسمارية حتى يومنا هذا. وقد صدرت ترجمته العربية عن إدارة دار البحوث والدراسات الثقافية القطرية فى 463 صفحة. وفى عنوان "فى مهد المكتبات" يشرح لنا بولاسترون كيف كان للقدماء المصريين تاريخ طويل فى بناء المكتبات، حيث أشار إلى أن أحد الموظفين فى عهد «نيفراركارا» كتب فى قبره بأنه كان «كاتب بيت الكتب» مما يدل على وجود مكتبات فرعونية قديمة.
ثم قام الفلاسفة اليونان اعتباراً من القرن السادس قبل الميلاد بزيارات متكررة إلى مصر، ومن بينهم أفلاطون وفيثاغورث، لكنهم لم يتطرقوا أبداً إلى أى ذكر لوجود مكتبات فيها. لكن الكاتب ذكر أن هناك يونانياً مجهولاً وجد فى مصر نصاً عرف فيما بعد بـ"الإلياذة والأوديسة". واستمرارا للحديث عن تاريخ المكتبات فى مصر إذن فالأمر يستدعى بالضرورة الحديث عن مكتبة الإسكندرية الكبرى التى بنيت كما تدل مؤشرات كثيرة فى عهد البطالمة والتى وصفوها بـ «فردوس المعرفة».
ويشير المؤلف إلى أن بطليموس الثانى قد دعا أكبر العقول فى العالم من أجل القدوم إلى الإسكندرية حيث تلقوا الغذاء والسكن، وكذلك رواتب كبيرة للمساهمة فى ذلك المشروع، وقد ضمت تلك المكتبة فى بداياتها حوالى عشرين ألف كتاب يتألف بعضها من عدة أجزاء. وكانت كليوباترة تزور المكتبة باستمرار وكان الرومان فى عهد قيصر قد تدخلوا فى الصراع على السلطة فى مصر لنصرة كليوباترة ضد أخيها «بطليموس الثالث عشر»، ولذلك قرر القيصر إحراق الأسطول المعادى الضخم الذى وجده راسياً فى الميناء لكن انتشر الحريق إلى أجزاء أخرى من المدينة واشتعلت النيران بالمبانى القريبة من المرفأ كما أدّت الرياح إلى انتقالها بسرعة كبيرة مما أدى إلى احتراق المكتبة عام 48 قبل الميلاد أما عدد الكتب التى تلفت فيتراوح حسب التقديرات بين 40 ألفاً ومليون كتاب.
بينما أرجع المؤلف حرق بعض المكتبات التى ظهرت فى ظل الدولة الإسلامية إلى وجود بعض المتزمتين الذين كانوا يعتبرون مضامين بعض الكتب غير مقبولة مثل كتب الفلاسفة حيث أشار إلى فترة الانفتاح التى شهدها عهد الخليفة العباسى المأمون التى انتهت سريعاً ليتحول "بيت الحكمة" فى نظر المتزمتين إلى "خزانة المأمون" ولم تسلم تلك الفترة من إتلاف بعض الكتب. ولم يفوت الكاتب الحديث عن ما فعله هولاكو بمكتبات بغداد عندما ألقى بالكتب فى نهر دجلة.
وفى عنوان آخر من عناوين الكتاب تحدث المؤلف عن «تدمير المكتبات الجديدة» ينطلق المؤلف من القول بأن ما صرحت به الولايات المتحدة الأميركية بخصوص أنه لم يهاجمها أحد فوق أرضها قبل حدوث تفجيرات 11 سبتمبر 2001 إنما هو قول خاطئ ذلك أن البريطانيين قد هاجموها عام 1812 وبتاريخ 24 أغسطس 1814 قام الجيش الغازى البريطانى بإضرام النار فى قبة «الكابيتول» وأحرق 3000 كتاب التى كانت تحتويها المكتبة الفتية، ومن المصادفة الغريبة أن تكون موسكو قد شهدت «حريقها الكبير» فى شهر سبتمبر من عام 1812 من قبل مطلوبين إلى العدالة وبتحريض من حاكم المدينة.
ثم جاءت التكنولوجيات العسكرية الحديثة لتصبح عمليات الحرق والتخريب تجرى بواسطة القصف من بعيد أو من الجو، دون المخاطرة بإضرام النيران بواسطة اليد. وكانت خسائر الفرنسيين والألمان كبيرة على هذا الصعيد؛ وذلك قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية بكثير ففى عام 1870 وأثناء الحرب بين بروسيا وجيوش نابليون الثالث. ذلك أن مدينة ستراسبورغ القريبة من الحدود البروسية «الألمانية» كانت قد أكدت بأنها سوف تقاوم و«ستدافع عن نفسها طالما هناك جندى واحد وقطعة خبز ورصاصة واحدة».. قد تلقت ليلة 24 أغسطس من تلك السنة 1870 عمليات قصف كثيفة أدت إلى حرق المكتبة التى كانت تضم 400 ألف مجلد.
وفى إيطاليا التى تلقت فى الحرب العالمية الثانية قنابل الألمان والحلفاء بالوقت نفسه فقدت أكثر من مليونى كتاب مطبوع إضافة إلى 39 ألف مخطوط.. ولم تسلم مكتبة أكاديمية العلوم والآداب فى فلورنسة قد تدمرت نهائياً عام 1944 بينما شهدت مكتبات لندن حرائق فاقت بكثير ما حدث فى فلورنسة، حيث حرق أكثر من عشرين مليون كتاب قد أتلفت ربعها كان خلال شهر ديسمبر من عام 1940 فى مكتبات مدينة لندن المختلفة، وحيث ذكّر من ذلك بالحريق الكبير الذى عرفته العاصمة البريطانية عام 1666، كان هتلر يريد أن تحرق نيران مدافعه أقصى ما يمكن حرقه ببريطانيا.
أما بلجيكا التى عرفت بالمحايدة أثناء الحرب العالمية الثانية، لكنها كانت تقع فى أسوأ مكان فى العالم، لكن حيادها لم يستطع منع تدمير أعداد ضخمة من الكتب التى كانت تحتويها مكتباتها، ولم ينج من جميع هذه المكتبات سوى المكتبة الملكية التى بقيت «سالمة» بشكل كامل تقريباً، إذ خسرت مكتبات «سان ترود» و«ثماند» و«تروناى»أكثر من 70 ألف كتاب من مجموعة الـ 75 ألف كتاب التى كانت تحتويها.
إن الخراب الكبير الذى سببته الحروب الحديثة على مستوى إتلاف الكتب يعود بالدرجة الأولى إلى استخدام القنابل الحارقة التى يمكن لآثارها أن تصل إلى الأقبية حتى الأكثر عمقاً فيها كى تتلف محتوياتها القابلة للاشتعال، هكذا أحرقت القنابل الانجليزية ـ الأمريكية خلال يومين فقط (13 ـ15 فبراير 1945) وسط مدينة «درسدن» الألمانية كله.. وبكل ما فيه وقتلت خمسة وثلاثين ألفاً من البشر، لا أحد يعرف كم من آلاف الكتب جرى تدميرها.
لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر
تعددت الأسباب والموت واحد هذا هو المثال الأكثر تداولا مع المواقف المتشابهة وهذا ما يصفه كتاب "كتب تحترق..تاريخ تدمير الكتب" للمفكر الفرنسى "لوسيان بولاسترون"، حيث يعرض فى 13 فصل تاريخ حرق المكتبات بتفاصيل مثبته من خلال حفريات وكتب فى التاريخ منذ ظهور الكتابة المسمارية حتى يومنا هذا. وقد صدرت ترجمته العربية عن إدارة دار البحوث والدراسات الثقافية القطرية فى 463 صفحة. وفى عنوان "فى مهد المكتبات" يشرح لنا بولاسترون كيف كان للقدماء المصريين تاريخ طويل فى بناء المكتبات، حيث أشار إلى أن أحد الموظفين فى عهد «نيفراركارا» كتب فى قبره بأنه كان «كاتب بيت الكتب» مما يدل على وجود مكتبات فرعونية قديمة.
ثم قام الفلاسفة اليونان اعتباراً من القرن السادس قبل الميلاد بزيارات متكررة إلى مصر، ومن بينهم أفلاطون وفيثاغورث، لكنهم لم يتطرقوا أبداً إلى أى ذكر لوجود مكتبات فيها. لكن الكاتب ذكر أن هناك يونانياً مجهولاً وجد فى مصر نصاً عرف فيما بعد بـ"الإلياذة والأوديسة". واستمرارا للحديث عن تاريخ المكتبات فى مصر إذن فالأمر يستدعى بالضرورة الحديث عن مكتبة الإسكندرية الكبرى التى بنيت كما تدل مؤشرات كثيرة فى عهد البطالمة والتى وصفوها بـ «فردوس المعرفة».
ويشير المؤلف إلى أن بطليموس الثانى قد دعا أكبر العقول فى العالم من أجل القدوم إلى الإسكندرية حيث تلقوا الغذاء والسكن، وكذلك رواتب كبيرة للمساهمة فى ذلك المشروع، وقد ضمت تلك المكتبة فى بداياتها حوالى عشرين ألف كتاب يتألف بعضها من عدة أجزاء. وكانت كليوباترة تزور المكتبة باستمرار وكان الرومان فى عهد قيصر قد تدخلوا فى الصراع على السلطة فى مصر لنصرة كليوباترة ضد أخيها «بطليموس الثالث عشر»، ولذلك قرر القيصر إحراق الأسطول المعادى الضخم الذى وجده راسياً فى الميناء لكن انتشر الحريق إلى أجزاء أخرى من المدينة واشتعلت النيران بالمبانى القريبة من المرفأ كما أدّت الرياح إلى انتقالها بسرعة كبيرة مما أدى إلى احتراق المكتبة عام 48 قبل الميلاد أما عدد الكتب التى تلفت فيتراوح حسب التقديرات بين 40 ألفاً ومليون كتاب.
بينما أرجع المؤلف حرق بعض المكتبات التى ظهرت فى ظل الدولة الإسلامية إلى وجود بعض المتزمتين الذين كانوا يعتبرون مضامين بعض الكتب غير مقبولة مثل كتب الفلاسفة حيث أشار إلى فترة الانفتاح التى شهدها عهد الخليفة العباسى المأمون التى انتهت سريعاً ليتحول "بيت الحكمة" فى نظر المتزمتين إلى "خزانة المأمون" ولم تسلم تلك الفترة من إتلاف بعض الكتب. ولم يفوت الكاتب الحديث عن ما فعله هولاكو بمكتبات بغداد عندما ألقى بالكتب فى نهر دجلة.
وفى عنوان آخر من عناوين الكتاب تحدث المؤلف عن «تدمير المكتبات الجديدة» ينطلق المؤلف من القول بأن ما صرحت به الولايات المتحدة الأميركية بخصوص أنه لم يهاجمها أحد فوق أرضها قبل حدوث تفجيرات 11 سبتمبر 2001 إنما هو قول خاطئ ذلك أن البريطانيين قد هاجموها عام 1812 وبتاريخ 24 أغسطس 1814 قام الجيش الغازى البريطانى بإضرام النار فى قبة «الكابيتول» وأحرق 3000 كتاب التى كانت تحتويها المكتبة الفتية، ومن المصادفة الغريبة أن تكون موسكو قد شهدت «حريقها الكبير» فى شهر سبتمبر من عام 1812 من قبل مطلوبين إلى العدالة وبتحريض من حاكم المدينة.
ثم جاءت التكنولوجيات العسكرية الحديثة لتصبح عمليات الحرق والتخريب تجرى بواسطة القصف من بعيد أو من الجو، دون المخاطرة بإضرام النيران بواسطة اليد. وكانت خسائر الفرنسيين والألمان كبيرة على هذا الصعيد؛ وذلك قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية بكثير ففى عام 1870 وأثناء الحرب بين بروسيا وجيوش نابليون الثالث. ذلك أن مدينة ستراسبورغ القريبة من الحدود البروسية «الألمانية» كانت قد أكدت بأنها سوف تقاوم و«ستدافع عن نفسها طالما هناك جندى واحد وقطعة خبز ورصاصة واحدة».. قد تلقت ليلة 24 أغسطس من تلك السنة 1870 عمليات قصف كثيفة أدت إلى حرق المكتبة التى كانت تضم 400 ألف مجلد.
وفى إيطاليا التى تلقت فى الحرب العالمية الثانية قنابل الألمان والحلفاء بالوقت نفسه فقدت أكثر من مليونى كتاب مطبوع إضافة إلى 39 ألف مخطوط.. ولم تسلم مكتبة أكاديمية العلوم والآداب فى فلورنسة قد تدمرت نهائياً عام 1944 بينما شهدت مكتبات لندن حرائق فاقت بكثير ما حدث فى فلورنسة، حيث حرق أكثر من عشرين مليون كتاب قد أتلفت ربعها كان خلال شهر ديسمبر من عام 1940 فى مكتبات مدينة لندن المختلفة، وحيث ذكّر من ذلك بالحريق الكبير الذى عرفته العاصمة البريطانية عام 1666، كان هتلر يريد أن تحرق نيران مدافعه أقصى ما يمكن حرقه ببريطانيا.
أما بلجيكا التى عرفت بالمحايدة أثناء الحرب العالمية الثانية، لكنها كانت تقع فى أسوأ مكان فى العالم، لكن حيادها لم يستطع منع تدمير أعداد ضخمة من الكتب التى كانت تحتويها مكتباتها، ولم ينج من جميع هذه المكتبات سوى المكتبة الملكية التى بقيت «سالمة» بشكل كامل تقريباً، إذ خسرت مكتبات «سان ترود» و«ثماند» و«تروناى»أكثر من 70 ألف كتاب من مجموعة الـ 75 ألف كتاب التى كانت تحتويها.
إن الخراب الكبير الذى سببته الحروب الحديثة على مستوى إتلاف الكتب يعود بالدرجة الأولى إلى استخدام القنابل الحارقة التى يمكن لآثارها أن تصل إلى الأقبية حتى الأكثر عمقاً فيها كى تتلف محتوياتها القابلة للاشتعال، هكذا أحرقت القنابل الانجليزية ـ الأمريكية خلال يومين فقط (13 ـ15 فبراير 1945) وسط مدينة «درسدن» الألمانية كله.. وبكل ما فيه وقتلت خمسة وثلاثين ألفاً من البشر، لا أحد يعرف كم من آلاف الكتب جرى تدميرها.
3 comments:
تحية طيبة...
في العالم العربي ايضا تحرق الكتب!!...اذكر في زمن الحكم البعثي البائد في العراق احرقت واتلفت ملايين الكتب!!...وكذلك الانظمة العربية الاخرى التي تحارب كل كتاب لا يتفق مع فكرها ومنهجها وتأتي السعودية وليبيا-القذافي وتونس-بن علي...وغيرهم...
أحمد الراشدي::
صباحك تفاؤل
يحكي تاريخنا أن محمد بن بور العباسي عندما هاجم عمان أحرق عدة مكتبات
كما أن خردلة بن سماعة أحرق كتب العالم أحمد بن الضر الناعبي السمائلي
والوهابية عندما دخلوا إزكي أحرقوا في قرية اليمن الكتب ومنها كتب للشاعر الإزكوي محمد بن سالم الدرمكي ومنها ديوانه
وفي أواخر الدولة اليعربية عندما حدثت الفتنة والصراع على الحكم هاجم أحد المطالبين بالحكم قلعة الرستاق وأحرق باب القلعة الداخلي وأشعل النار فالتهمت مكتبة القلعة
الجوائح والأعاصير دمرت مكتبات آخرها جونو الذي أغرق عدة مكتبات ومنها مكتبة الدكتور شبر الموسوي كما طالعتنا الصفحات الثقافية..
موضوع شيق ومثير
أحمد الراشدي
تصحيح الخطأ الإملائي في التعليق السابق
العالم أحمد بن النضر الناعبي السمائلي
دمت يا المعيني
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.