25 سبتمبر 2011

إصدارات: كتاب جديد يكشف شخصية علي الوردي


(المصدر: جريدة الزمان الدولية، 24 سبتمبر 2011)


كتاب جديد يكشف شخصية عالم الاجتماع علي الوردي
ازدواجية العراقيين المسقطة

دمشق - الزمان
لا يمكن لمن يقرأ هذا الكتاب إلا أن يتهيّأ لاستقبال ضجة ثقافية حقيقية ستهز أركان المشهد الثقافي العراقي وتابواته ومحصناته التصنيمية. فقد صدر اليوم هذا الكتاب الجديد للباحثين: سلام الشماع و حسين سرمك حسن وعنوانه: "علي الوردي: الإزدواجية المسقطة، محاولة في تحليل شخصيته"، عن دار الينابيع في دمشق، ليتحرش بشخصية ثقافية واجتماعية صارت من تابوات الثقافة العراقية، شخصية كانت لها الريادة في دراسة وتحليل شخصية الفرد العراقي وسلوكه ووصمه بالإزدواجية، وإذا بنا نطالع اليوم كتابا يقوم فيه المحلل النفسي حسين سرمك حسن بتحليل شخصية هذا الرائد الجهبذ في تحليل الشخصية العراقية وهو علي الوردي، ولا يكتفي بذلك بل يستنتج بالجهد التحليلي المضني أن الإزدواجية التي وصم بها علي الوردي شخصية الفرد العراقي هي "إزدواجية مُسقطة"؛ بمعني أنها مسقطة من داخل الوردي، وأن الوردي هو أنموذج الإزدواجية الأول. ولا نعتقد أن العقل الثقافي العراقي لدي المثقف والمتلقي علي حد سواء قادر علي ابتلاع مثل هذه الحجارة التحليلية الضخمة والقاسية. حمل الغلاف الأخير للكتاب تقديما موجزا عن مشروع الباحثين قالا فيه: (لم نضع لهذا الكتاب مقدمة، ولم نوّجه الدعوة إلي أحد الأساتذة ليقدّم له لأننا لم نشأ أن نرسم للقارئ موجهات للقراءة، ولم نشأ أن نؤثر علي قناعاته.

سنوات مع الوردي إننا نريد من القارئ أن يكون حكماً بين رواية من كان قريباً من الدكتور علي الوردي ومطلّعاً علي تفاصيل دقيقة من حياته اليومية وأفكاره ومعاركه الفكرية وعلاقاته برجال عصره، وبين طبيب نفسي حلّل المعلومات التي قدّمها الرواية عن الوردي عبر حوار موّسع طويل مع الراوية، ووثائق كثيرة مذكورة في الهوامش والملاحق، ثم عاد الرواية ليعطي رأيه في التحليل النفسي الذي وضعه الطبيب، ووضع بعض الهوامش لما جاء في الكتاب). وقد اشتمل الكتاب (269 صفحة) علي ثلاثة فصول، جاء الأول في صورة لقاء موسّع وذي طبيعة (استخبارية) إذا ساغ الوصف، استجوب فيه سرمك الباحث الشماع الذي عاش سنوات طويلة في علاقة حميمة مع الوردي، عن أدق الامور في حياة الوردي وسلوكه وسيرته وبصورة تفصيلية. قدم الشماع معلومات فائقة المتعة، ووثائق لم تنشر من قبل، وأسرار تطرح لأول مرة عن الوردي. استثمر المحلل حسين سرمك هذا الخزين الهائل في الفصل االثاني ليقدم محاولة تحليلية جسور قد تكون الأولي من وعها في الثقافة العربية من خلال التصدي لتحليل شخصية عالم اجتماع انبري وعبر عقود لتحليل شخصية ابناء شعبه ودراسة تاريخ وطنه الحديث. لكن هذا التحليل لم يسلم به الأستاذ الشماع، فقام بالرد علي سرمك في الفصل الثالث بصورة مدعمة بنظرات اجتماعية ومكانية موفقة.

حوار سيكولوجي لكن من الملاحظات المهمة التي سيمسك بها القاريء هو أن الباحثين اللذين أخذا علي عاتقيهما التصدي لتحليل شخصية علامة عظيم مثل علي الوردي لم يكونا من اختصاصين متجانسين. ومن الأمثلة القريبة علي ذلك، هو أن "دار فكر" دأبت علي إصدار سلسلة معروفة ومميزة عنوانها (حوارات لقرن جديد) قدمت من خلالها العشرات من الحوارات / الكتب عن قضايا جوهرية وحاسمة في الثقافة العربية، ولكن من خلال طرفين متجانسين، بمعني أن العدد الذي حمل عنوان (التحليل النفسي.. ماضيه ومستقبله) كان في صورة حوار رائع بين طبيبين نفسيين معروفين هما: الدكتور حسين عبد القادر (من مصر)، والدكتور محمد أحمد النابلسي (من لبنان).. وكان الإختلاف بينهما "متجانسا" إذا جاز التعبير، لأنهما يمارسان البحث في حقل واحد ولكن بأدوات ومقتربات مختلفة، وهذا الأمر يوصل إلي نتائج متفردة تمتع القاريء وتثري معلوماته وتجعل الخلاف علميا متسقا في خطوطه البحثية وتحت خيمة منسجمة من الإفتراضات النظرية. لكن أن يتقابل علي تحليل شخصية الوردي محلل نفسي وصحفي فهو أمر لا يخدم التحليل علميا. وإذا قارنا الفصلين الثاني والثالث فسنجد فارقا رئيسيا وكبيرا، فالفصل الثاني هو تقرير تحليلي علمي هاديء - برغم إفراطه الواضح أحيانا - تسوقه روح المحلل النفسي الذي لا يعرف الإنحيازات العاطفية والتحاملات أو الـتأييدات الصارخة التي تشبه الولاءات العائلية. أما الفصل الثالث الذي حمل رد الأستاذ الشماع علي سرمك فقد جاء في أغلبه - مستثنين الإشارة البارعة إلي أهمية تأثيرات المكان: الكاظمية - وكأنه بيان احتجاجي ينتصر للوردي الأب الذي حاول المحلل سرمك قتله امام أبنائه. وبرغم كل شيء فإن من يقرأ هذا الكتاب بإمعان وتأمل دقيق وعميق، سيجد لزاما عليه أن يشد علي يدي الباحث الشماع علي هذه الذاكرة الحية والمتقدة التي حملت أدق التفصيلات عن أستاذه الوردي من جانب، وعلي الأسلوب البسيط والغني الذي افتقدناه مع رحيل الوردي حيث حلت علينا لعنة أسلوبيات الحداثة وما بعد الحداثة التي يهز لها الجميع الرؤوس مستحسنين وهم لم يفقهوا شيئا منها.. كما يشد علي يدي الكاتب والناقد المثابر حسين سرمك حسن علي هذه الجرأة غير المسبوقة في التصدي لهذا المشروع الخطير.. ومن المؤكد أننا سوف نستنتج أن هذا الكتاب سوف يدخل تأريخ الثقافة العربية - والعالمية لو تُرجم - من أوسع أبوابها لأنه من المحاولات الفريدة والغير مسبوقة علي الأقل عربيا. قام بتصميم غلاف الكتاب الرائع الفنان صدام الجميلي. وقد أهدي الباحثان كتابهما الخطير هذا في تحليل شخصية الدكتور علي الوردي إلي الوردي نفسه: (الإهداء: إلي روح شهيد الفكر.. رائد حركة التنوير في العراق: العلّامة الدكتور:علي الوردي).

لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.