03 مايو 2009

أسماء مستعارة (عبدالرحمن منيف)

قراءات: كتاب "أسماء مستعارة" لـ(عبد الرحمن منيف)



نُشر هذا الكتاب بعد رحيل (عبدالرحمن منيف)، وصدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر قبل أشهرٍ قليلة. ولأول مرة يتعرف القارئ العربي على (منيف) في القصة القصيرة لا الرواية. وكما تقول (سعاد منيف) في مقدمة الكتاب: "كُتبت هذه القصص بين عامي 1969-1970 والتي كانت مرحلة تجريبية في حياة الكاتب عبدالرحمن منيف وامتحانٍ أولي لممارسة الكتابة".

وكالعادة لا تجد (منيف) في تقنية سردية أو أسلوب قصصي واحد، فهو يهوى التجريب واكتشاف المقاربات الممكنة للأدب.

في القصة الأولى بعنوان "أسماء وهمية" نجد أسلوبًا إبداعيًا جديدًا، حيث يضرب (منيف) على وتر شخصية (زوربا اليوناني) في رواية نيكوس كازنتزاكي. نجد شخصية المغترب الذي ينسجم مع العالم من خلال قراءاته، ففي بلغاريا يلتقي بنادلٍ يوناني يسمّيه "زوربا"، ويتعامل معه كأنه يعرفه منذ زمن. يتفاعل هذا الرجل مع النادل ويصادقه وكأنه استكمال لزوربا اليوناني بكل جنونه ومرحه واندفاعه.

وفي قصة "قصة تافهة" نعيش مع كاتبٍ مُفلس يريد أن يكتب وأن يحيا ولكنه لا يعرف ماذا يريد، فيدخل أحد المقاهي علّه يكتب عن روّاده شيئًا. يتفرّس في الوجوه ويطلق تفكيره في أشياء كثيرة قد تبدو تافهة، ولكنها مفارقةً تحمل الكثير من الحكمة. يقول في مقطعٍ: "كل إنسان مهزوم بمعنىً معين، مع الحب، مع الإله، مع المال..مع شيءٍ ما". هذه القصة من النوع الذي تتعدد قراءاته، ولا يُمكن البتَ في حقيقة مغزاها، غير أنها بشكلٍ أو بآخر، ممتعة.

ونجد الإبداع أيضًا في القصة الثالثة "خطاب العرش"، حيث ملكٌ مُهاب يتلو لشعبه خطابًا بمناسبة عيد جلوسه الثالث والخمسين. ومن يقرأ الخطاب يجده مليئا بالسخرية اللاذعة المغلّفة بالجدية، وكأننا نقرأ "مقترح متواضع" لـ(جوناثان سويفت)، أو بعض قصائد (أحمد مطر). شمل خطاب الملك إعلان تحرير العبيد، والأمر بأداء صلاة الاستسقاء حين يوجد غيم، واستشارة المنجمين، وعدم التعرض للبغايا دافعات الضرائب، وغيرها. وفي نهاية القصة نكتشف شيئًا يقلب الحكاية رأسًا على عقب.

وفي قصة "البدء من النهاية" يحدّثنا شخصٌ كان مُصابًا بضعف الذاكرة وعدم القدرة على التركيز، وكيف أنه زار طبيبًا وقرأ كتابًا لعلاج هذا المرض فاستطاع التخلص منه باستخدام بعض الأساليب الذهنية. يتابع القارئ مع هذا الشخص تطور هذه الأساليب ونتائجها، أثناء السرد.

أما قصة "أكفان البلدية" وهي الأخيرة في هذه المجموعة القصصية، فقد تكون الأروع. هي حكاية امرأةٍ فقيرة ينعتها الناس بالخبل، واسمها (تمام). تخدم في البيوت وتنام في البيت الذي تخدم فيه، وقليلا ما تعود إلى بيتها. تموت ابنتها الصغيرة، ولا تجد المال الكافي لشراء كفنٍ لها، يغنيها عن كفن البلدية الهش الذي لا يكاد يستر الجسد. وتظلّ (تمام) تعمل بنشاط وهمّة لتجمع المال اللازم لتأمين كفنٍ لها بعد مماتها، وتضع المال عند امرأةٍ في الحيّ الذي تعمل فيه. وتحدث بعد ذلك أحداث غاية في التشويق والألم.

لكل من يهوى (منيف)-ككاتب هذه السطور- أنصح بهذه المجموعة القصصية التي تعكس التجارب الأولى لهذا الكاتب العملاق.
لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.