06 مايو 2009

كتاب منطق ابن خلدون

قراءات: كتاب "منطق ابن خلدون" لـ(علي الوردي)



مؤخرًا قرأتُ عن الفيلسوف الألماني (نيتشه) عبر فيلسوف عربي هو (عبد الرحمن بدوي)، وانتهيتُ بالأمس من القراءة عن عالم اجتماع رائد (ابن خلدون) عبر عالم اجتماع متميز (علي الوردي).
في هذا الكتاب يحاول علي الوردي تسليط الضوء على نظرية ابن خلدون الاجتماعية، ويحلل الأسس التي تقوم عليها، والظروف التي نشأت فيها، والعوامل التي تأسست عليها.
لا شك أن مقدمة ابن خلدون تُعتبر طفرة علمية بكل المقاييس، حيث أتى ابن خلدون بعلم جديد آنذاك، إذ لم يكن هناك شيء اسمه علم اجتماع (أو علم العمران كما أسماه ابن خلدون).
في الفصل الأول من الكتاب يشرح علي الوردي أساس المنطق الأرسطي الاستنباطي (مقدمة كبرى-مقدمة صغرى-نتيجة)، ومبادئه (العقلانية، والسببية، والماهية) وذلك كي يفهم القارئ اختلاف ابن خلدون عن هذا المنطق. ثم في الفصل الثاني يعرض المؤلف آراء الفلاسفة المسلمين الذين نقدوا المنطق الأرسطي، كالغزالي وابن تيمية، ليأتي بعد ذلك في الفصلين الثالث والرابع على نقد ابن خلدون للمنطق والفلسفة. ويرجح علي الوردي أن ابن خلدون استفاد من آراء الغزالي وابن تيمية وعدّلهما بما يتناسب مع رؤيته الاجتماعية. هذا ويتحدث الفصل الخامس عن آراء ابن خلدون في قضايا هامة مثل الملك والخلافة وقضية المهدي والخروج على السلطان والعصبية والزراعة.
أما القسم الثاني من الكتاب فيخصصه علي الوردي لحل لغز الطفرة الخلدونية، وهو يخالف الرأي العام السطحي الذي يرجع هذه الطفرة إلى "عبقرية" ابن خلدون، فالعبقرية وحدها كما يقول علي الوردي لا تفسر شيئًا. ولذلك يعرض العوامل الأساسية في حياة ابن خلدون التي أدت إلى تكوين نظريته، ثم يتحدث عن الإسهامات الفكرية التي أدت إلى ظهور هذه النظرية، مثل كتابات الفارابي وابن سينا وإخوان الصفا وابن الهيثم والغزالي وغيرهم.
وفي الفصل الحادي عشر يتحدث علي الوردي عن سلوك ابن خلدون، وكيف أنه كان انتهازيا منافقا يحاول الوصول إلى ما يريد أيا كانت الوسيلة. ويستغرب المؤلف من آراء بعض الكتاب العرب التي تحاول إزالة هذه الصفات عنه بحجة أنه عبقري فذ ولا يمكن أن تصدر عنه هذه السلوكيات. شخصيًا أتفق مع علي الوردي في أن العبقرية لا تعني صلاح الأخلاق، هذا وهناك شبه إجماع بين الباحثين على أن ابن خلدون كان بالفعل انتهازيا.
أما الفصل الثاني عشر فجاء يذكر بدايات الاهتمام بابن خلدون، وإشكالية "من أسس علم الاجتماع؟ هل ابن خلدون أن أوغست كونت؟"، ثم في الفصل الثالث عشر يناقش علي الوردي قضايا متعلقة بتأسيس علم اجتماع عربي. كتاب ممتع جدًا يعرفك على نظرية ابن خلدون بكل وضوح وتبسيط مدعم بالأمثلة. راقتني هذه النظرية كثيرًا وكيف أنها تحاول فهم المجتمع وممارساته وعلاقاته ومدى تقدمه عن طريق الصراع والتفاعل بين البداوة والحضارة. ابن خلدون مفكر فذ فعلا يعمل عقله فيما يدرس ويحلل ما يرى بناء على الواقع الذي أمامه، لا على أساس غيبيات ومثاليات فلسفية.
ما زال إعجابي بعلي الوردي يزداد كتابًا بعد كتاب!
لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.