03 مايو 2009

أسطورة الأدب الرفيع (علي الوردي)

قراءات: كتاب "أسطورة الأدب الرفيع" لـ(علي الوردي)

الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات التي نشأت إثر ضجة كبيرة حدثت في الجرائد العراقية في الخمسينات، بدأها د. علي الوردي بمقالاتٍ دعى فيها إلى تيسير لغة الكتابة والابتعاد عن الزخرفة والإلغاز اللغوي، وإلى نبذ تقديس الشعر العربي القديم لما في الكثير منه من مدح الظالمين والتملق للسلاطين والشذوذ الجنسي. ويورد الوردي في هذا الكتاب خمس مقالات للدكتور عبدالرزاق محيي الدين احتوت على نقدٍ لأفكار الوردي، ومن بعدها نجد مقالات كثيرة استطرد فيها الوردي لإيضاح دعوته وأفكاره.

للوردي أفكار ثورية تنمّ عن تفكير نقدي موضوعي، وتحليل مميز. قد لا نوافقه في كل ما قال، ولكننا نتفكر في الكثير جدًا من آرائه. يقول مثلا عن اللغة العربية أنها لغة مائعة غير دقيقة، فما الفائدة من وجود ألف اسم للناقة وخمسمائة اسم للأسد؟ يعتقد الوردي أن الاهتمام الشديد بالألفاظ والقافية جعلت الشعراء يخترعون كلمات جديدة كي تستقيم قصائدهم. ويرى أنه بسبب الانشغال باللفظ جاء الشعر العربي رائعا في موسيقاه، ضحلا في معانيه، ولذلك (يفقد بالترجمة موسيقاه، ولا يبقى منه سوى قليل من المعاني العجفاء) (ص89).

ويرى الوردي أن علماء النحو هم من صعّب اللغة العربية وعقّدوها، وألصقوا بها قواعد ما أنزل الله بها من سلطان، فاللغة كانت سهلة لأنها وسيلة، ولم تصبح صعبة إلا عندما غدت غاية في ذاتها. ويرى كذلك أن النحو العربي يعتمد على الإعراب كثيرًا، وليس له من هم إلا رفع الكلمة أو نصبها أو جرها- الأمر الذي يعده النحاة بالغ الاهمية لتحديد المعنى- بينما يرى الوردي أنه يمكن تحديد المعنى بإضافة كلمات بسيطة. ويورد الوردي رأي الباحث إبراهيم مصطفى الذي يقول بأن عرب الجاهلية كانوا يضعون الضمة على الكلمة التي يتحدثون عنها أو يسندون إليها خبرا، أي انها علامة الإسناد. وكانوا يضعون الكسرة عند الإضافة، وكانوا يضعون الفتحة على كل كلمة غير مجرورة او مرفوعة. خلاصة القول أن الإعراب اختراع جاء به المتأخرون من أمثال سيبويه وأبي الأسود الدؤلي. وهنا يورد الوردي اقتباسا من بحث للدكتور إبراهيم أنيس يوضح فيه أننا نجد في القرآن الكريم مخالفة لتلك القواعد اللغوية التي وضعها النحاة. أمثلة:
1- إنّ هذان لساحران.
2- إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى.
3- والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة.

ويعلّق الوردي قائلا بأننا مخيرون بين أن نضع الخطأ على النحاة أو القرآن! ويورد أمثلة وحقائق تاريخية لطريقة إنشاء علم النحو وتبيان ما كان فيها من غلو وتعقيد.

ثم يتحدث الوردي عن النثر العربي وكيف ساهم المترفون في تعقيده، حيث إنهم أرادوا لغة تميزهم عن العوام، وكيف أصبحت اللغة زخرفة وشعوذة لغوية عند الهمذاني والحريري وغيرهم ممن يعتمدون على السجع والبديع ويتكلفون الزخرفة. ويختتم بدعوته إلى تبسيط اللغة وتحريرها من التعقيد، واستخدامها وسيلة للإفهام والتواصل، ونبذ فكرة الأدب الرفيع الذي لا يتقنه إلا المترفون وأرباب اللغة.

آراء كثيرة رائعة جاء بها الدكتور الوردي، وإنني أجد في نفسي رغبة لأن أعود إلى الكتاب ذات يوم أقرؤه مرة أخرى
لنشر الموضوع على الفيس بوك والتويتر Twitter Facebook

0 comments:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.